الثلاثاء، 16 فبراير 2016

15- ذاتك ومديح الناس ــ كتاب انطلاق الـروح

15- ذاتك ومديح الناس ــ كتاب انطلاق الروح

كلمتك في المرات السابقة عن إنكار الذات ،
وما يزال هناك كثير أقواله لك في هذا الموضوع حتي نصل سوياً إلي انطلاق الروح..
أتريد يا أخي أن تصل إلي الله ؟
أتحب أن تردد عبارة الطوباوي بولس  :
{ لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جداً }

إذن فانطلق أولاً ًمن ذاتك ،
من ذاتــــك التي تعبــــــدها بدلاً من الله ،
وتحاول باستمرار أن تراها ممجده معظمه أمام الآخرين .


هل يمجدك العالم يا أخي الحبيب ، وهل تقبل منه هذا التمجيد ؟
يالك من مسكين..
ألســـت تعـــلم أن المجــــد لله وحـده ؟
لن خالق الكل ومصدر جميع الكائنات ،
ولأنه الوحيد الواجب الوجود، والأزلي ،
والقادر علي كل شئ، والمالي كل مكان..


ألســت تعلم أذن أنــك إن مجــــدت ذاتك ، أو مجدك الناس ،
فإنما تسلب صفة من صفات الله. وتنسبها إلي نفســـك!!
أهــــي التجــــــــــربة الــــــتي حــــــــاربت أبــــــــاك آدم ،
إذ لم يكتف بما وهبه الله من نعيم، بل أراد أن يكبر حتي يصير مثل الله؟


ومن أنت يا أخي حتي تتمجد ؟!
هل للتــــراب مجـــد او للرمـــــاد كرامـــة أو للعـــدم احـــترام وهيبــــة ؟!
ثم ألست خاطئاً مثلي ، وإن كان الله قد سترك وأخفي غيوبك عن الناس –
فهل للخـــاطئ مجـــد ؟
وهل للضعيف كرامة ؟
إذن لماذا تمجد نفسك ،
وأنت تعرف حقيقتك بكل ما فيها من خطايا ونقائص وعيوب…


هـل تفعل هذا لن الناس لم يعرفوا حقيقتك بعد ،
ولم يعلمــــوا كل شـــــئ مــــــن ماضــــــــيك ،
ولم يكتشفوا كل ضعفـــاتك ،
ولم تظهر أمامهم أخطاؤك ؟


لمـــــــاذا إذن تخـــــــدعهم وأنــــــــت تعـــــــــلم ؟
بل لماذا تخـــدع نفسك والخداع لا يفيــدك شــيئاً ؟؟
ألهذا الحد تستغل ستر الله وكتمانه حالتك عن الناس ..
أتوده إذن أن يعلن للآخرين أفكارك وأحاسيسك ورغباتك المكبوتة...!!


ثم لماذا عن مجد زائل ، لا يصحبك بعد الموت ، ولا يقف معك في يوم الدينونة .
أمــــام الديــان العــــادل، الذي لا يتـــأثر في حكمـــه عليــــك برأي النــاس فيك ،
لأن كل شئ مستور، هو عريان قدامه..


ألا يزال عزيز عندك مدح الناس ؟
الست تعرف أن مديحهم زائف :
لأنه يكون أحياناً على سبيل المجاملة أو التشجيع أو التملق أو الخجل
كما أنهم حتى ان صدقوا وأخلصوا فهم إنما يحكمون حسب الظــــاهر
وليس فيهم من يقرأ فكرك، أو من يعرف نياتك ،
أو يدخل إلي قلبك ليفحص ما فيه…


يا أخي الحبيب:
أنني لا اشك قد أثقلت عليك بأفكار مجتمعة
فهل تريد أن أقص عليك قصة ، لتكن أذن قصة نبوخذ نصر { دا4: 29-33 } :
هل تعرف كيف نسب لنفسه مجداً زائلاً ؟  وهل تعرف كيف كانت نهايتــــه ؟
إذن ليته يكون درساً لك…


أترك تضايقت ؟ سامح ضعفي ، وأســـلوبي الخشـــن في التعبيـــــر .
ولكن أهي عادتك باستمرار أن تتضايق من شخص يكلمك بصراحة ؟
لا يتملقك، ولا يستعمل معك ألفاظ التفخيم التي يسـتعملها النـــاس..


لماذا ؟ الأولي بك يا أخي العزيز
ان تحب هذا الأسلوب، لأنه يوقفك أمام حقيقتـك ،
وما أشد احتياجك إلى الوقت أمــام هذه الحقيقــة ،
حتي تعرف نفسك، تلك المعرفة اللازمة لخلاصك .


ولكن دعنا نناقش الأمر معاً .
لماذا تريد أن تظهر عظيما أمام الآخرين؟ أهو مركب النقص ؟
هــل تشــــعر في ذاتـــــــك أنــــك في درجـــــــة صــــــغيرة .
وتريد أن تعوض ذلك بأن تكتسب مدح الناس بحرارة عن نفسك حتي لا تظهر أمامهم معيباً ،
وإن وقفوا منك محايدين لا مدح ولا مهاجمة ،
لم يعجبك هذا أيضاً وأخذت تتسول مدحهم بأن تحدثهم عن فضائلك حتي يعجبوا بك فيمدحونك..


أهذه هي الحقيقة ؟ أن كانت كذلك، فلنحاول مناقشتها معاً :
حسن يا أخي أن تشـــعر بأنك ناقص وخـــاطئ وضعيف وأقــــل من النـــاس جميعــاً ،
ولكن علاج هذا النقص لا يأتي بإضافة نقص جديد إليه عن طريق محبة مدح الناس ،
وإنما يأتني بتكميل الذات وإصلاح أمرها .


لماذا يهمـــك رأي النــــاس فيـــك ومدحهم إياك ؟
ألعلك ستدخل ملكوت الله ان رشحك الناس لهذا؟!
إذن فأعلم أن كثيراً جداً من الذين يمدحهم الناس
سيلقون في البحيرة المتقدة بالنار والكـــــبريت..
{وويل لكن أن قال فيكم الناس حسناً } { لو 26:6 }.


مدح الناس يا صديقي وقتي وزائل.
وهو لا يثبتون علي حال.
للذين هتفوا للسيد المسيح كمـــــــــــــــلك .
    صرخوا أيضاً قائلين { أصلبه اصلبه }
ومدح الناس أيضاً زائف لأنهم لا يعرفون الحقيقة تماماً.


إليك سؤال يهمني أن تجيب عليه إجابة صريحة :
ماذا يكون شعورك عندما يمدحك الناس وأنت تعرف عن خفاياك ما يخجل ؟
هل تنسي أثناء مدحهم تلك الخطايا التي لو عرفوها عنك لطردوك خارج المجمع أم أنت تتنساها ؟
أم تعتبرها مكدرات لا يجب أن تظهر أثناء نشوتك بمديح الآخرين؟ إذن فأنت يهمك فقط خارج الكأس،
يهمك أن تكون كالقبور المبيضة من الخارج ومن الداخل نتنة ؟!


إذن فإنت تهمك الحياة الأرضية فقط ولا تأبه للحياة الآتية. صارح نفسك يا أخي المحبوب بحقيقية مشاعرك، واعترف بهذا بينك وبين نفسك أولا، ثم اسكب هذه الذات أمام أب اعترافك ، أسكبها في بكاء وأنين وألم مر .
وإليك ما يجب أن تشعر به عندما يمدحك الناس:
1) اشعر أولاً أنك ربما تكون مرائيا، تظهر للناس غير ما تبطن .
  قل لنفسك في صراحة :
{ أنني شخص خاطئ دنس }
وعندما أجلس إلي أب اعترافي أكاد أذوب خجلاً
وعندما أحاســـــب نفـــــسي علي خطـــــــــاياي ،
        تنسحق ندماً وشعوراً بالخسة والحقارة، وتصغر ذلتي أمام عيني،
وعندما أقف للصلاة أشعر إنني غير مستحق أن ارفع نظري إلي فوق.. .
فلمـــاذا إذن يمدحني الناس. ألعلني مرائي؟
        ألعلني ذو وجهين؟:
أظهر أمام الناس بشخصية، وحقيقتي شخصية أخري؟
هل أنا ممثل؟ ربما أكون…


2) أشعر أن مدح الناس
   ربما يجعلك تستوفي أجرك علي الأرض فلا تنال أجراً في السماء ،
  وهكـــذا يضــــيع أكليلك بثمـــــن بخس .
   إن مدحك الناس فخير لك لأن تحـــزن .
  أحزن علي أكليلك الذي يوشك أن يضيع .
  وهذا الحزن المقدس يصفي نفسك ويجعل روحك تنطلق بالأكثر.


3) عند مدح الناس لك أشــــعر أنك ربمــــا تكون مختلســــاً :
قد سلبت مجد الله ونسبته إلي نفسك. لقد قال السيد المسيح :
{ لكي يروا أعمالك الحسنة، فيمجدوا أباكم الذي في السموات }
                                                          { مت16:5 } .
فـــإن كان المجــــد قد رجـــع إليـــك أنــت بــدلاً من الآب ،
فربما يكون هذا اختلاساً وأنت لا تدري، أو وأنــت تدري .
عندما تصلي وتقول : لأن المجد لها فتنافس الله في قوته .
{ ليس لنا يارب ليس لنا، ولكن لاسمك القدوس أعط مجداً } { مز1:115 }.


4) عندما يمدحك الناس أنكر ذاتك ،
  ووجـــه أنظــــارهم إلي الله، في غير ريــــــاء وفي غير تظــــاهر بالتواضــــع ،
 أذكر لهم انك خاطئ . وضعيف وأن الله هو الذي فعل الأمر الذي يستحق المديح .
 وكما توجه هذا الكلام إلي الآخرين، توجه به أيضاً إلي نفسك وأقتنع به حتي لا تعود فتنتفخ .


5) إذا وجدت البعض قد بدأ قصة أو حديثاً أو خبراً سينتهي بمدحك ،
  حاول أن تغير مجري الحديث أو علي الأقل ٌتسر بالمد وانسبه إلي الله عن اقتناع .


6) عندما يمدحك الناس تذكر هاتين الآيتين الجميلتين  :
 { مجــــداً من النــــاس لســـت أقبل } { يو 41:5 }.
 { مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك.. } { يو 5:17 }.
 أحفظ هاتين ورددهما كثيراً في فكرك.


7) عندما يمدحك الناس تذكر خطاياك ،
   واترك ضميرك يؤنبك حتي يكون هناك توازن بين داخلك ،
   وبين مدح الناس من الخارج .


 وأخيراً،
 إن كان هذا هو المطلوب منك عندما يسعي إليك مدح الناس فبديهي جداً
 مما سنرجح إليه في المقال القادم أن شاء الرب وعشنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق