الميمر الثاني والثلاثون
الأفكار الرديئة التي تأتي لا إرادياً هى بسبب الانحــــلال الســــــــــــابق .
فـــــــــــــــــإن قومـــــــاً من الناس يـــــرون تقــــــوية الجســــــــــــــم ،
ويؤثـــــــرون نياحاً قليلاً بهدف ( إمكان استمرارهم) فى عمـــــل الله ،
إنـــــــــــــــهم يصنعون ذلك إلى أن يتقووا ، ثم يعودون إلى ممارستهم .
فالخليق بنا فى أيـــــام راحتنــــــــا القليــــــــــلة ألا ننقض تحفظنـــا مطلقاً ،
وألا نسلم أنفســـــــــــنا بالتمــــــــام إلى الانحلال والاســـترخاء ،
كأناس لا يؤثرون العودة ثانيــاً إلى عملهـــــــــــــــــــــــــم .
هؤلاء ( المتهاونون بالكلية ) هم الذين يطعنون بالسهام فى وقت الســـلام ،
هؤلاء هم الذين ذخـــروا لنفوســـــهم تدليــــل الإرادة ، واقتنوها لذواتهم ،
هؤلاء ينظـــــرون أنفســـــهم فى البلــــــدة المقدسة ،
أى فى صـــــــلاتهم لابســــــين لباســـــــــاً وســــخاً .
وهذا ( أى التوانى ) يتحرك فى نفوسهم فى وقت تأمل الله والصلاة ،
إن هذه الأشــــــياء التي اقتنينـــــــــاها فى وقت توانينـــــــــــــــــا ،
هى التي تحزنا وقت صلاتنا إذا لا نقدر أن نقدمها طــــــــــــــــاهرة ،
وهذا أصابنا بسبب حواسنا ، فبقــــــيت لنا صفات تلازمنــــــــــــــا ،
( وتسبب ) هذه العــــــــــــــــــــــــثرات .
التيقظ والاحتراس معونة للإنســـــان أكــــــــــــــثر مــن الأعمـــــــال ،
والانحـــــــــــــلال يؤذيـــــــــــــــــــه أكــــــــــــــثر مــن الراحـــــــــة ،
والدليل على ذلك هو تحريك قتالات خاصة تضغط العقل بسبب الراحة ،
ولكن للإنســــــــان ســــــــــــلطاناً لكي يحلهـــــــــــا .
لأن الإنسان إذا مـــــــا تــــــــــــــرك الراحــــــــة ،
وعــاد إلى مكان العمل ترتفع عنه ، وتهرب منه .
وبعبـــــــــارة أخـــــــــرى ليس ما يتولد من الانحـــــــــلال ،
مثلمــــا يتولد من النيـــــــــــاح ،
والدليــــل على ذلك أنــــه إذا كــــــــــان فى الراحـــــــــــة ،
ولكنه فى مكان حريته ، فهو قــــــــادر على الرجوع أيضاً ،
وتدبير ذاته بملازمة قانونه إذ هو بعـــد في بلـــــدة حريته .
فأمــا فى الاسترخاء ، فإنه يكــــــــون قد خرج من ديار الحريـــــــــــــــة .
لو لم يتخل الإنســان عـن التحــــــفظ لما خضع كرهـا ، وغصبــــــــــــــاً ،
لخداع الذين يتبعونه لو لم يخــــــرج عن حد الحرية ( التي فى المسيح ) ،
لمـــــا صدمته عوارض تربطـــــــه ، و روادع تردعـــــــــه مضطـــــــراً ،
لا يقــــدر على مقاومتهــــــــــــــا .
أيها الإنســـــان : لا تترك بلد حريتك بأى حاسة من حواسك ،
لئـــــلا يصــــــعب عليــــــــك العـــــــودة ،
إذا لا تعــــــــود تقدر أن تدخـــل إليها .
الراحــــــــــــــــــة تضـــــــــــــــــر الشـــــــــــــــــــــــباب ،
وأما الاســـــترخاء فإنـــــه يؤذي الكامـــــلين والشـــيوخ .
الذين انحــــــدروا من الراحــــة إلى الأفكـــــــــــار الرديئة ،
يمكنهــــم العودة بالتحفظ والقيام فى سيرتهم العالية ،
أمــــا المتوانون عن التحفظ بأمل العمـــــــل ( فيما بعــــد )
قد اقتيدوا فى سبى يؤول إلى انحـــلال الحيــــــــــاة .
لا تدعــــــــــــو اللـــــــه عـــــــــــادلاً لأن عدله غير ظاهر في ( مقابل ) أعمـــــــالك ،
قد يوجد من يضرب فى بلدة الأعداء لكنه يمـــــــــــــــــــــــوت في وقت الســـلام .
وقد يوجد من يخرج ( من عزلتـــه ) بحجة التجارة ( للحصول على لوازم الحياة ) ،
فتصاب نفســــــــــــــه بسهم .
ينبغى لنا ألا نحزن إذا ما ذللنـــــــــــــا في أمـــــــر مـــــا ، بـــل إذا ما لازمنا تلك الزلة ،
لأن الزلل قد يتعرض له الكاملين أيضاً ، وأما الثبات فيها فهـو موت .
الحزن الذى نحزنه من أجل هفواتنا تنزله النعمة لنا منزلة العمــــــــل الطـاهر .
الذى يزل ثانية بأمل التوبة فهـــــــــــــــــــــو يسير مع الله بمكر ودهاء ،
وهذا دهمه الموت وهو لا يعلم ، ولا يتـــــــــــم له إدراك وقــــــــــت أمــــله .
كل من كان منحلاً بحواســـــه فهـــــــــــــــــــو منحل ومتراخ بقلبه أيضاً .
الذين يتزيون بزى الحماقة ويتظاهرون بها
ضبط الأعضاء الخارجية ناتج مـــن عمــــل القلب ، فإن مارسه إنسان بإفراز مثل من سبق من الآباء ،
فعمله هذا يظهر من الأشياء الغريبة الصادرة منه ، فهو غـــــير مرتبـــــــــط بمنفعــة جســــــــــــــدية ،
ولا نهم البطن ، وهو بعيد تماماً عن الغضب ، فهذه الأشياء الثلاثــــــــة أى الفائــــدة الجســــدية
إن كانت قليلة أو كــــــــــــــــــــــــــــــثيرة ،
وحدة الغضب المتكررة ، وشدة نهم البطن لو وجدت في إنســان حتى
لـو كان يظــــــــــــــن أنـــه مشابه للقديسين المتقدمين ،
فاعلم أن انحلال خارجه هو من قلة صبره ، أي أن ما فى داخــــله هـــو علــة انحـــــلال خـــارجه ،
ولأنه لم يستهن بالأمور الجسدية لذا لم يقتن الوداعة التي ينالهــا مــن احتقر نفســـــــه بمعــــرفة ،
لأن من يتبع احتقار النفس بإفراز لا يرتبــــــــــــــــط بشـــــــــيء،
ومــن يرفض الراحة والاشتياق إلى التـــــــــــــــآنس بالنــــــاس .
الإنسان المستعد لقبـــول الخسـارة بفرح من أجل الله هــو نقــــي من داخل .
وإذا لم يــزدرى بأحـــــــد مـــن أجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل ما به من عيوب فهو حـر بالحقيقة .
وإن لم يبحث عن الكرامة ولا يقطب وجهه تجاه مهينيـــــه فإنـــه قد مـــــات عن هذه الحيــــاة .
إن التحفظ بإفراز لأفضل مــــن كل تدبير ، وسيرة تمارس بـــــــأي شـــــكل من الأشـــــــكال ،
وبأي مقـــــــــــــــــــــدار ممكن للنـــــــــــــــــــــــــــــاس .
لا تكـــــره الخــــــاطئ :
لا تمقـــــت الخــــــــاطئ لأننا كلنا خطاة أثمة ،
وإن تحركت ( مشاعرك ) مـــن نحــــــــــــــــوه من أجـــل الله ، فابــك ،
وصــــــــــل مــــن أجل نفســـه ، ولم تبغضـــــه يا هـــذا ؟
فالجدير بك أن تبغض زلاتـــــــــه ، وتتضــرع من أجــــــــله لتكـــــون مشابها للمسيح ،
لأنه اتكـــأ مع الأثمـــــــة ، وهو غير غاضب عليهــم بـــــــــــل مهتمـــاً بهـــــم .
أما تـــــــرى كيـــــف انتحـــــــــــــــــــــب على أورشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــليم ؟
إن المحتــــــال ( أى الشيطان ) ليهزأ بنــا في أمــــــــــــــــــــــــور عـــــــــــــــــــــــــدة ،
فلم نبغــــــــض المهـــــــزوء بهـــــــــــــم ،وهم يشبهوننا من جهة هزء المحتال علينــــا ؟
لــــــــم تمقت الخاطئ أيها الإنسان بعــــــلة أنه ليس صديق مثلك ؟ فأين هـــــــو بــــــرك ؟
وكيــف وأنت بار وليـــــس لك حــــــــب ؟ لماذا لا تبكى بــدلاً مــــن أن تضطهـــــــــــــــده ؟
فهناك قوم يتحركون جهلاً ، ويغضـــبون على أعمال الخطاة ظانين أنهم ذوو إفــــــــــراز .
فى صـــــــلاح الله :
كـــن معلماً ومنادياً بصـــــــــلاح الله ، إذ يسوس أمـــورك عن غـــــير استحقاق منك .
وهو له عليك الديــــــــن العظيـــــــم ، ولا يظهــــــــــــــــر منك إنصافاً نحــــــــــــــوه ،
وهو يكافئك بالأمــــــــور العظيمـــــة عن أعمالك الصغيرة التي عملتهـــــــــــــــــــــا .
لا تدعــــــــــــو اللـــــــه عـــــــــــادلاً لأن عدله غير ظاهر في ( مقابل ) أعمـــــــالك ،
وإن كان داود دعاه عادلاً ومستقيماً ،إلا إن ابنــــــــــــه ( أى المســـــيح له المجـــد )
أوضح لنا أنه جــــواد وصـــــالح ، إذ يقـــــــــــــــــول إنه صالح للأشرار والمنافقين ...
قائـــــــــــــــــــــــداً إلى معرفــــــــــــــة مجــــــــدك من كل ما أوجدت إلى الأبد آمين .
كيف إذاً
تدعو الله عـــــــــــــــــادلاً إذا ما تصفحت الفصل الذي يتكلم عن أجرة الفعله ومعناه وقوله :
يا صاحب ليس بغاش لك ، أنا أريــــــــــــد أن أعـــــــــــــطي هذا الأخــــــــير مثـــــــــــــلك .
إن كانت عينـــــــاك خبيثـــــــــــــــة إلا إنــي أنا جـــــــواد .(مت 13:20-15)،
وأيضــــاً ما مر بك فى الفصـــــــــل عن الابن الذى فرق غنــــــــــــــــــــــــــــــاه فى الجهالة ،
وكيـــــف بما أظهــــــــــــــــــــــــره من الخشوع فقط بادر ( إليه أبوه ) واستلقى على عنقه ،
وأعطــاه سلطانا على كل مقتنياته ، وهذه الأمـــــــــــــــــــــــــــــــور ( أى تصرفاته الخاطئة )
لــــــــم يذكرها عنه شخص آخر فتتشكك ، بل ابنه نفسه شهد بذلك . فأين هو عـــــدل الله !؟
إذ ونحن خطاة مات المسيح له المجد عنا وإن كان هو ههنا رحيماً فنحن نؤمن أنه لا يتغــير ،
بل الاعتقـــــــــــاد بأنـــــــه (يتغــــــير) هو خطية .
لأن خــــــــــــــــواص الله لا تتحـــول كما هو حـــــال المــــــائتين ،
لأنه لا يقتنى ما ليس له ، ولا يفقد ماله ، ولا يستزيد كالمخلوقات ،
بــل ما هو له منذ البـــدء هو معــــــــــــه لا يفــــــــــــــــــــــارقه.
كقـــــــــــول القديـــس كيرلس في تفسيره سفر الخليقـــــة ( أى التكـــــــــــــوين ) ،
فلترهبه من أجــــــل المحبـــة ، لا من ( أجل ) الاسم القاسى المطـــــلق عليـــــــــه ،
ولتحبـــه إذ محبته عليك دين ، لا مــــن أجل المزمعات ( أى الملكوت ) التي يعطينا ،
بل مـــن أجل ما قــــد أخذنــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه ،
ومـــــن أجل أنه صنع هـــــــذا العــــالم لأجلنــــــــا .
ويا ليـــــت شعرى من ذا الذى يقدر أن يكافئــــه ، وأين توجد مكافأته فى أعمالنا ؟ .
ومن ذا الذي بعثــــه على إبرازنـــــــــــــــــــــــــــــــا إلى الوجـود فى البدء ؟
ومن ذا الذي تضرع إليه ، ونحن لم يكن لنا ذكــــــــر في الوجــــــــــــــود ؟ .
ومن ذا الذي أنهض جسدنا إلى الحياة ، وقرن المعرفة والفكر بهذا التراب ؟.
يا لرحمة الله العجيبة ، ونعمـــة بارينا المذهلة وقــــوته المتكلفــــة بالكل ،
وصلاحه الذى لا يقـــدر الذى يجـــود على طبيعتنا
نحـــــــن معشر الخطاة بالوجود ( أى البقاء ) أيضاً .
ومن ذا الذى يقدر أن يعبر عن شرفه ومجده إذ سيقيم الأموات ،
حتى مخالف وصــــــاياه والمفــــترى عليــه .
ويجدد التراب الذى ليس له قدرة على تصور نعمة القيامة .
وأين هــــــــى جهنــــــــــم موضــــــــــــع الأحـــــــــزان ؟
وأين هـــــــو ( مكان ) العذاب الذى يرهبنا بدرجات متعددة .
والــــــــــذى يتغـــــلب على فـــــرح محبتــــه ؟
وماذا تكون جهنم إذ قورنت بنعمة إقامته لنا ؟
فهــــــــــو الذى انتشلنا من الهاوية وألبس هذا الفاسد عدم الفساد ،
ورفعـــــــــــه إلى الشرف والمجد بعد هبوطه إلى الهاوية .
هلموا يا ذوى الإفراز ،
وتعجبــــــــــــــــــــوا يا ذوى القلــــوب الحكيمـــــة اللطيفة النجيبـــة بما يليق بجود بارينا ،
إذ كافأ المجرمين ( يقصد البشر ولو كانوا أبراراً ) بالقيامة من الموت بدل الجزاء العادل ،
وألبســــــــــــــــهم عوض تلك – الأجسام التي داست ناموسه – مجــــــــد الكمــــــــــــــال .
هذه النعمة العظيمة أعنى إقامته إيانا بعد هفواتنــــا ،
لهى أجل من إبداعنا من العدم .
السبح لجودك يارب ، الذى لا يقـــــــــــــــــــــــــــــدر ولا يحـــــــــــــــصى .
يــــــــــــــــــــــــــارب إن أمواج نعمتك دفعــــــــــتنى على الصـــــــــــمت ،
ولم يبــــــــــــــــــــــق في خاطر يعارض وجوب حمدك وشكرك بأية أفــواه .
نعـــــــــــــــــــــــترف لك أيهـــــا المــــــلك الصـــــالح الذي يشاء حيـــاتنا .
المجــــــــــــــــــــــــد لك عـــلى العالمـــــــــــــــــــين اللذين أبدعتهما لنمائنا ونعيمنا ،قائـــــــــــــــــــــــداً إلى معرفــــــــــــــة مجــــــــدك من كل ما أوجدت إلى الأبد آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق