الثلاثاء، 16 فبراير 2016

22- التعلم من الله ــ كتاب انطلاق الروح

22- التعلم من الله ــ كتاب انطلاق الروح

من الناس من هم جهلة لم يتعلموا على الإطلاق، منهم من قد علمهم الناس وهؤلاء أشد جهالة، أما المتعلمون الحقيقيون فهم الذين تعلموا من الله مباشرة..


لقد خلق الله الإنسان علي جانب وافر من المعرفة .
وعندما كان الإنســـان يحتــاج إلي مزيـد من لعلم ،
كان الله يعلمه بنفسه ، ولو استمر الإنسان هكذا لصار عالماً ،
ولا ســـتطاع أن يـــأكل من شــجرة الحيـــاة ويحيـــا إلي الأبد ،
لكن الإنســـان قبل لنفســـه أن يتلــــقي العـــلم علي غير الله فبــدأت جهــالته ، 
وهكذا أخذ أول درس له عن الحية وأكل من { شجرة المعرفة } فصار جاهلاً ..


وما زال الإنسان يسعي إلي المعرفة بعيداً عن الله، فيزداد جهالة علي جهالته .
أن الإنسان هيكل الله، وروح الله ساكن فيه، هذا الروح الذي قال عنه السيدالمسيح :
{يرشدكم إلي جميع الحق} {يو13:16}.
               { يفحص كل شئ حتي أعماق الله } {1 كو10:2 }.


ولأن الإنسان من فرط شقاوته وجهله ،
كلما يبحث عن المـعرفة ، لا يطلب أخـذها من داخله ، من روح الله الســاكن فيه ،
وإنما يفتش عنها في الخارج عند الناس ، وفي الكتب التي يظن أن له فيها حياة...!


وهكذا كثر العلماء وحكماء هذا الدهر، وكانت حكمة هذا العالم جهالة عند الله ،
ولقد سار أوغسطينوس العظيم في هذا الطريق فترة طويلة ،
يبحث عن الله خارجـاً عن نفســـه فلا يجـده ،
ثم وجده أخيراً فناجاه بتلك الأنشودة الخالدة :
{ قد تأخرت كثيراً في حبك
 أيها الجمال الفائق في القدم والدائم جديداً إلي الأبد }.
{ كنت في فكيف ذهبت ابحـث عنك خارجـــاً عني… }
{ أنت كنت معي، ولكني لشـــقاوتي لم أكن معــك… }
ولمـــا بحـــــث أوغســــــطينوس عن الله في داخلـــه ،
وجده وصار قديساً …


وهكذا أنت يا أخي الحبيب :
ستظل كثيراً في بحثك عن الله ان بحثت عنه في الخارج .
أجلس إلي نفسك :
وفكــر وتأمل ، وادخـــل إلي أعمــــاق أعمــاقك ،
واطلب الله، فستجده هناك، وستراه وجها لوجه ،
وتحســــه كنبـــع دافــق فيـــاض من المحبــــة ،
فتعيـــش في فـــترة مـــن الدهــــش العجيــــب ،
وتصرخ في فرحة صامتــة . { لقد رأيت الله } .


هذه هي الطريقة التي لجأ إليها آباؤنـــا القديســــــــــون ،
خرجوا من زحمة الحياة، ومن اضطراب العالم وصخبه ،
وتركـــوا كل شئ وبحثــــوا عن الله في داخـل نفوسـهم ،
وهكذا بالهذيذ والتأمل اســـــــتطاعوا أن يــــــــروا الله .
وفي نفس الوقت
كان المفكــرون والفلاســـفة والباحثـــون والعلمـــاء ،
يفتشون عن الله في الكتب وعند الناس، فلا يصلون  ،
الا إلي جهالة وغموض وتعب ..


أقول هذا وأنا متألم ،
لأنـــني أري أيضـــاً كثـــيراً مـــن الآبــــاء الــــــــذين ذهبـــــــوا إلي القفـــــــــر،
قد أخذوا هم أيضاً يفتشون عن الله في الكتب أو في المشروعات أو في الخدمة ،
بينما الله في قلوبهم من الداخل ،
يريدهم أن يفرغوا من هذه المشغوليات كلها ويجلسوا إليه
فيحدثهم عن أسرار لا يعرفها أحد، ويريهم ما لم تره عين .


ليس هذا بالنســـبة إلي الرهبـان فحســـب، وإنمــا إلي الجميــــع ..
أتدري يا أخي الحبيب ما هي الطريقة الصالحة للتربية الروحية ؟


أنها ليست في إعطاء الإنسان شيئاً جديداً، فهو يملك كل شئ ،
والـروح الحـال فيــه يعــرف أكـــثر ممـا تريد أنت أن تعلمـــه..


إنما الوسيلة الصالحة للتربية الروحية هي :
في تخليص الإنسان مما يملك من معلـــــــــــــومات خـــــــــــــــــــاطئة ،
                                  من معرفة أخذها من العالم او من الناس .


أن الطفل يولد وفي قلبه وفي فكره وفي خياله فكرة واسعة جميلة عن الله ،
ثم يتولاه المجتمع المسكين بالتعليم ، فيقدم له أفكاراً عن الله غير أفكاره،
ويقدم له صوراً عن الله وعن القديسين تحد من خيال الطفـــل الواســــع ..


وهكذا تتبدل فكرة الطفل عن الله وعن القداسة بمصطلحات عرفية عن الخير والشر،
             التي أكــــل منهـــــا آدم وحــــــواء ، ويصـــــير مثلهمــــــــا جــــــاهلاً ،


ويأتي دور المرشدين الروحيين الحقيقين ،
لا لكي يزيدوا علي الطفل علماً وإنما لينزعوا منه المعرفة الباطلة ،
التي أخــــذها من العــــرف والتقــاليد وتفســيرات النــاس للـــدين .
وعندما تنطلق روحه من هذا كله يعرف الله علي حقيقته ،
لأن الله ليـس غريباً عنه، بل هـو ســـــــاكن فيــــــــــــــه ..
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق