3- التحرر من القيود ــ كتاب انطلاق الروح
كانت الساعة السابعة مساء ، والسكون يخيم علي ارجاء المكان ،
نتمشى حينا ونقف حينا آخر ،
وقد طال بنا التجــــــوال ونحن لا نــــــــــــدرى ،
أو نحن لا نود أن ندرى ،
حتي استقر بنا المطاف اخيراً علي عتبة الدير،
فجسلنا نناقش موضوع : إنطـــلاق الـــــروح ..
التحرر من القيود
رواسب وقيود :
حين قال { الآن يا رب أطلق عبدك بســلام حسـب قولك }.
أنما أعنى انطلاق الروح وهــــــــــــى ما تـــــــزال فـــي الجســــــــــــد ،
انطلاقها من كل ما يحيطها من رباطات وقيود ،
أترى يا أخــــي العـــــــــزير :
الطفل بعد عماده وروحه حرة طليقة كما أوجــدها الله فيه ،
ثم أتعرف ماذا حدث لها ؟ !
لقد ارسب عليهــا العــالم والعــرف والبيئـة رواسـب عدة ،
وتقيدت من جاء ذلك وغيره بقيود كثيرة تعوقنى انطلاقها ،
إلي حيث تريــــد ان تــــذهب لتتحـــــد بالله وتثبــــت فيــه ،
وكل ما يبحث عنه أولاد الله هو انطلاق الروح من كل هذا :
انطلاقهــــــــــــا من قيود العالم والبيئــــــــــــــــة ،
وانطلاقها أيضاً من قيود الحس والحكمة البشرية .
كان يقصـــــد { إن لم تصـغروا وتصـــيروا مثل الأطفـــــال } كــلا .
بل كان يود أن يقول :
قيود الحس :
فسأله الأب القديس : عمـــا يشــــــعر بــــه اذا رأى أمـــــــــــرأة :
فقـــــــــــــــــــــــال : أعرف أنها أمرأة ولكنى أهرب لئلا أشتهيها .
فســـــأله أيضــــــاً : عن شعوره أذا راى مالاً ملقى في الصحــراء ،
ايســــتطيع أن يفــــرق بينه وبين الحــــصى ؟!
فأجــــاب بأنــــــه : يستطيع ذلك ولكنه يمنع نفسه من محبة المال .
وسأله القديس ثالثاً :عــــــن شــــــعوره إذا أهـــــــــــانه أحـــــــد ،
فأجــــاب بأنــــــــــه : يحس أنه أهين ولكنه لا يبيت الغيظ في قلبه .
وهنا التفت القديس إلي الراهب وأخــبره أنه ما يــــزال تحت الآلام .
وأنه في حاجة إلي جهــاد أكثر . وبـــــــــــدأ يعظــــــــــــــــــــــــــه ..
أنها قيود الحس يا صديقي القارئ:
التي تجعل المرء يفرق بين الرجـــــــــــــــــــل والمـــــــــــــــــرأة ،
المتقدمة في السن والفتـــاة الشــابة ،
وبين الفتاة " الجميلة " و" غير الجميلة ".
أنهـــا قيـــــود الحــــــس أيضــاً :
التي تجعــــــــــله يفرق بين النقـــــــــــــــــــود والحـــــــــــــصى ...
فأمره القديس أن يذهب ويمدح الموتى فذهب ومدحهم فلم يرد عليه منهم احد ،
فأمره القديس أن يذهب ويشتد عليهم في القول ، ففعل ذلك فلم يــرد عليـه أحد .
فقال القديس للراهب :
وهكذا أنت ما دمت قد مت عن العالم فيجيب أن تشبه هؤلاء الموتى ،
لا تتأثر في شـئ ، وإنمـا ســيان عنـدك أن مدحـك النـاس أو ذمــوك ..
وفي أحدى المرات :
ولكي يقــــــدم رئيــــس الـدير لهــذا الـــثرى عظــــة عمليـة ،
فطلب إليهم الأب الرئيس :
أن يصنعوا محبـة ويأخـذوا ما يحتاجــونه من هـــذا المـــال ،
ولم يأخــــذ أحــد منهم شــــئياً رغــــم الإلحــــاح الشــــــديد ،
تأثر الرجـــــل الــــثرى جـــــداً ، وطـــــــلب أن يـترهــــــب ..
أن العالم يا اخى الحبيب والجسد أيضــــاً :
قد ارسب على احساساتنا رواسب عديدة ،
كان من نتائجها أن أشياء عالمية كثيرة مأدية وجسدية ،
أصبحــت تبـــدو لنـــا فى صـــورة أجمـــل من غـــيرها ،
وأكثر جاذبية وأعمق أثرأ في النفس .
وعندما تسموا الروح ،
وعندما تنطلق إلي حــد ما ممـــا يعـــرقل طريقهــــا مــن القيـــود ،
عند ذلك سيرقى إحساسها جداً، أو قل ستنطلق من الحس العالمي ،
وتفهــم الأمور بادراك آخر روحي .
هـل أذا طــال بل الســـفر بعيــداً عن أســـــرتك ،
ثم قابلتهم بعـــــد هـــــــذا الفـــــراق الطـــويل ،
فعانقـــــوك في محبــــــة وفي شـــوق زائـــــد ،
هل وسط تلك المحبة التي سبحت فيها روحـك ،
ستحس أن أباك الرجل يختلف عن أمك المرأة ،
وأخيك الفتى ، وأختك الفتاة .
وهـــل عامل الإنقــاذ في الحــرائق أو حــوادث الغرق ،
يحـــس أن الجســـــم الذي يحمـــــله منقــــذاً إيـــــاه
من الهلاك ، هو جسم فتى أو فتاة ، أو رجل او أمرأة ؟.
كلا بل أؤكــــد لك انه لو أحســــن شــــيئاً من هــــــذا ،
لعـــرض نفسه للمــــوت هو ومن يعمــل علي إنقاذه .
ألا تــــرى أذن أن الـــــروح تســـمو على الحـــس ،
وان هناك أوقات يتعطل فيها الحسن كلياً او جزئياً ،
لانهماك الروح فيها هو أعظم ؟ ..
وهكذا أنت في حياتك الروحية :
عليك أن تتخلص بقدر الإمكان من قيود الحــــــس .
وعندئذ ستنظر إلي الأمور بمنظار آخر:
سوف لا تحاربك الشــــــــــهوة، شـــهوة العين أو شهوة الجسد ،
بــل تكـــون كملائكــــة الله فى الســـماء تنظـــر إلي كل شـــئ بتـــــلك
{ إن كأنت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً } { مت22:6 }.
أن الإحساس الجسدي جسدي ومحدود لذلك فهو لا يستطيع أن يفحص الله الروح غير المحدود .
ثم أن الحس البشرى عرضه للخطأ ، وكثيراً ما يخطى في التمييز بين الخطأ والصواب .
{ لا تفرحوا بهذا } { لو10: 17، 20 } اذ أن إحساسهم كان خاطئاً .
أنظـــر أيضـــاً إلي القــاتل الذي ثــأر لنفســه أو أنتقـــم لشـــرفه ،
ألا يغمره أحساس بالرضي كأنه أتى عملاً جليلاً . أنه حس خاطئ .
و أنت كذلك يا أخي المحبوب :
أمتحنها جيداً فقد تكون أحســاسات بشرية غـــير ســــليمة ..
وحـاول أن تطلق روحك من قيود الحس .
بقى أن أقـــول لك الإحســــاس بالعـــــالم و موجــــــوداته
يتعطـــــل عــــــند الاســــــــــــــــتغراق في الإلهيــــــــــات .
كأنت منسكبة النفس أمام الله فلم تشعر بما يدور حولهــــا .
{ 1 صم1: 13، 14 }.
وهكذا أنت :
فســـوف لا تشـــعر إطـــلاقاً بما يـــدور حـولك .
قد يتكلم البعض إلي جوارك وقد تقود ضجة . وقد تتهــادى منــاظر كثـــيرة ،
وأنت لا تدرى عن كل ذلك شيئاً لأنك منهمك فى أمور أخرى في عالم الروح .
أن حسك معطل نسبياً لأن روحك ؟
فترات يتكلم فيها الناس إليه فلا يسمع صوتهم ،
ولا يــدرى ماذا يقولون ، ويسأله السائل مرة أخرى فيجيبـــه القديــس ،
لأن روحه منشغله بأشياء أخرى أهم وأعمق وألصق بالسمع والذاكرة .
وكانوا يســألونه أحيـــاناً أســئلة فيجيبهم عنهـا ،
بتأملات لاهوتية لا علاقة لها بما يسألونه عنه ،
لأنه لـــــم يســــمع ما قـــــالوه .
كأنت روحه منطلقة من الحس ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق