الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

اعترافات القديس أوغسطينوس ــ مختارات من الكتاب الرابع

مختارات من الكتاب الرابع
========
-1-
إغواء الناس لاعتناق مذهب المانويين
ليتك كنت يا رب قد سمحت لأولئك المتكبرين أن يهـــــزأوا بي ،
                  و لكنهـــــم لأجـــــل فائدتهــــم لم يهـــــــزأوا !!
ليتك قد تركتهم يهزأون بي أنا المضروب و المذلول منك يا إلهي ،
                  فإنني مازلـــــت اعــــترف أمامـــك بفضيحــتي ،
و أتوســل إليـــك ، أن تحتمـــــلني ،
و أن تهبني نعمة لأعبر عما بخاطري  
من ضـــــلالات ذلك الــزمن الماضي ،
و  أقـــدم ذبيحـــة الشـــكر لــــــــك ،
لأن نفســــــــي بــــــــــــــــــــدونك ،
لم تكن تحمل سوي دليل سقوطها ،

إنني الآن أمامك و بالجهد
لســــــــت إلا طفـــــــــلاً يمتص اللبن الذي أعطيته إياه ،
و يقتـــــات بك أيهـــــــــــا الطعـــام الــــذي لا يفنـــــــي .

إن أي رجل منا مهما كان الجنس البشري الذي ينتسب إليه  ،
ليس إلا رجــلاً ضعيفــاً يضحـــــك منـــه الأقويـــاء و المقتدرون ،
و أما نحن المساكين فدعنا نعترف بإثمنا لك .
* *     *
انقياده انقياداً جزئياً للزهو و حب الأثم

و أنت يا الله قد لاحظت من بعيــــد  
كنـــــت أتعــــثر في تــــــلك المســالك الزلقـــــة ،
فأرسلت إليَ أشعة إيمانك - وسط دخــــان كثيف -
لتهدينـــــي و خلصتنــــي من محبة الزهو الكاذب .
 
-3-
استشارته العرافين
  إنني مازلت إلي الآن أرفض أن تقدم عني ذبائح إلي الشـــياطين ،  
و مع ذلك فإنني قدمت نفسي ذبيحة لهم باعتناقي تلك الخرافة ،
لأنه ليــــس هنـاك ما هــو أشر ممـن يقتـات بالهــــــــواء ،
لكي يشبع الشياطين بزيغانه و يصبح تسليتهم و هزئهم .

* *     *
-4-

 إنني أعترف بأنني قد استشــــرت هؤلاء المحتالين ،
لأنه من الخــــير لي أن أعترف بذلك قائــــــــــــــــــلاً  :
ارحمنـــــــــــــــــي و اشف نفسي لأنني أخطأت إليك ،
من أن اســـــتهين برحمتــــــــــــك متذكراً كلمات الرب :
( ها أنت قد برئـت فلا تخطئ أيضاً  لئلا يكون لك أشر ) .


مــن هــــــو الخـــــــــــالق إلا إلهنـــــــــــــا ،  
الذي هــــو العذوبة الحقــة و منبع الصـــلاح ،
الذي يعطي كل إنســــــــان بحسب أعماله ،
و لا يرفـــض القلب المنكسر و المنسحق ؟؟

* *     *
 يا من تقـاوم المتكــبرين ،
أمــــــــــــــــا المتواضعون ،
 فتعطيهـــــم نعمـــــــــة .

فهل استخدمت أنت هذا الرجل العجوز لإهلاكي ،
أم أنك امتنعت فقط عن شــــفاء نفســــــــــي ؟؟

* *     *
حزنه لموت أحد أصدقائه
لقد ضــــــل هذا الشـــــــــــــاب في الطـــريق الذي ضـــللت فيـــه ،
و ارتبطــــــــــــت نفســـــــــــي به ارتبـــــــــــــــاطاً قـــــــــــــــــوياً ،
و لكنـــــك يــا رب يا من لا تتخلى عن أبنــــــــــــــائك الذين يبتعدون عنك ،
أنت يا إله النعمة و نبع المراحـــم ،رددته إليــــــــــــك بوســـائلك المحييـة ،
                    أنت أخــــــذته من هـــــــذه الحيـاة ،
                    عندما أتــــــــم ســنة كاملة معـــي في صـداقة نادرة ،
حتى كانت حلاوته عنـــــــــــــدي أحلي من كل حلاوة ذقتها في حياتي .

* *     *
من يقدر أن يحصي كل الأعمال
التي يختبرها الإنسان في نفسه و يسبحك من أجلها ؟
ماذا فعلــــــــت معــــــي يا إلهــــي في ذلك الوقــــت ؟
حقاً ما أبعد آراءك عن الفحص و حكمتك عن الاستقصاء .

 و لكنك يا رب أبعدته عن هذياني ، و أخذته لتحفظــه معك لأجــل راحته ،
إذ بعد أيام قليلة عندما كنت غائباً بعيداً عنه ، عاودته الحمي ثانية و مات.

* *     *
    لقـــــــد أصبحــــت لي نفســــــي لغـــــزاً معقـــــــداً ،
و سألتها (لمــاذا هي هكـذا حزينة و لمـاذا تئن في) ؟
و لكنهــا لم تكــــــــــن تعلـــــــــــــــي بمــــاذا يجـــيب ،
و عندما كنت أقول لها ( ترجي إلهك ) كانت لا تطيعني،

* *     *
و الآن يا رب ، و قد اجـــــــــتزت هــــــــــذه الأمــــــور ،
                و قد سَكَن الزمن جراح قلبي المصدوع .

أفيمكـــن أن أتعلــــــــــــم منــــــــك أيهـــا الحــــق ؟
أيمكننـــي أن أقــــــــــــرب أذنــــــي فؤادي نحو فمك ،
لعلك تخبرني لمــــــــــــــاذا يحــــــلو البكــاء للحـزين ؟
و هل أنـــــت أيها الموجــــود فــــــي كــــــل مكـــان ،
رميتنـــــــــي في تعاستي و حـــزني بعيـــداً عنـك ؟

... أنت وحدك الدائـــم في نفســـــــــــــــــــــــــــك ،
أما نحـــــــــن فتتقاذفنـــــــا مصــــــــائب كثـــــــــيرة ،
و إن لـــــــــم نبك في أذنيك فلـــن يكـــون لنا رجــاء .

إن الثمـــار الحلوة لا تُجمـــع إلا من :
شـــجرة الحياة المـرة ، و من الأنــــــين و من الدمـــــوع              
                          و من التنهــدات و من الشكايات !

فإذا كان لنا رجــاء في أنك تســتجيب لنـــــا ،
فإن هـــذا يجعـــل الحيــاة حلـوة في أنظارنا .
و هـــذا لا يأتــــي إلا مــن الصــــلاة إليــــك ،
التي توجـــد فينــا الشوق للاقتراب منــــــك ،
و لكن أيوجد هــذا الشوق عندما نفقد أحداً ؟

أكــان هــــــــــــــــذا الشوق موجـوداً في الحــــــــــزن ،
الذي كنت مغمـــوراً فيـــــــه في ذلك الوقــــــــــــــــت ،
الذي لم أكن أتوقع فيه عودة صديقي ثانية إلي الحياة ،
و لم أبك مـــــــن أجــــــل عــــــودته إليهــــــــــــــــا ؟!

إنني بكيت و حزنت لأنني كنت تعيساً و فقدت كل سبب للفرح ،
فهـــل يكـــــون البكـــــــاء حقـــــــاً أمـــــــــراً محــــــــــزناً ،
و هل نبكي من أجل محبة الأشياء التي كنا نُسر بها قبلاً ،
و هل عندما نشــــمئز منها نُســــر في ذلك الوقـــــت ؟!
* *     *
هـــــــــــوذا قلبـــــــــــي يا إلهـــــــي ،
أنظــر إليــه و افحصــــــــــــــــــــــــني ،
لأننـــــــــي أتذكر ذلك جيداً يا رجائي ،
يا مــــــــن تطــــــــــــــــــــــــــــهرني ،
عندمـــــــا أتطلع إليك بكلتــــا عينـي من دنس هذه العواطف ،
أخـــــــــرج من الشـــرك قدمــــــــي لأنني ضـــللت عنـــــدما ،
و جــــــدت أناساً كثيرين كانوا علي شفا الموت و نجـــوا ،
و مـــــــات صديقي الذي كنت أحبه ،
و كنــــــت أتمني ألا يمـــوت أبـــداً .

* *     *
آه من غباء الإنسان الذي لا يعــرف كيــف يحــب أصدقاءه
                      كما يحب بقية الناس بعضهم البعض !!

كـــم كنت غبيـــــاً في ذلك الوقـــــت ،
و كم كنت أكابد من أحزاني و آلامي !!
لقـــــــــــد اضطــــــــــــــــربت و تنهدت و بكـــيت ،
لقـــــــــــد كنت مضطـــــــــرباً و حــــــــــــــــــائراً ،
دون أن   أعثر علي شـــــاطئ أرســو عليــــــه ،
و كانـــت نفسي منزعجــــــة و منتفخة و دامية ،
فلـــــــــم تستطع أن تنال الراحة.
          ...إن الغابات الهــــادئة لم يكن فيهــــا ما يطمئننـي ،
           و الموســيقي العــذبة لم يكن فيهـــا ما يشـجيني،  
           و في جمال البساتين لم يكن فيهــــا ما يســـرني ،
           و في بهجة الحفــلات لم يكن فيهــــا يطــــــــربني .
أما الكتب و الأشـــعار فكنــــــت لا أجــد فيهــــا عـــــــــــــزاء ،
الانغماس في إرضاء الشــــهوات لم يكن لي فيه متعة أو لذة .

* * *
إننــــي لو تطلــــــعت يــا رب إليـــك ، لوجدت الفــرح بقــــــــــــــــربك ،
لقـــــــد أدركت هذا ، و لكن نفسي لم ترغب في أن تذهــب إليـــــك ،
فلمــــــا فكـرت فيـك لم يكــــــــــن لهذا التفكير صدي في نفســــــي ،
لأنهـــــا لم تعــــرفك علي حقيقتك ، بل كنت عندها مجرد خيال عابر …

لقــــــد ضـــــــــللت لعدم معرفتك ،
و لهذا فشلت عندما حاولت أن أزيح عن عاتقي ثقـل أحــــــــــزاني ،
و كان الثقل ينزلق متســللاً إلي أســفل مطبقاً علي قلبــــــــــــي !
                                                      فيزيد ألمي و تعبي .

* * *
و لكـن طـــــوبى لمـن  يحبـــــــــــــك يا إلهــــي ،
و يجعـــــــــــــــــــــلك ، وحـــــــــــــدك صديقــــه ،
فيعادي من يعــــاديك ، و يحــــب من يحبـــــــــك ،
فمثل هذا الإنســــان ، لا يمـــوت لديه أبداً عـزيز ،
لأن مــن يحبهــــــــم ، إنمـــــــا يحبهــــم فيــــك .

أنت الذي لا تموت ... أنــــــــــــت وحـــدك إلهنـــــــــــا !!!
أنت وحــدك الإله الــــــــــــــــــذي يمـلأ السـماء و الأرض ،
و مادمـــــــــــــت تملأهمــــــــــــا فأنت هــــــــو خالقهمـا ،
و أنت وحــــــدك الذي لا يخسرك إلا من يبتعـــــد عنـــــك ،

و لكن إلي أين يذهــــــب و إلي أيـــن يهــــــــــرب ؟
هل يمكــن أن يُســــــــــر بالبعـــــــــد عنـــــــــــك ؟
             أو يحـــــــــزن بالقــــــــرب منــــــــك ؟!!
أنت وحـــــدك هـــو الحق و ناموســـك هو حــــق .

 * * *
كتابات عن الحَسن و المناسب

    أيها الرب إله الجنود تطلع إلينا ، و أرنـــــــــــا وجهــــــــــك فنحيـــــــــا .
إن نفوســـــنا ســــتظل قلقـة ، ما دامــــــت منحـــــــــرفة عنـــــــــك ،
كما ســـتظل مثقــلة بالأحزان ، ما بقي تعلقها بحب الكائنات الجميلة .
و مع ذلك فإن :
هـذه الكائنـات هـي منـــــــــك  لأنها لا تقدر أن تكون ما لم تكن آتيه منك .
إن هذه الكائنــــات الجميـــــلة ، تظهر و تتكاثر و لكنها لا تلبث أن تــــزول ،
إنها تنمــو و يسـتمر نموهـــــا  ، حـــــــتى يبلـــــغ حــــد الكمــــــــــــــال ،
و لكنهـــا لا تلبــث أن تفنــــي ، إنها جميعاً لا تبلغ مرتبة الشـــــــــيخوخة ،
و لكنهــا جميعــاً لابد أن تموت .
    دع نفسي تسـبحك من أجل هذه الكائنات يا خالق الكل ،                   
و لكـن لا تدعــــــــها متعـــــــلقة بحبهـــــــــــــــــــــــــــــا ،
لأنها إذا تعلقت بحبها فإن هـــذا الحــــب سيفســـــــدها ،
و لا يجعلها تســتريح إلا مـــــن دوام وجــــــــــــــــــــودها ،
و هي لـــــن تــــدوم .

لأنهـــا لابد أن تمضــــي إلي حيث يجـــب أن تكــــــــون ،
في المكــــــــــــــــــــان الذي حـددته لانطلاقهــــــــــــــا ،
لأنها بكلمتك أبدعـــــــت و بكلمتك تسمع الحكم عليهــا ،
بأن تمضـــــي إلـــــــــي نهايتها المحتومة ( من هنا إلي هنا ) .
 
* *     *

  آه يا نفسي كوني عاقلة
  و لا تدعي غوغـــاء الحمــــاقة تغـــــلق أذنـــــي قلبـــــــك ،
فإن الكلمة يناديك أن ترجعي إليه حيث ركن الراحة الركين …

إن جميع الكائنات تزول و تخلفها كائنات أخري تحل محلها ،
ليكتمــــل نظــــــام هـــــذا الكـــون ،
و لكن إلي أين تنطلقين يا نفسي ؟

إن كلمــة الله يقــــول لك :
هنــــــاك يثبـــــــــــــــــــــــــت مسكنك ، ثقــي يا نفسي بكــــل مـــا هناك ،
إنك ألان تنوئين بالأباطيل فثقي بالحـق ،  و ثقي بأنك لن تفقدي شيئاً هناك ،
لأن كل ما هنـــاك هــــــو مــــن الحق .

هنـــاك ســــوف :
                  تزدهــــــــــــــر شـــــــيخوختــــــــــــك ،
                  و تشـــــــــــــفي كـــــــــل أمــــراضك ،
                  و تتجدد كل أطرافك الميتــة فتحـــيين ،
                  و تبقـــــين إلي الأبــــــــــد أمــام الله ،
                  الذي يـــــــدوم و يثــــــبت إلي الأبــد .

* *     *
لماذا تضلين يا نفســـي و تتبعين أهواء الجسد ؟
توبي و أتبعي ربك فإنـــه يعلـــم كل ما تعمــــلين،
و إن ما تعملينـــه ليـــس إلا جزءاً مما يعلمه هــو
و مع ذلــــــــــــك فإنـــك تبتهجــين بمــا تعمـلين.

أن الله يعاقب الإنسان بعل عندما يحرمه من بعض ما يريده ،
لأن كل ما هو موجود في العالم مصيره إلي الزوال و لن يتبقى إلا الكل ،
الذي به يكون فرح الإنسان فرحاً حقيقياً .

إن اللــــــه هـــــو خــــــــالق جميع الكائنات ،
          و هـــــو أفضـل من هـــذه الكائنات ،
إنهـــــــــــا تـــــزول لتحـــــل محلهــــــــــــــا كائنات أخري ،
أما هو فإنه لا يزول و لا يوجد من يستطيع أن يحــل محله .

 * * *
إذا كــــان هنــــــاك بين الكائنات ما يســرك ،
فســــبح اللـــــــــه مــــــــــــــن أجلـــــــــه ،
و أرجـــــع محبتك له لأنـــه هــــو الذى خلقه ،
و إلا انقلب ســـرورك حـــــــــــزناً إذا فقدتــــه .

إذا كانت هنـــالك روح تسرك  فأحببها باعتبارها جزءاً من روح الله ،
لأن أرواح الكائنات متقــــــلبة و لا ثبـــات لهـــــا إلا فـــي روح الله ،
و بدونــه يكــــون مصــــــيرها إلي الفنــــــــــــاء .
فلتحــــــــــــــب ما تحب في الله ،
و لتحمـــــل إليه معـــــــــــــــــــك ما تقدر أن تحمله من الأرواح
و لتقــــــل لهــــا فلتحبـــــــي الله ، فلتحبـــــــــــــي اللــــــــه ،
إنه هــــــــــــــو خالق كل شئ ،
إنه ليـــــــــــس بعيــــداً عنــــا ، إنه لم يمـت بعد أن خلق ما خـــــلق ،
و لكنـــــــــــــــه لا يزال باقيـــــاً ، و كل شـئ منه و فيه يظل باقياً أيضاً .

  انظــــري فــــــإن الله موجـــــود في كل مكان يحــــب فيـــه الحــــــــق ،
إنــــــــــــــــــــه داخل القــــلب و مع ذلــــــــك فهـل يــــزوغ القلب عنه ؟

ارجعوا إلي قلوبكم أيها الخطاة  و تمسكوا بثبات في الله الذي خلقكم .  
قفــــــوا معـــــــــه فتثبتــــــــوا ، اسكنوا معـــه فتكـــونوا في ســـلام .

  إلــــــي أي سـبل و عرة تمضون ؟
و إلـــــي أين تذهبــــــــــــــــــــون ؟
إن الحسن الذي تحبـــونه هــــــو مـــــــن اللـــــــــــه ،
                          و هــــــو الحسن و الســــرور .
و إذا ابتعــــــــدتم عنــــــــــــــه و أحببتــم غــــــــــيره ،
فإن الحسن الذي تحبونه يكون ممزوجاً بالمــــــــرارة ،

لأنه ليــــــــــــس مـن العدل أن نحــــب شــــــــــيئاً ،
و نرفـــــــــض الله بســـــــــــبب محبتنا لهذا الشيء .

إلي متي تودون أن تسيروا
في تلك المفـــاوز المتعبــــة التــــــــــــــي مازلتم تســـــــيرون فيهــــــا ،
إن الراحــــــة لا توجـــــــــــد فـي أي مكان تبحثون عنه في تلك المفاوز .
فتشتوا و ابحثوا عما تريدون .
و لكن أعلموا أنه :
                    لا توجد راحــــــــــــــــــة حيث تفتشون و تبحثون ،
لأنــــــــــــــــــــــه لا توجد حيـــاة ســعيدة فــي أرض المـــــــــــوت ،
                       إن    الحياة السعيدة  لا     تـوجد هنــــــــاك ،
إذ كيف يمكــــــن أن توجد الحياة السعيدة ،
حيث لا يمكــــــن أن توجد الحياة ذاتهـــــا ؟!

* *     *
     إن  اللـــــــه الكلمـــــــة ــ حياتنا الحقيقيـــــــــــــــة ــ
نـــزل إلـــــــــــي الأرض و أنزعـــج مـــــلاك المــــــــوت ،
                             و زلــــزل ســــــــــــــــــلطانه ،
                               بقـــــوة حيـــــــــــــــــــــاته ،
لـــقد نادي بصــــــــــــــــوت عــال كالـــــــــــــــــــــــرعد ،
لـــقد نادانا بأن نرجــــــع من أرض المــــــــــــــــــــــــوت ،
إلـــي ذلـــــــــــــــــــــــــــك المكـــــــــــــان الخفــــــي ،
الــذي أتي منه متجســــداً في الحشــــــاء البتــــــولى ،
خاطباً إليه الخليقة البشرية - التي هي جسدنا المائت -
                                 حتى لا نمـوت إلي الأبــد .

  
  إنه كالعريس الخارج من خدره و كجبـــار راكض في طريقـــــــه ،
غير متردد بل اندفع منادياً بصوت عــال :
                                              بكـــــــلام و أعمــــال ،
                                              بمـــــــوت و حيـــــــاة ،
                                              بنـــــــزول و صعـــــود ،
آمراً إيانا بأن نعود إليه ثم غاب عن أعيننا لعلنا نرجع إلي قلوبنا ،
                         و هنـــــاك نجــــده و إن كـان قد مضــي .
   لأنه لـم يــرد أن : يمكث معنــــــــا علي الأرض طـــــــــويلاً ،
و مــــع ذلـــــــك فــــــإنه لـــــــــــم يتركنــــــــــــــــــــــــــا ،
لأنه ذهــــــــــب إلي ذلك المكــــان الذي لم يفارقه مطلقاً ،
                   مع كــــــــــــــــونه كــــــان عـــلي الأرض .

لأن العالم به كون و هـــــــــــــــــــو كان في العــــــــــــالم ،
و قد أتـــــــــــــــي إلي هـذا العالم ليخلـــص الخــــــــطاة ،
و لــــــــــــــــــــــه تعـــترف نفسـي و هـــــــو يبـــــــــرئها ،
لأنهــــــــــــــــــــا أخطــــأت إليــــــه .

آه يا بني البشر ، حتى متى تثقــــل قلوبكـــــــم ؟
                   و حتى بعد نــــزول الحياة إليكم ،
                   لا تنهضـــــــــون و تحيـــــــــــون ؟

إلي أين تصعــــــــــــــدون عنـــــــدما تتشامخون ،
        و ترفعــــــــــــــون أنوفكــــم نحو السماء ؟

تواضعــوا لعلكـــــــــــــــم ترتفعـــــون و تصعــدون إلــــــــــــــي الله ،
لأنكـــــــم لــــــــــــــــــم تســــقطوا إلا لأنكـــــم تشـــــــــــامختم .
           فليصـــــــــــغ المتشامخون إلي هـــذا ،                                                        
لعلهـــــم يبكــون فــــي وادي الدموع فيرتفعــون إلي اللــــــــــــــه ،
لأنـــــــي إذ أتكلم معهم فإني أتكلــم بــــروح الله متقداً بنار المحبة .


* *     *

تطلع يا رب و أنظــــــر إلي نفســــي الضعيفـــــة ،
لأنهــــــا حــــــتى الآن لم تتــدعم بعــدالة الحـــق ،
بل هي مثل تلك الثورة التي تقوم في صدر الحقود ،
فيندفـــــــع لســـــــانه في هـــذا الاتجـــــاه أو ذاك ،
نافثـــاً ســــموم حقـده تــارة بسـرعة و طـوراً ببطء ،
قالبـــاً النــــــور ظلامـــاً حاجبــــاً الحق عن العيـــان .

* *     *
قبوله تصورات خاطئة عن الله
و مع هذا فإنني لم أتحول بسبب ذلك الأمر الخطر إلي حكمتــك ،
أنت أيها القادر علي كل شئ ، و صــــانع العجـــــائب وحــــــدك .

* *     *
إن أعمال العنف لا تظهـــــــر إلا عندما تفسد النفس و تضطرب ،
و حينئـــــــــــذ تنشب معركة شديدة تهيج النفس بعتو و عناد ،
كـــــــــــــــذلك تثـور الشهوات عندما يختل توازن هوي النفس ،
فتجــــــــــــــد الملـذات الجســــــدية ما يغذيهـــا و يقويهــــــا .

 إن الضلالات و الآراء الفاسدة تفسد النفس العاقـلة ،
  كمـــــا أفســـــدت نفســـــــــــي في ذلك الوقـت ،
  إلي أن أدركت إنني في حاجة لأن أضيئها بنور آخر ،
  لعلهــــــا تكـــــــــون مشــــــــاركة للحــــــــــــــق ،
  و أنت أيها الرب أضـــــأت سراجي و أنرت ظلمتى ،
  لأن مــــــــــــن امتــــــــلائك نحـن جميعاً أخذنــــا ،

  لأنك أنت هــــو النـــــــــــور الحقيقـــــي
  الذي يضيء لكل إنسان آتياً إلي العــالم ،
  و لا يـــوجد فيــك تغيـــير أو ظـــل دوران .
* *     *
  لقد سعيت إليك مدفوعاً بك ، لعلي أعـــرف طريق المــوت فأتجنبــه .
إنك يا رب تقــاوم المتكـــبر ، فهل كان هناك من هو أكثر تكبراً مني ،
أنا الذي أردت -بنزق مكروه -أن أجعل نفسي علي طبيعتك و مثالك .

لقد كنـــــــــت أرغب بشدة في أن أكون حكيماً ،
و اشتقت لأن أصير في حالة أفضل من حالة الشر التي كنت فيها ،
لذلك كنــــــت مضطــــــراً لأن أغــــير طبيعتــي ،
فاخـــــترت أن أتصـــــــورك معرضـــاً للتغيـــــــير ،
من أن أتصــور نفســـــي علي غير طبيعتـــــك .  
  أما أنــــــــــــت فقـــد قاومتنــــي و قاومت قساوة نفسي الباطلة ،
لقد تصــــــورتك نفسي في صور و أشكال مـادية ،
و لم أرجع إليك ، بل صــــرت مثــــل ريـح عــــابرة ،
و سبح تفكيري في أشكال ليس لها ظـــل منــك ،
أو من النــــاس ، و لــــم تخلقهــــا لفـــــــــائدتي ،
و إنما اخترعتها في صــــور و أشــــــكال مــــادية .

* *     *
لقد كنت في سن السادسة و العشرين أو السابعة و العشرين تقريبــــاً
عندما كتبت تلك المجلدات ،
و قد تـــــــرددت في داخلي و رنت في أذني قلبي تخيــــلات جســدية ،
و لكني لم ألبث أن رجعت عنها إلي نعمتك الباطنة يا أيها الحق العـذب .

  لقد تأملت في ( الحسن و المناسب )
استطعت أن أقف و أســــتمع إليــــك ،
و أبتهــــــــج بصـــــــــوت العريــــــس ،
و لكننـــي لم أقـــدر أن أدخل العـرس ،
لأن نغمــــات ضلالاتي أســــــــــرعت و ألقـت بي خارجاً ،
فهبطــــــت سريعاً إلي أعماق الهاوية بتأثير ثقل كبريائي ،
إنك لـــــم تدعنــــــي أســــــمع فرحـــاً و ســـــــروراً ،
و لم تبهــــج عظــامي لأنهـا لم تتواضــــــــع إلي الآن .

* *     *

  ... تعلم أنت أيها الرب إلهي ،
لأن كل ما كـــــان لدي مـن مواهـــب الذكــــاء ،
و ســـرعة الفهم ،كـــــــــان منــــــك يا إلهــي ،
و مع ذلك فإننــي لم أقــدم مواهبي قريــاناً لك ،
لذلك لم تجعلنـي أستخدمها لفـــــــــائـــــدتي ،
بــــل بالأحـــــــــــــــــــــــرى لهـــــــــــــــلاكي .
* *     *
ما الذي دعاني :
أن أتخيلك يا إلهــــي جسماً عظيمــــاً مضيئـــــــــاً ،
و أن أتخيل نفســــي جـــزءاً مــن ذلك الجســـــم ؟
إنــــــــــــه ضـــــلالي الكبير ، لأنك لم تكن هكذا !!

...إنني لا أستحي أن أترف لك يا إلهــــي بمراحمك نحـوي ،
و أن أدعوك أنا الــــذي منت أعوي مقابلك و أجدف عليــــك .

مـــاذا استفدت من ذكائي الخـارق في هذه العـلوم ؟
و ماذا استفدت من كل تلك المجلدات المعقدة جداً ،
التي فســــــــــرتها بـــــدون مســــاعدة أحـــــــــد ؟

لقد أدركت الآن إنني كنت ضالاً عن تعاليــم التقـــوى ،
و انتهكت بخزي حرمــــــــــــــــــــة الأشياء المقدسة .
إن صغارك الذين كانوا أقل ذكاء مني لم يضلوا بعيـــداً عنـــــك ،
بل كانــوا يطيرون بأمان في صحـــن كنيسـتك بأجنحة المحبة ،
          و يتغـــــــــــــــــــــــــــذون بطعـــام الإيمــان السليم .
أيها الرب إلهنــا دعنا نســـــتظل تحت ظل جناحيــــك ،
أحفظنا و ضمنا لأنك تضمنا جميعاً إليك إذا تواضعنـــــا ،
أيضـــــاً تضمنـا إلــــــــــــــــــــــــي أن تشيب شعورنا .
إنه حينمـــــا تـكـــون أنـــت ثباتنا فعندئذ يكون هنــــاك الثبــــــــات ،
و لكن عندما يكـــون الثبات ثباتنا فعندئذ يكون القلق و الاضــطراب .

لا صلاح لنا إلا منك ، فـــــــــإن أعرضنا عنـــك فإننا ارتد عن الصلاح .
دعنــــــــــا الآن نعـــود إليــــك يـا رب لئــلا نضـــــــــــــــل .
لأن فيــــــــــك يــــدوم صلاحنــــــــــا بــــلا انحــــــــــــلال .
و إذا كنت أنت هـــــــو صلاحنــــــــــا فــــلا نخشى الفاقة .
دعنا نرجع إليك لئلا لا نجــد مكـــــاناً نرجــع إليـــــــــــــــه .

لقـــــــــــــــــد ســقطنا مـــن صـــــلاحك ،
و في خــــلال غربتنـــــا عــــــلي الأرض ،
حفظت لنــــــا مسكننا الذي هو أبديتـك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق