الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

الرسالة الرهبانية الثالثة للأنبا أنطونيوس الكبير

الرسالة الثالثة للقديس أنطونيوس

الإنسان العاقل الذى أعد نفسه لكي يتحرر ( يخلص ) بظهور ربنا يسوع يعرف نفسه فى جوھره العقلي , لأن الذى يعرف نفسه يعرف تدابير الخالق و كل ما يعمله وسط خلائقه .




يا أعزائي المحبوبين فى الرب :
( أنتم ) أعضاؤنا و الورثة مع القديسين . نتوسل (لأجلكم ) باسم يسوع ، أن يعطيكم الله روح التمييز ، لكي تدركوا و تعرفوا عظم المحبة التي فى قلبي من نحوكم ، و تعرفوا أنھا ليست محبة جسدية بل روحية إلهية . لأنه لو أن الأمر بخصوص أسمائكم الجسدية لما كانت ھناك حاجة لأن أكتب إليكم بالمرة لأنھا ( ھذه الأسماء ) مؤقتة . لكن إذا عرف إنسان اسمه الحقيقي فسوف يرى ( يعرف ) أيضاً اسم الحق .
و لھذا السبب أيضاً عندما كان يعقوب يصارع طوال الليل مع المالك كان لا يزال اسمه يعقوب , لكن عندما أشرق النھار دعى اسمه إسرائيل أى " العقل الذى يرى الله " ( تك 30 - 24 : 32 ) . و أعتقد أنكم لا تجھلون أن أعداء الفضيلة يتآمرون دائماً ضد الحق . لھذا السبب فقد افتقد الله خلائقه ليس مرة واحدة فقط ، بل من البدء كان ھناك البعض مستعدين ألن يأتوا إلى خالقھم بواسطة ناموس عھده المغروس فيھم ، ھذا الناموس ( الداخلي ) الذى علمھم أن يعبدوا خالقھم باستقامة . و لكن بسبب انتشار الضعف و ثقل الجسد و الإھتمامات الشريرة جف و توقف الناموس المغروس ( فى البشر ) و ضعفت حواس النفس ، حتى أن البشر أصبحوا غير قادرين أن يجدوا أنفسھم على حقيقتھا بحسب خلقتھم ، أى كجوھر ( طبيعة ) عديم الموت لا يتحلل مع الجسد .

و لذلك فھذا الجوھر ( النفس ) لم يتمكن من التحرر ( الخالص ) بواسطة بره الذاتي . و لھذا السبب سكن الله معھم ( البشر ) حسب صالحه بواسطة الناموس المكتوب ، لكى يعلمھم ( الناموس ) كيف يعبدون الآب كما يجب . الله واحد ، أى أنه جوھر واحد عاقل . و أنتم تفھمون ھذا ،


يا أحبــــائى :
إنه فى كل مكان حيث لا يوجد توافق و إنسجام ، يحارب البشر بعضھم بعضاً و يقاضون ( فى المحاكم ) بعضھم البعض . و قد رأى الخالق أن جرحھم يعظم و أنه يحتاج لرعاية طبيب ، و يسوع نفسه ھو خالقھم و ھو نفسه الذى يشفيھم ، و لذلك أرسل أمام وجھه السابقين . و نحن لا نخاف أن نقول إن موسى واضع الناموس ھو أحد سابقيه ، و إن نفس الروح الذى كان مع موسى كان يعمل أيضا فى جماعة القديسين ( جوقة الأنبياء ) و إنھم جميعاً صلوا البن الله الوحيد . و يوحنا أيضاً ھو أحد سابقيه و لھذا السبب فإن الناموس و الأنبياء كانوا إلى مجيئ يوحنا :
" و ملكوت الله يغصب و الغاصبون يأخذونه بالقوة " ( مت 11 : 12و 13 ).

و إذ كانوا لابسين للروح رأوا أنه و لا واحد من الخليقة قادر أن يشفى ھذا الجرح العظيم و إنما فقط صالح و نعمة الله ، أي ابنه الوحيد الذى أرسله ليكون مخلصا للعالم كله , لأنه ھو الطبيب العظيم الذى يستطيع أن يشفى الجرح العظيم . و طلبوا إلى الله . و ھو فى صالحه و نعمته , و ھو آب كل الخليقة , لم يضن بإبنه لأجل خلاصنا , بل سلمه لأجلنا جميعاً و لأجل خطايانا ( رو  8:  32 ) . و وضع نفسه و بجلداته شفينا ( فيلبى 8 : 2 , إشعياء 53 : 5 ) . و بقوة كلمته جمعنا من كل الشعوب و من أقصاء الأرض إلى أقصائھا و رفع قلوبنا بعيداً عن الأرض و علمنا أننا أعضاء بعضنا البعض .


 أتوسل إليكم يا أعزائى المحبوبين فى الرب , افھموا أن ھذا الكتاب المقدس ھو وصية الله . و إنه ألمر عظيم جداً أن نفھم الصورة التي أخذھا يسوع لأجلنا , لأنه صار فى كل شئ مثلنا ما عدا الخطية ( عب 4 : 15 ) . و الآن إنه من الصواب أن نتحرر ( نخلص ) نحن أيضاً من كل شئ بواسطة مجيئه , حتى أنه بقبوله الجھل بإرادته يجعلنا حكماء و بفقره يجعلنا أغنياء , و بضعفه يقوينا , و يھب القيامة لنا كلنا , مبيدا ذاك الذى له سلطان الموت ( عب 2 : 14) .

و حينئذ نكف عن أن نطلب يسوع لأجل احتياجاتنا الجسدية . إن مجيئ يسوع يساعدنا على أن نفعل كل صالح , إلى أن نبيد تماما كل رذائلنا . و عند ذلك يقول يسوع لنا : لا أدعوكم بعد عبيداً ... ( يو 15 : 15 ) . و عندما وصل الرسل إلى قبول روح التبنى علمھم الروح القدس أن يعبدوا الآب كما يجب . أما بالنسبة لي أنا الأسير الفقير ليسوع ، فإن الوقت الذى نعيش فيه قد تسبب فى فرح و نوح و بكاء . ألن الكثير من جنسنا ( الرهبان ) قد لبسوا الثوب الرھباني و لكنھم أنكروا قوته . أما الذين أعدوا أنفسھم للتحرر ( الخالص ) بمجئ يسوع ، فھؤلاء أنا أفرح بھم . أما الذين يتاجرون باسم يسوع بينما ھم يعملون مشيئة قلوبھم و أجسادھم ، فھؤلاء أنا أنوح عليھم .


أما الذين نظروا إلى طول الوقت و خارت قلوبھم و خلعوا ثوب الرهبنة و صاروا وحوشاً فإنا أبكى لأجلھم . لذلك اعلموا أن مجيئ يسوع يصير دينونة عظيمة لمثل هؤلاء .


لكن ھل تعرفون نفوسكم يا أحبائي فى الرب ، لكى تعرفوا أيضا ھذا الوقت ، و تستعدوا بتقديم نفوسكم ذبيحة مقبولة لدى الله . و بكل يقين يا أحبائي فى الرب أنا أكتب لكم كأناس حكماء قادرين أن يعرفوا أنفسهم و أنتم تعرفون أن من يعرف نفسه يعرف الله و أن من يعرف الله يعرف أيضا تدابيره التي يصنعھا من أجل خلائقه .


لتكن ھذه الكلمة ظاھرة لكم ، إنه لا يوجد عندي حب جسدي من ناحيتكم و إنما محبة روحية إلھية , ألن الله يتمجد فى جميع قديسيه ( مز 89 : 5) . ھيئوا نفوسكم طالما أن لكم من يتوسلون عنكم  لأجل خلاصكم ، لكي ما يسكب الله فى قلوبكم النار التي جاء يسوع لكي يلقيھا على الأرض ( لو 12: 49 ) ، لكي تستطيعوا أن تدربوا قلوبكم و حواسكم و تعرفوا كيف تميزوا بين الخير و الشر و اليمين من الشمال و الحقيقة من الوھم .


إن يسوع عرف أن الشيطان يستمد قوته من الأشياء المادية الخاصة بھذا العالم ، و لذلك دعى تلاميذه و قال لھم : " لا تكنزوا لأنفسكم كنوزا على الأرض " " و لا تھتموا للغد " ( مت 6 : 19 , 34 ) و حقاً يا أحبائي إنكم تعرفون أنه عندما تھب ريح معتدلة يفتخر ربان السفينة ( بأنه أتم الرحلة ) ، لكن فى وقت الرياح العاصفة المضادة تظھر مھارة الربان .


اعرفوا إذا من أي نوع ھو ھذا الوقت الذى نعيش فيه .
أما عن تفاصيل كلمة الحرية فتوجد أمور كثيرة أقولھا لكم .
" لكن أعطوا الفرصة للحكيم فيكون أكثر حكمة " ( أم 9: 9 ) .

أحييكم من الصغير إلى الكبير فى الرب
آمين .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق