هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون كل واحد إلي خاصته..
وتتركوني وحدي..
واقف وحده.
كان ذلك المحب الحنون الطيب القلب يجول يصنع خيراً.
ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.. ومع ذلك، اجتاز حياة مليئة بالألم.
وكان الجميع يتركونه وحده ،
علي الرغم من أنه في حنانه لم يترك أحداً.
وهكذا وجدناه وحيداً في متاعبــه وآلامـــه،
وحيداً فيما يتعرض له من ظلم وأضهاد: لم يدافع عنه ،
ولم يقف إلي جواره أحد، وإنما { جاز المعصرة وحدة }.
كان يصـــلي في بســــتان جسثيماني ،
وكان يكلم الآب في لجاجــة وقد ســـال
{ يا ابتاه أن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس }
أما تلاميذه، أحباؤه وأصدقاؤه، فقد تركوه وحده وناموا،
ثلاث مرات يرجوهم أن يسهروا معه واحدة وهو لا يستجيبون له؟ { مت26: 38- 45 }..
وعند القبض عليه تفرق تلاميذه كل واحد إلي خاصته
وتركوه وحده كما سبق أن قال لهم { يو 32:16 }..
ولما حوكـــــــــم لم يدافـــــــــع عنه أحــــــــــــــد،
وهو الذي دافع عن أشهر الخطأة...
وفي آلامـــــــــــه لم لكن هنــــــاك من يعـــــــــزيه.
أنه درس يعطيه لنا السيد الرب عندما يضطهدنا الجميع ،
وعندما يتركنا حتي تلاميذنا أيضاً، ويقف كل منا وحــده ،
وليس في وقت الآلام فقط، وإنما في كل حيــاته أيضـــاً..
{ من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلي الوراء ولم يعودوا يمشون معه ،
وفي مرة من المرات دعا البعض إليه :
فاعتــذر واحد ببقرته التي يريد أن يختبرها ،
واعتــذر الآخـــــر مشـــــغول بزوجتــــــــه ،
واعتــذر الثالث لمشغوليته بحقله. وتركه الجميع وحده ،
مع أنهم كانوا ثلاثتهم ممن أنعم عليهم { لو14: 18- 20 }.
الذي { إلي خاصته جاء وخاصته لم يقبله } { لو 11:1 }.
ذلك النـــور الذي جــاء إلي العـالم ،
وأحب العالم الظلمة أكثر من النور } { يو 19:3 }.
كل ذلك حدث في القديم ومازال يحدث حتي الان .
نفس الصورة القديمة :
المسـيح واقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــف ،
والعالــم منشغل عنه بملاذه وملاهيه وطيشه .
ليس من يجلس إليه كمريم أخت مرثا ،
أو يغسل قدميه كالمـــرأة الخاطئـــــة .
ويعرف أن غالبية العالم منصرفة عنه ،
عندمـــا يأتي المســــيح إلي العــــالم :
ألك ما يشــــغلك عنــــه أسأل نفســــك ؟
كان وحيداً في تفكيره :
و حتي هؤلاء :
الذين كانوا يفكرون فيه ويتحدثون معه ويستمعون إليه ،
هؤلاء أيضـــاً كانت لهم طريقهتــم الخاصة في التفكير ،
التي كثيراً ما كانت تتعارض مع طريقة المعلم الصالح .
يذهب السيد إلي السامرة
فتطرده تلك المدينة الخاطئة وتغلق أبوابها في وجهــه ،
{ إن شئت يارب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة }!
ويرد عليهما السيد :
{ لستما تعلمان من أي روح أنتما ،
إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم }.
كان هذان التلميذان يفكران بطريقة غير طريقة معلمهما الطيب
الذي يشــتعر لأن له في هذه المدينــة كثــــيروين مختـــــــارين .
أما السيد المسيح فكان وحيداً في تفكيره إزاء هؤلاء، كان يحبهم ويعطف عليهم ويريد أن يجذبهم إليه: {وهكذا حدث الناس يحبهم ويعطف الصالح، وسار علي قدميه مسافة طويلة ليهدي امرأة سامرية خاطئة ، ويتحدث إلي مدينة السامرة } .
وهكذا كان السيد وحيداً في تفكيره أزاء الأمم أيضاً .
وقال هذا الكلام نفسه عن المرأة الكنعانية { مت 28:15 }..
وفي أغلب معامــلات الســـيد للنــاس كان يقف وحده ،
والعــــالم يقف بعيـــــداً عنه من ناحيــــــة أخـــــــري .
يجتمع اليهود حول امرأة زانية ضبطت في ذات الفعل ،
ممســــكين حجــــــارة فى أيديــــهم كي يرجمــــوها .
الجميع لهم فكر واحد .
وهو أن تلك الخاطئة يجب أن تموت.
{ من منكم بلا خطية فليقذفها بأول حجر }{ يو7:8 }
هكذا قال لهم، فانصرف الجميع، وقال السيد للمرأة :
{ وأنا أيضاً لا أدينــــك . أذهبي بسلام }.
والعـــالم القـــاسي يعجـب منه ،
هذا العــــــــــالم المهتم بالظاهر أكثر من كل شئ :
فأعترض طريقة أعميان يصرخان بصوت عال :
وظن الناس يتفكيرهم العالمي
أن هذا الصراخ يزعج رب المجد فانتهروا الأعميين ليسكتا { مت31:20 }.
أنه لا ينزعـــج من صـــراخ النــاس وطلبــاتهم كما ينزعـــج الغـــير .
وتكـــرر هذا التصــــرف أيضـــاً عندمـــا ازدحـــم حواليــه الأطفـــــال
وظن الناس أن هؤلاء الصغار يضايقونه فانتهرهم . أما هو فقال لهم :
كان وحيداً في فهمه للخدمة :
يحكم بأبهــة الملــوك ويخلص اليهــــود من اضطهــاد الرومــــان ،
كـــــان الســـيد يفكـــــر فـــي مملكـــــــة روحيــــــــــــــــة ،
يملك بها علي قلوب الناس قائلاً لهم في أكثر من مناســبة :
{ مملكتي ليست من هذا العالم } { يو36:18 }..
وعلي هذا الأساس كان يفهم الخدمة :
أنها صليب يحمله الخادم في ارض مبللة بالعرق والدمـوع ..
أنه ينبغي أن يسلم للناس ويقتل ويموت ويقبر،
{حاشاك يارب. لا يكون لك هذا }{ مت22:26 }..
فأجابه السيد له المجــد: { أسكت يا شيطان }،
تري كيـــف كان يمكن أن يخلــص العــــــــالم ،
لـــو نفـــذت نصيحــة بطــــرس المســـــكين !
وهكذا أيضاً فيما كان السيد يضع صليبه أمام عينيه باســــتمرار،
نري التلاميــذ يتركــون معلمهم وحده في تفكـــيره ،
متناقشــــين فيمـــــا بينهــــــــم وبــــين أنفســــــهم ،
{ من يكون فيهم رئيساً }!
ونــــــــري ابني زبدي يأتيـان إليه مع أمهمـا ســـاجدين طـــالبين
ولكن السيد يرد هذين التلميذين إلي المعرفة الحقيقية للخدمة وطريقها ويجيبهما :
{ لســـــتما تعلمــــــــان مــــــــا تطلبــــــــــــــــــان .
أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشريها أنا ،
وأن تصطبغـــا بالصبغــة التي أصطبغ بهـــا أنــــا ؟ }{ مز38:10 }.
يجمع الناس إليه فيتحــدث إليهم بكــلام النعمة ســـاعات طــويلة ،
يا للتلاميذ : أنهم لم ينضجوا بعد ،
هل كانوا يفكرون أن الخدمة مجرد كلام يلقي علي الناس !
أم أنهــــا محبــــة عامـــلة ! وهكــذا يرد عليهـــم الســيد :
{ لا حاجـــة لهم ان يمضـــوا . أعطـــوهم أنتم ليأكلـــــوا }.
وحيدا في الخدمة :
العالم مزدحم بخدامه، بل ان الخدام فيه لينافس بعضهم بعضاً ،
وكل صاحب مشروع يجد كثيرين ينضمون إليه ويعاونــونـــه .
لقد قال منذ عشرين قرناً تقريباً وما يزال حتي الآن :
{ الحصــــاد كثر والفعــــــــــلة قليلـــــــــــــــون .
أطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده }
{ مت 38:9 }..
ليـــس من ينضم إلي الســـيد في عمــــله .
كل شخص يقول : {أحــــارس أنا لأخي؟ }
{ تك9:4 }..
سأصف لك يا أخي العزيز بعض حالات رايتها بعيني…
* أمرأة فقيرة وزوجها وثمانية أولاد :
أكبرهم شاب طائش والذي يليه في السن صبي صغير .
فتحمـــل الأم المســـــــكينة البعـــــض منهم إلي ملجــــأ او جمعيـــة لتتســــول لهم طعـــاماً ،
ومــاذا إذن عن ملابســـهم التي لا تســــتر من جسمهم شــــيئاً ،
ثم ماذا عن أجرة حجرتهم وصاحبة البيت التي تهددهم بالطرد ،
وتشبعهم سباً وإهانة كلما قصروا في دفع الإيجار.
* أمرأة أخري أرملة وأولادها ،
كانت تعمـــل في جمعيـــة دينيــــة كحائكة للملابــــس مرضـــت شــهرين ،
وربما لضعفها بسبب قلة الغذاء،
فكانــت النتيجــــة أن اســــتغنت الجمعيــــة عنهـــا بســـبب مرضهــــــا .
ولما قامت الأرملة الفقيرة من المرض ولست أدري تماماً كيف عولجت ..
* كلها حالات في بداية الخمسينيات وأواخر الأربعينات .
وكيف دفعت ثمن الدواء!!
أقول أنها لما قامت وجدت نفسها وحيدة والدنيا مظلمة حولها.
* أرملة أخرى شابة ولها ولدان،
تســكن في حمـتام في بــــدروم في حجـــرة حقـــيرة في منتـهي الرطـــوبة ،
تدفع إيجاراً لها ثلاثين قرشاً ، وهي وأولادها مهددة بالسل وأمراض أخري،
ومهددة قبل كل ذلك بالارتــــداد عن الدين وبالفساد والتشرد .
لا تقوي علي الغسيل فلا تجــد من يســتخدمها .
يقيتهم ويجفــــف آلامهـــم، ويعــــزيهم ويعلمهــم الصـــــبر والاحتمـــــال .
وفي كل ذلك يريد أن يشرك معه البعض منا نحن الخطاة في شرف الخــدمة ،
ولكنه مع كل هذا ينظــر فيجد الحصــاد كثيراً والفعلــة قليلين ،
ويجد الجميع قد انصرفوا كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده .
من الخاسر في هذه الوحدة ؟
لأن الآب معه وهو ليس محتاجاً إلي عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلي ربوبيته .
وهو عندما يدعونا أن نقف معه في وحدته ، إنما يقصـــد خيرنا نحن بالــــذات .
لأنه :{ إن كان الرب معنا فمن علينا }
{ تحت ظله اشتهيت أن أبيت }.
كما أنه في صحبة السيد لا يخاف شراً :
{ إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي }
{ وإن قام علي جيش ففي ذلك أنا مطمئن }
{ عصـــــاك وعكـــــازك همــتتا يعزيـــاني }{ مز23:،مز 27 }..
حتي إذا فتحت له يدخل ويتعشي معك وأنت معـــه .
فهل لا تــزال مصراً أن تتركـــه واقفـــاً وحــــــده ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق