2- الانطلاق لمعرفة الله ــ كتاب انطلاق الروح
أعترف أمامك يا رب أن اتجاهي في الكتابة كان ينبغي أن يتغيَّر .
وأعترف في خجل أمامك أنني كثيراً ما حدثت الناس عن الفضيلة ،
وقليلاً ما حدثتهم عنك، بينما ينبغي أن تكون أنت الكل في الكل....
غير أنني لكي أتحدث عنك، لابد أن أعرفك .
وكيف أعــــرفك وأنا إنسان محــدود ؟!
بل كيف أعرفك وأنت غير المُــــــدْرَك ،
و غير المفحوص ،
أنت النور الذي لا يُدنى منه ، ولا يستطيع إنسان أن يراه ويعيش...؟!
ولقـــد حــــاولت أن أســــأل قديســــيك الذيــــن عرفـــوك ،
أو الــــذين عرفـــــوا عنـــــــك { بعض المعرفة }
أن الذي سمعه ورآه أمور { لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم عنها }
{ 2كو 4:12 }.
لم يشرح لنا رؤياه إلا في رموز لا يمكن أن تعطي الصورة الذاتية للحقيقة كما هي ..
وأحيانا أسأل نفسي :
أهي كبرياء منى أن أحاول أن أعرفك ،
بينما ما أزال جاهـلًا بحقيقة نفــــسي ،
وما أزال جاهـلاً بكثـير من الأمـور البشــــــرية والمــادية ؟
أن كنت لم أعرف كنه ذاتي، فكيف أعرف خالق هذه الذات ؟
وإن كنت لـــــم أعـــرف بعـــــد ســــــــماءك وملائكتــــــك ،
فكيف أعرف ذاتك الإلهية .
كل ما أعرف عنك ، هو ما تكشـــفه لنا من ذاتــك .
وأنت لا تكشف لنا إلا ما تستطيع ذاتنا أن تحتمله .
لأنك أن كشفت لنا أكثر، ستقف طبيعتنا البشرية مبهورة في دهش ،
وقد وقف عقلنا عن الفهم، وعجزت مفرداتها اللغوية عن التعبير ،
وتعترف أن ما تراه هو من الأمور التي لا ينطق بها .
وأنا أحاول في معرفتك :
أن أخرج عن نطاق الكتب بكل ما فيها من عمق ،
بل أن أخرج أحيانـــاً عن حــــدود معــرفة العقــــــل ،
لكي أعطى للروح في انطـلاقها مجالهــا الواسع ،
الذي تفوق فيه في قدراتها وفي مواهبها، وفي معرفته ..
كما أنها تقاسى كثيراً من ضباب هذا الجســد المــــــادي.
أراني حقاً حائراً أمـــام عبـــارة { وجهـــاً لوجــــه } .
وما سنلبس من أجســــاد نورانيـــــة روحانيـــــــــة ،
لابد أن ســـنظل – كما نحـــن – بشــــراً محدودين...
ستكشف لنا شيئاَ عن ذاتك لم نكن نعرفه في العالم ،
فنسر بذلك ونفرح ،
ثم تكشــف لنا أكــثر فأكثر، على قدر ما نحتمــل .
وقد تكشف لنا أكثر فتصرخ نفس كل واحد منا وهي مريضة حباً { كفانا كفانا }..
وتظل أنت توسع في قلوبنا، وتوسع في أرواحنا لنستوعب عنك المزيد ..
وتظل أنت يا رب كما أنت ... غير محدود ، .. ونظل نحــن – كما نحـــن –
على الرغم من اتساعنا ، محـــدودين ، نعـــرف عنـــك بعض المعرفـــة ..
ونحن نستمتع بمعرفتك ،
نــذوق وننظـــر مـا أطــــيب الــــرب ،
ونكشــف كل حين شــيئاً جـديداً عنـك ،
فنتغذّى بهده المعرفة الحلوة المشبعة ،
ولكننـــا لا يمكنــــا أن نــلم بــــك كلك .
أذن متى نعرفك المعرفة الحقيقيـــة ؟
الأبدية التي لا تنتهي..
إن كــــان الأمـــــر هكــــذا في الأبديـــــة ،
فماذا نقول أذن عن جهالتنا علي الأرض ؟
أحقــــــــا نحــــــــن نعـــــرف شــــــــيئاً ؟
لذلك أتوســـل إليـــك أيهــا الخـــالق العظـــيم ،
أن تعذرني أن كنت أحدث الناس عن الفضيلة ،
أكثر مما أحدثهم عنك.
فذلك يرجع إلي سببين :
السبب الأول :
هو أنني لا أعرف .
كل ما أعرفــه هو أنني أصــلى إليــك أن تكشـــف لي شــــيئاً عن ذاتــك ،
والسبب الثاني :
هو أنني عندما أحدثهم عن الفضيلة إنما أريدهم أن يعدوا قلوبهم لمعرفتك .
ونحن بذاتنا
لا نعرف، لكننا نريد بنعمتك – أن نعد ذواتنا لمعرفتك ،
وهذه المعرفــة تــأتي منـــك أنـــت ، بما تكشــفه لنا ،
ولا تأتي بمجهود عقولنا، ولا حتى بمجهود أرواحنا .
أن كل جهاــد عقــولنا وأرواحنــا – مع ضـــرورته –
ويكشف الرب ذاته..
هذه المعرفة الإلهية هي اللؤلؤة الكثيرة الثمـــن ،
التي من أجلها باع التاجر كل أمواله واشتراها .
ولعله من الأموال التي باعها ،
ما نكنزه في عقولنـــا من معـــارف بشـترية متعـددة تشغل كل أوقاتنـا ،
حتى لا نتفرغ لمعرفتك أنت ،
وحتى لا نجلس مع مريم عند قدميك تسكب في قلوبنا ذلك الماء الحي ،
الذي كل من يشربه لا يعود يعطش أيضاً...
ليتنـــا نســـعي إلي هــذه المعرفــة، ونطلبهــــا بكـــل قلوبنـــا ،
ونجدهـــا في داخلنـا ، في عمــق أعماقنـا ، حيث تسـكن أنـت ،
وحيث هيكلك المقدس الذي تدشن يوم المسحة المقدسة منك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق