لذلك فلا عجب أن افتقدته كثيرا بعد سفره إلى الدير،"وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر"..
* * *
لقد توقعت عندما ارتحل القمص قزمان إلى دير البراموس أن أراه بعد حين وقد نقب باحثا في ذخائر الآباء الأولين ، كاشفا عما وجده بين كنوزها من در غال ثمين .
و قد صح ما توقعت ، فلم أدهش لما أطلعني عندما قابلني علي عدد عديد مما ترجمه عن القبطية والإنجليزية من كتب عظيمة الأهمية ، فعرضت عليه أن يسارع إلى نشرها و رأينا أن نبدأها تجربة – وإنها لتجربة ناجحة بإذنه تعالي- بطبع " اعترافات القديس أوغسطينوس" التي عربها عن الإنجليزية ، فقسمناها إلى أجزاء وهذا هو الجزء الأول وستتلوه الأجزاء الأخرى عن قريب إنشاء الله .
* * *
إن القديس أوغسطينوس في اعترافاته ، إنما يصور حياته منذ أن كان طفلاً رضيعاً ،
حتى صار شابا يافعاً ، وحياته خلال هذه الفترة كحياة كل إنسان تتدرج وتتغير ، ففيها نزق ورعونة ، و فيها غيرة صالحة و وفاء ، فيها فترات شك وريبة و فيها فترات إيمان وتسليم .
فيها انحراف وراء الشهوات والملذات الدنيئة و فيها تعلق بالمبادئ والمثل العليا .
و القديس أوغسطينوس يصور لنا هذا كله في أسلوب عذب و تفصيل شيق وإيضاح لشتي العوامل التي تسيطر علي حياة الإنسان فتجعله يتخبط في أمواجها تارة تصرعه و طوراً ترفعه.
و إنه لواجب علي كل شاب ، أن يقرأ هذه الاعترافات ، لان فيها تصويراً دقيقاً لما كان هو عليه في أمسه ، و ما هو كائن عليه في يومه ، و لو عرف أن يربط جيداً ما بين يومه و أمسه لأقام دعامة صالحة لغده.
* * *
و أخيراً فإنني أري لزاما عليً أن أشير في نهاية هذه الكلمة إلي أن اللغة الإنجليزية التي عرب عنها القمص قزمان البراموسي هذا الكتاب هي اللغة الإنجليزية القديمة وهي اصعب ما تكون لفظاً و أشق ما تكون فهماً ، و لقد حاول الكثيرون ترجمة هذه الاعترافات ولكنهم فشلوا ، مما لا يسعني إلا أن أنوه بالمجهود الكبير الذي بذله قداسته في هذه الترجمة .
آما أنا ، فإنني لم اعمل سوي إيضاح بعض العبارات التي كانت تبدو غامضة ، و صياغتها بما يكفل تسهيل فهمها ، و هذا العمل ، لايعد شيئاً مذكوراً بجوار المجهود المضني الذي قام به المعرب من قبل .
ختاماً ، نسأله تعالي أن يعيد إلى الأديرة مجدها السابق لتكون منارة للعلم والدين ،و أن يسدد خطانا ويهدينا إلى سواء السبيل .
حنا فام المحامي
ديسمبر 1952 م كيــهك 1669 ش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق