الثلاثاء، 16 فبراير 2016

16- ذات وإساءات الناس ــ كتاب انطلاق الـروح

16- ذات وإساءات الناس ــ كتاب انطلاق الروح

ان لم تنطلق من ذاتك يا أخي الحبيب من ذاتك هذه التي تعبدها من دون الله،
والتي تكبرها وتفخمها أمام الناس، فلن تصل أبدأ إلي سمو إنطــــلاق الروح .



لعلك تحب أحياناً أن يمدحك الناس،
ولقد تفاهمنا في مقال سابق عما يحسن بك فعله عندما يمدحك الآخرون.


أما في جلستنا الهادئة هذه، فأود أن أسالك سؤالاً ؟
ما هو شعورك وتصرفك عندما يسئ إليك الغير أو يظن بك الظنون ؟
ربما تفكر في ذاتك أهنت، وربما تفكر في كرامتك وهيبتك والاحترام الواجب لك :
فتغضب وتثور، وتثار لذاتك، وتدافع عن نفسك .


لست أنكر عليك هذا ،
فأنا إنسان في الجسد مثلك جربت هذه المشـــاعر جميعــــاً ،
أو جربت بهذه المشاعر جميعاً ولكن دعنا نناقش الأمر معاً .


ماذا يفيدك الغضب ؟
أنه يعكر دمك ، ويتلف اعصابك ،
وأخطر من ذلك كله أن الغضب يفقدك سلام القلب وراحته .
الم تسمع معلمنا يعقوب الرسول يقول :
{ أن غضب الإنسان لا يصنع بر الله } { يو 20:1 }
وغضبك من أجل ذاتك هو لا شك غضب إنسان كالذي يقصده معلمنا يعقوب .
تقول أن هذا الغضب ينفس عنك، ويفرج عن الثـــورة المكبوتة في داخـــلك .


ولكن لماذا تختزن في داخلك ثورة مكبوتة تحتاج إلي تنفيس ؟
السبب في ذلك واضح طبعاً، هو أنك تفكــر كثـــيراً في ذاتـــك !
انطلق يا أخي الحبيب من هذه الــــذات وأنــــت تســــــــتريح .


إن أهنت فلا تفكر في ذاتك انك أهنت . وإنما في ذلك الذي أهانك ، أنه أخوك .
وأنت كشخص روحي ممتلئ بالمحبة ، عليك أن تفكر في هذا الأخ الذي أخطا:
ماذا تفعل لأجله ؟.
أنك لا تريد طبعاً أن تنحدر نفسه الغالية إلي الجحيم ،
ولا تريــد ان تقــــف إهانتـــه لك في طـريق خلصـه .


لذلك فأنت تطلب إلي الله ألا يقيم له هذه الخطية ولا يعاقبه عليها ،
ثم أنت أيضاً تصلي من اجله ان يخلصه الله من الخطية ذاتها فلا يعود إلي اقترافها معك أو مع غيرك .


وعندما تفكر في أخيك هذا الذي أهانك، قد تفكر في السبب الذي جعله يفعل ذلك .
ربما يكون مريضاً أعصابه متلفة، او متعبــاً عقله مجهـــد، أو قــــواه منهكـــة ،
أو مرهقا بمشاكل اجتماعية أو دراسية، أو مالية ..


فأنـــت تفكـــــر فيمـــــا يمكــــن أن تفعــــله لأجـــــله ،
وهكذا قد تخــطر ببالك رحله أو نزهة لطيفة تدبرها له ،
أو قــد تســـاهم بجهــد في التخفيــف أو الــترفيه غنه .
وإن لم تستطيع شيئاً من هذا كله فعلي الأقل ترثي له ،
وتطلب له من الله معونة خاصة .


ان الناس يا أخي الحبيب لم يخلقوا أشراراً ،
لأن الله بعدما خلق الإنسان { نظر إلي كل ما فعله فإذا هو حسن جداً }
وأما الشـــر فإنه يأتي إلي النــاس من الخــارج دخيـــلاً عليهم ..
وهذا الشخص الذي أهانك، ربما تكون لأهانته لك أسباب أخري .
وربما يكون قد أساء فهمك. ومثل ذلك تفاهم معه وأقنعه في وداعة ومحبة .


ولكن هناك نوعاً من الناس يهين الآخرين حباً في أهانتهم ،
مستغلاً تســـامحهم ليتخــــذهم مجـــالاً للفكــاهة والتنـــدر .
مثل هذا الصنف أما أن تبتعد عنه ، وأما أن تكلمه بلهجة حاسمة ،
وحـــازمة مؤدبــــة مظهـــراً له خطــاً ، ومانعــاً إياه من تكـــراره .


ولتفعل هذا ليس علي سبيل الثأر للنفس، أو الاحتفاظ بكرامة ذاتية ،
وإنما حباً في ذلك المخطئ حتي لا تترك له فرضه أخـري للخطــأ ،
ومجالاً يسقط فيه ويهلك بذلك نفسه ..


وشتات بين توبيخك لخاطئ بغرض انتقامي، توبيخاً يجعله يثور عليك ويحتك بل ،
وبين تأنيب المحبــة الحــازم الهادئ الذي يشــعر فيه الشــخص ان مؤنبه يحبه ..
هذا كله عن موقفك من جهة الشخص الذي تشعر أنه أهانك ،
ولكن اسمح لي أن أدخل قليلاً إلي أعماق نفسك لأناقش شعورك الباطن بينك وبين نفسك.


1) لماذا تحســـــب الكـــــلام الذي يقـــوله غيرك أنه أهانــــه ، أو انه شـــــتيمة ؟
   لماذا لا تكون تلك التي تحسبها أهانه هي كلمة صريحة لازمة لإصلاح نفسك ؟
   وان كنت قد تضايقت منهـــا فذلك لأنك تحب المديح ، وتــريد ان يقــول فيك جميــع النــاس .
   افرح يا أخي بانتقاد الناس وتأنيبهم ، فان ذلك صالح لك وينقيك ويفيدك في حياتك الأخرى. .
   اذا انتقدك شخص فأولي بك أن تشكره
   فربما يكون قد راسل هذا الإنسان ليرشدك ويظهر لك أخطاك حتي تتركه .


2) ربما تكون تلك الإهانات :
   تأديباً لك من الله علي خطايا أخري اقترفتها في ماض قريب أو ماضي بعيد .
  وعندما سمع داود النبي اهانة كهـــذا قال في انســـحاق :
  { الله قال لهذا الإنســـان اشتم داود } { 2 صم 10:16 } .
  عندما يهينك غيرك يا أخي الحبيب تذكر خطاياك الماضية ،
  واعرف انك لست بالشخص الخالص النقاوة الذي يسمو عن التوبيخ ..


3) في بعض الأحيان يكون الله قد عمـــل عمــــلاً ناجحـــاً عن طريقـــك ،
  فاتخذت أنت هذا النجاح سلاحاً تنتفخ به، وتحارب نفسك بالبر الذاتي ،
  وخشي الله عليك من السقوط عن طريق الكبرياء فســمح ان تهـــان ،
  حتي يوجـــــد توازنـــــاً بين مشــاعرك ، ويخفف شـيئاً من كبريــاء .


  كثيرون من الذين يهانون متكبرون ،
  أما الودعاء فيرفعهم الله من المزبلة ليجلسهم مع رؤساء شعبه { مز 112 } .


4) بما تكون أعثرت غيرك بتصرفك وأنت لا تدري، وكان هذا هو سبب أهانتك .
   لذلك يحـــــسن ان تدرس وجهــــة نظر من أهانـــــك، لعــــــله علي حــــق .


5) قد تكون هذه الاهانة درساً لك في المحبة والاحتمال .
   قال لي احد الآباء الروحيين عن راهب اعتزل ولم يختلط بالأخوة في المجمع :
  { ان فترة الوجـــود في المجمــــع لازمـــــة للراهـــــب .}
  لأنه أن لم يستطع أن يحتمل مشاكسات الإخوة في المجمع،
  فكيف يستطيع أن يحتمل محاربات الشياطين في الوحدة كما قال مار اسحق!!


6) ماذا يضيرك عندما يحكم عليك إنسان حكماً ظالماً .
   أو عندما يظن فيك أنك مخــطئ ؟
   العل هذا يعوقك  عن ملكوت الله،
   أم أن الله سيعتمد أحكام الناس ؟


7) أم أنك تحب المديح والتطويب من بشر هم تراب مثلك ؟
    سيدك يا صديقي { ظلم أما هو فتــذلل ولم يفتـح }  { اش7:53 }.
                       { أحصى مع آثمة } أما هو فقبل هذا الصليب..


8) أخيراً يا أخي الحبيب ،
 اذا أهنت فتضايقت، وكبرت عليك الاهانة علي الرغم من أنك خاطئ مثلي ،
 فتذكر كيف أننا نهين الله فيصبر علينا ويحبنا ويقبلنا إليه!
 ما أعظـــــم إلهنا الحنـــون ليـــس له شـــبيه بين الآلهـــة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق