الثلاثاء، 16 فبراير 2016

23- انطلق من حب التعليم ــ كتاب انطلاق الـروح

23- انطلق من حب التعليم ــ كتاب انطلاق الروح

حب التعليم خطر كبير..
                       ابتعد عنه يا أخي الحبيب حيثما وجد وأهرب منه علي قدر ما تستطيع..
                      أنك تريد أن تعلم الناس . ولكن أي شئ تريد أن تعلمهم ؟


ألست معي يا أخي العزير في أننا لم ننضج بعد ، ولم نتعلـــم بعــــد ؟
                            هناك أشياء نفهمها من وجهة نظر واحدة ،
                            فنسئ فهمها .


وعندما ندفع بأنفسنا لتعليم الناس ،
                         لا نعلمهم الدين كما هو وإنما كما نفهمه نحن ،
                         وفي سن معينة، ودرجة روحية وعقلية معينة.
وقد نكبر في السن والروح والعقل ،
                      ونفهم الدين فهما آخـــر غير فهمنـــا له اليـــوم ،
                      فماذا يكون من أمر الناس الذين علمناهم قبلاً ؟!


لذلك ولغيره يقول القديس يعقوب الرسول في رسالته
{ لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي . عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ،
 لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعاً } { يع3: 1، 2 }.


وهكذا نسمع أرميــــا يقــــــــول لله { لا أعرف ان أتكلم، لأني ولد } {  أر6:1 }.
ويقول اشعياء النبي عن نفسه أنه { إنســــان نجــــس الشـــفتين } { أش5:6 }.


ونجـــــــــــــــد القديس باخوميوس يأتــــون إليــه يطلبــون كلمة تليــق، فلا يتحدث ،
ولكن يدفع إليهم بتلميذه تـــــــادرس فيتحدث روح الله علي لسان هذا التلميذ القديس..


وأحد الآباء وهو شيخ، يأتي إليه أخ ليأخذ تعليما فيقول له :
{ أمكث في قلايتك وهي تعلمك كل شئ } فيرجع الأخ منتفعاً...


قصص كثيرة ، أقـــــــــرأها يا أخــــــي بنفســــــــــــك ،
                وأنظر أي درس يعطيك الله عن طريقها .


ولي ملاحظة قبل أن اترك هذه النقطة وهي أن  :
تعاليم كثيرة للآباء القديسين وصلت إلينا عن أحد طريقين :
أمــــا ان الأب الشيخ كان في أثناء حديثه مع الأخوة، يتناول راهب ورقة ويدون ما يقوله الشيخ ،
وأما أن الأب كان يسجل تأملات له لمنفعته ، فيجدونها في قلايته بعد نياحتــه وينتفعــــون بهـــا.


هناك يا أخي الحبيب فرق شاسع جداً بين التعليم وحب التعليم :
التعليـــــــــــــــم  : دعا إليه الكتاب المقدس ، وعهد به إلي أشخاص معينين ،
أما حب التعليم : ففيه خطر كبير، في أحيان كثيرة يكون إحساس متنكـــــراً ..


مع حــــب التعليــم يأتي في كثير من الأحيان إحساس خفي أو ظـاهر ،
                      بالجــدارة الشخصية ، وبالامتيـــاز عن الآخــرين ،
وكلمــــا يتســـــــع عند الشخص نطاق التعليم كلما يكبر عنده هذا الإحساس ،
                     حتي ليدخل إلي الكنيسة أحياناً لا لينتفــع ،
                     بل لينقد ويقيم من نفسه معلماً للمعلمين .
                     أنه لا يأخذ ابدأ، وإنما يعطي باســــتمرار،
ومثل هذا الشخص الذي لا يأخذ يأتي عليه وقت يجــف فيه ،
                     ولا يعد لديه شئ ليعطيه..


أما ألآباء فكانوا علي عكس هذا تماماً.
كانوا يتعلمون باستمرار ويأخذون نفعاً من كل شئ .
كان القديـــس انطـــونيوس العظيـــــم يأخذ تعليماً من امرأة
                                        { لا تستحي أن تخلع ثيابها لتستحم، أمام راهب }.


والقديس مكاريوس أب برية شهيت كلها يأخذ تعلمياً من صبي صغـــــير.
و أرسانيوس الذي درس حكمة اليونان والرومان يتعلم من مصري أمي }.
هؤلاء الآباء كانت أرواحهم تطوف كالنحلة النشيطة فتجني من كل زهرة شهداً!


هناك خطورة أخري في حب التعليم ،
ذكرني بها إنســـــان غيــور شـــغله التعــليم عن نفسه :
كان يقرأ الكتاب المقدس لا لينتفع، وإنما ليحضر درساً .
ويحسن إلي الفقــــــراء لا لأنــــــــه يحبـــــــــــــــهم وإنما ليكون قــدوة للنـاس .
ويحترس في تصــرفاته لا لأنه يؤمــــن بما يفعـــله، وإنما لكي لا يعثر الآخرين .
ويجلس إلي النـــــــاس لا ليقتبس من أرواحهم شيئاً وإنما ليمتحن حديثهم { كأستاذ }
                            ثم يلقي بحكمة شارحاً الأوضاع السليمة . .


بل قال مرة أنه كان يقـــف للصــــلاة فإذا ما افتقـــده روح الله،
              وشعر في الصلاة بشئ، أو سبحت تأملاته في شئ!
يقطع صلاته ويجلس ليسجل هذه الاختبــــارات ليعلم بها الناس ،
              لقــد انقلبت وســائط النعمـــة عند هـــذا الإنســـان ،
              وأصبح التعليم عنده هو كل شئ.


همسة أخري أريد أن أهمسها في إذنك الحبيبة إلي قلبي وهي :
              { أي شئ ســــتعلمه للنـــــاس ؟ أهـــو الـــدين ؟
هل تظــــــــن الدين مجرد معلومات يملأ بها الإنسان عقله ؟ }.


أخشي ما أخشاه يا صديقي المجاهد :  إن طريقة بعض الناس
                                           ســتحول الــدين إلي علم يدرســونه ،
                                           ويمتحنـــون فيـــه كســــائر العــلوم ،
                                          وما الدين الا روح وحياة كما تعرف .


قـال لي { ولكني معلم في الكنيسة فماذا اعمل ؟ }.
قلت له { حية هي روحك يا أخي الحبيب . أنك لا تعلم تلك النفوس وإنما تحبها} .
وهذه الأرواح التي تراها منطلقة حواليك ، لم تطلقهــا التعـــــاليم وإنما المحبــة ،
                                                المحبة التي{ لا تسقط أبداً } لأنها الله..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق