الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

الرسالة الرهبانية الخامسة للأنبا أنطونيوس الكبير



الرسالة الخامسة للقديس أنطونيوس
 

 أنطونيوس إلى أبنائه الأعزاء ، الإسرائيليين القديسين فى جوهرهم العقلي .
ليس هناك حاجة إلى ذكر أسماءكم الجسدية التي ستفنى لأنكم أنتم أبناء إسرائيليون . حقا يا أبنائي ، أن الحب الذى بيني و بينكم ليس حباً جسدياً لكنه حب روحاني إلهي .

     و لهذا السبب لا أمل من الصلاة إلى إلهي ليلاً و نهاراً من أجلكم ، كي تتمكنوا من معرفة النعمة التي قد عملها الله من نحوكم . لأنه ليس فى وقت واحد فقط افتقد الله خلائقه ، لكن منذ بداية العالم وضع الله ترتيبا لكل خلائقه ، و هو فى كل جيل يوقظ كل شخص بواسطة فرص عديدة و بواسطة النعمة .


و الآن يا أبنائي :
لا تهملوا الصراخ إلى الله ليلاً و نهاراً لتستعطفوا صلاح الآب ، و هو فى سخائه و نعمته سوف يهبكم معونة من السماء معلما إياكم ، لكى تدركوا ما هو صالح لكم .
حقاً يا أبنائي :
إننا نسكن فى موتنا ، و نمكث فى منزل اللص ، و نحن مكبلون برباطات الموت , فالآن إذا :" لا تعطوا نعاساً لعيونكم و لا نوماً لأجفانكم "( مز 132 : 4 ) , حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله فى كل قداسة لكيما تروه , " لأنه بدون قداسة لا يستطيع أحد أن يرى الرب " كما يقول الرسول ( عب 12 : 14 ) .


حقيقة يا أحبائي فى الرب :
لتكن هذه الكلمة واضحة لكم : و هى أن تفعلوا الصلاح و هكذا تنعشون القديسين و تعطون بهجة للطغمات الملائكية فى خدمتهم ، و فرحاً لمجئ يسوع ، لأنهم لا يكفون عن التعب فى خدمتنا حتى هذه الساعة ، و أنا أيضاً الفقير البائس الساكن فى جسد من تراب ستمنحون فرحا لروحي .

حقًا يا أولادي :
إن مرضنا و حالتنا الوضيعة هى سبب حزن لجميع القديسين . و هم يبكون و ينوحون لأجلنا أمام خالق الكل , و لهذا السبب يغضب الله من أعمالنا الشريرة بسبب تنهدات القديسين ، و أيضاً فإن تقدمنا فى البر يعطى فرحاً لجموع القديسين ،
و هذا يجعلهم يرفعون صلوات أكثر بابتهاج و تهليل عظيم أمام خالقنا . و هو نفسه خالق الجميع ، يفرح بأعمالنا بشهادة قديسيه و يمنحنا مواهب نعمته بلا كيل .
  لذلك عليكم أن تعرفوا أن الله يحب خلائقه بصورة دائمة ، لأنه خلقهم بجوهر خالد ، و قد رأى الله كيف أن الطبيعة العاقلة قد إنحدرت كلية إلى الهاوية ، و ماتت كلية ، و أن ناموس العهد الذى فيهم قد جف و توقف . و من صلاحه افتقد البشرية بواسطة موسى . و أسس موسى بيت الحق  و أراد أن يشفى الجرح العظيم و أن يرجعهم إلى الإتحاد الأول ، و لكنه لم يستطع أن يفعل هذا فابتعد عنهم . ثم أيضا جوقة الأنبياء الذين بنوا على أساس موسى و لم يستطيعوا أن يشفوا الجرح العظيم الذى لأعضائهم . و لما رأوا أن قواهم خارت اجتمع أيضاً شعوب القديسين بنفس واحدة و قدموا صلاة أمام خالقهم قائلين :
” أ ليس بلسان فى جلعاد ؟ فلماذا لم تعصب بنت شعبى ؟ داوينا بابل فلم تشف دعوها و لنذهب كل واحد إلى إرضه ” ( إر 8 : 12 و 51 :9 ) .
    و جميع القديسين طلبوا صلاح الآب لكى يرسل ابنه الوحيد ، لأنه إن لم يأت بنفسه هنا فإن أحدا من كل الخلائق لم يكن يستطيع أن يشفى جرح البشر العظيم . من أجل هذا تكلم الآب فى صلاحه قائلا : ” و أنت يا ابن آدم فهيئ لنفسك آنية أسر و اذهب إلى الأسر بإرادتك ” ( حز 12 : 3 و أيضا إر 46 : 19 ) . إن الآب ” لم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجل خلاصنا أجمعين ” ( رو 8 : 32 ) , ” و هو مسحوق لأجا آثامنا و بجلداته شفينا ” ( إش 53 : 5 ) . و هو قد جمعنا من كل أطراف العالم صانعا لقلوبنا قيامة من الأرضيات معلما إيانا أننا بعضنا أعضاء البعض ( أف 4 : 25 ) . كونوا حريصين يا أبنائي لئلا تنطبق علينا كلمة بولس بأن لنا ” صورة التقوى و لكننا ننكر قوتها ” ( 2 تى 3 : 5 ) و الآن ليمزق كل واحد منكم قلبه أمام الله و يبكى أمامه قائلا ” ماذا أرد للرب من أجل كل إحساناته لي ” ( مز 116 : 12 ) . و إنني أخشى أيضا يا أولادي لئلا تنطبق علينا هذه الآية  :
ما الفائدة من دمى إذا نزلت إلى الحفرة ” ( مز 30 : 9 ) .
حقاً يا أبنائي :
إنني اتحدث إليكم كما إلى حكماء لكى تفهموا ما أقوله لكم و هذا ما أشهد به لكم : أن من لا يبغض كل ما يختص بالمقتنيات الأرضية و يزهدها مع كل أعمالها من كل قلبه و يبسط يدى قلبه إلى السماء إلى أب الكل فلن يستطيع أن يخلص .
   أما إذا تمم ما قد قلته فإن الله يتراءف على تعبه و يمنحه ناره غير المرئية التي ستحرق كل الشوائب منه ، و سوف تتطهر روحنا ، و عندئذ سيسكن فينا الروح القدس و يمكث يسوع معنا ، و هكذا سنكون قادرين أن نسجد للآب كما يحق . لكن إن بقينا متصالحين مع طبائع العالم ، فإننا نكون أعداء لله و لملائكته و لجميع قديسيه .

و الآن يا أحبائي أتوسل إليكم باسم ربنا يسوع المسيح :
أ لا تهملوا خلاصكم و ألا تحرمكم هذه الحياة السريعة الزوال من الحياة الأبدية ، و لا يحرمكم هذا الجسد الفاسد من مملكة النور التي لا تحد و لا توصف ، و لا هذا الكرسي الهالك أن ينزلكم عن كراسي محفل الملائكة .

حقاً يا أبنائي :
إن قلبي مندهش و روحي مرتعبة ، لأننا أعطينا الحرية أن نختار و أن نعمل أعمال القديسين ، و لكننا قد سكرنا بالأهواء و الشهوات – كالسكارى بالخمر – لأن كل واحد منا قد باع نفسه بمحض إرادته و قد صرنا مستعبدين باختيارنا , و نحن لا نريد أن نرفع عيوننا إلى السماء لنطلب مجد السماء ، و عمل كل القديسين ، و لا أن نسير فى إثر خطواتهم .
   لذلك إفهموا الآن أنه سواء أ كانت السماء المقدسة أو الملائكة أو رؤساء الملائكة أو العروش أو السلاطين أو الشاروبيم أو السيرافيم أو الشمس أو القمر أو النجوم أو البطاركة أو الأنبياء أو الرسل أو إبليس أو الشيطان أو الأرواح الشريرة أو قوات الهواء … أو ( بدون أن نقول أكثر ) سواء رجل أو إمرأة كل هؤلاء فى بدء خلقتهم نشأوا من مصدر واحد كلهم ، و هو الثالوث كلى القداسة الآب و الابن و الروح القدس . و بسبب سلوك بعضهم الشرير صار من الضرورى أن يعطى الله أسماء لكل نوع منهم طبقا لأعمالهم .
و أولئك الذين تقدموا كثيراً أعطاهم مجداً فائقاً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق