الثلاثاء، 16 فبراير 2016

27- حدث في تلك الليلة ــ كتاب انطلاق الـروح



{ قد كرسوا كل حياتهم لله فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الخدمة..
هكذا كانوا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيس ويرون باقي أعمال العالم أمورا ثانوية }..


حدث في تلك الليلة أننـــــي كنــــت وحيــــــداً فــــي غرفــــتي الخــــــــاصة ،
متمدداً علي مقعدي وناظراً إلي لا شئ، وإذ بابتسامة خاطئة تمر علي شفتي
– لعــلني كنــــت أفكـــر في نفـسي كخـــادم – وهنـــا حـدث حــادث غـــريب :
هــل ثقـــلت رأســي فنمــت أم اشــتطت أفكـــاري فتحــولت إلي أحــــــــلام ؟
أم أشهر الله لي أحدي الروئ لست أدري ، ولكنني أدري شيئاً واحـــد وهو :
إنني نظـــرت فإذا أمامي جماعة من الملائكـــة النورانيين ،
وإذا بهم يحملونني علي أجنحتهم ويصعدون بي إلي فوق ،
وأنا أنظر إلي الدنيا من تحتي فإذا هي تصغر شــيئاً فشيئاً ،
حتي تتحول إلي نقطة صغيرة مضيئة في فضـــاء الكـــون ،
وأنصــــــت إلي أصــــــوات العـــــــالم وضــــــــــــوضائه ،
فغذا بجســــمي يخـــف ويخـــف حتي أحـسست كأنني روح من غــــير جســـــــد ،
– فأتلفت في حيرة حولي لأري أرواحاً كثيرة سابحة مثلي في الفضاء اللانهائي ،
ها هـــــم الشاروبيم ذوو الستة الأجنحة والســــــــــــار وفيم  –
وها هـــي أصوات الجميع ترتفع في نغم واحد موسيقي عجيب { قدوس، قدوس، قدوس }
ولا أتمالك نفسي فأنشد معهم دون أن أحس
                              { قدوس الله الآب... قدوس أبنه الوحيد.. قدوس الروح القدس }.


واستيقظ عن إنشادي
                  لأسمع نغمة قديسة خافتة لم تسمعها أذن من قبل ،
فاتجه في شوق شديد نحو مصدر الصوت، فإذا أمامي علي بعـــد
مدينة جميلة نورانية معلقة في ملك الله، تموج بالتسبيح والترتيل ،
كلما أسمع منها نغمات يمتلئ قلبي فرحاً، و تهتز نفسي اشــتياقاً ،
ثم أنا انظر فأري في المدينة علي بعد أشباحاً أجمل من الملائكــة :
هـــــــــــــــوذا موسى ومعه إيليا وجميع الأنباء ،
ثم هـــــــا هم بعــــض زمــــلائي ومـــــــدرسي مدارس الأحد ..


ولــــم أســـتطع أن اتـــامل أكــــثر من ذلــــك ،
بل أندفعت في قوة نحو تلك المدينة النورانية ،
ولكن عجبـــــــاً – أنني لا اســــتطيع التقــدم  ،
فهنـاك مـلاك جبـار كله هيبـه وجـلاك ووقـار ،
يعترض سبيلي قائلاً :
* { مكانك قف ! إلي أين أنت ذاهب ؟ }


فأجيبه :
* { إلي تـــلك المدينــــة العظيمــــــة يا ســيدي الملاك  –
  إلي حـــيث زمـــــلائي وأخــــــوتي وآبائي القديسون }.


ولكن  الملاك  ينظر إلي فوق في دهشة ويقول :
*{ ولكنها مدينة الخدام فهل أنت خــــــــادم ؟ }


فلما أجبته بالإيجاب قال لي :
*{ أنك مخــــطئ يا صــديقي فأســــمك ليس في ســجل الخـدام }
  وعصفت بي الدهشة فصرخت في هذا الملاك حارس المدينة :
* كيف هذا ؟ لعـــلك لا تعـرفني يا سـيدي المـلاك .


اســــــأل عني مدراس الأحد واجتماعات الشـباب ،
واســــأل عني الكنائــــــــــــس والجمعيـــــــــــات .
بل اسأل عني أيضــــــــاً في مدينـــــــة الخـــــدام ،
        إذ يعرفني هناك كثير من زملائي مدرسي مدارس الأحد.....}


وأجابني الملاك في صـــرامة وصـــــــراحة :
* { أنني أعرفك جيداً، وهم أيضاً يعرفونك ،
  ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله }.


ولم أحتمــل تلك الكلمــات ، فوقعت علي قدمي أبكـــي في مـــرارة ،
ولكن ملاكاً آخر أتي ومسح كل دمعة من عيني، وقال لي في رفق:
* { أنك يا أخي في المكان الذي هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب؟
     - تعال معي ولنتفاهم }.


وجلسنا منفردين نتناقش فقال لي :
* " إن أولئك الذين تراهم في مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله،
                  فكانــت كل دقيقـــة من أعمــــارهم تنفـق في الخدمـة .
أليست هكذا كانت حياة موســـى والأنبيــــــــــــــــــاء ؟
أليست هكذا كانت حياة الأساقفة والكهنة والشمامسة ؟


أما أنت يا صديقي فلم تكن مكرساً بل كنت تخدم العالم .
وكل ما لك من خدمة روحية هو ساعة واحدة في الأسبوع تقضيها في مدارس الأحد ،
وأحيـــــاناً كانت خدمـــــاتك الأخــــــرى تجعــــــلك تعـــــطي الله ســـــاعة ثانيـــــــــة ،
فهل من أجل ساعتين في الأسبوع
تريد أن تجلس إلي جانب الرسل والأنبياء والكهنة في مدينة الخدام ؟
وكنت مطـــرقاً خجلاً أثنـــاء ذلك الحديـــث كلــه ،
غير أنني قاومت خجلي وتجرأت وسألت الملاك  :
{ ولكنني أري في مدينة الخدام
بعضاً من زملائي مدرسي مدارس الأحد وهم مثلي في خدمتي }


فأجابني الملاك :
*{ كلا أنهم ليسوا مثلك .
حقيقة أنهم كانوا يخدمون ساعة أو أكثر في مدارس الأحد
ولكنهم كانوا يقضـون الأسبوع كله تمهيد لتلك الســـــاعة ،


فكانوا  يصرفون وقتاً كبيراً في :
          تحضــــير الـــــــــــــدروس ،
         و وســـائل الإيضــــــــــــاح  ،
         وطــــــرق التشـــــــــــــويق ،
         والصلاة من أجــــل كل ذلك ،
        وبحـــــث حــــالات التلاميذ واحـــــداً واحــــــــداً،
        والتفكــير في طريقة لإصلاح كل فرد علي حدة  ،
        يضــــاف إلي ذلك انشـــــــغالهم في الافتقــــــاد ،
      وفي ابتكار طرق نافعة لشغل أوقات تلاميذهم أثناء الأسبوع
       ثم كانــــت لهـــــم خدمــــات أخــــري مختفيــــة لا تعرفهــــا ،

وهكذا يعتبرون الخدمـــة الروحيــــة عملهم الرئيــسي ،
                  ويرون باقي أعمال العالم أموراً ثانوية
لا أعني أنهم أهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية ،
بل كانوا مخلصين لها جـــداً وناجحين فهــا للغــــاية ،
وإن كان عملهم العالمي أيضاً لا يخلو من الخدمـــة ،
وهكذا حسبهم الله مكرسين }.


{ وكيف أستطيع أن أكون خادماً وأنا مشغول بعملي ؟ }


فأجابني الملاك :
{ لعلك نســـيت يا أخي عموميــــة الخــــدمة !
يجب أن تخدم الله في كل وقـــــت وفي كل مكان :
في الكنيســــــــــة وفــي الطـريق وفي مــــنزلك ،
وفي مكــان عمـلك وإنما حـــــــللك أو تنقــــــلت } .


لا يجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة ،
فعندنا في مدينة الخدام
مدرسون :
استطاعوا أن يجذبوا كل تلاميذهم المسيحيين إلي مدارس الأحد ،
وأن يصلحــــوهم و يتعهــــــــدوهم بالعنـــــــــاية المســــــتمرة .


وعندنا في مدينة الخدام أطباء :
لم يتخذوا الطب تجارة وإنما اهتموا قبل كل شئ بصحة مرضاهم مهما كانت حالتهم المالية ،
فكانوا في أحيان كثيرة يداوون المريض ويرســـــلون له الــــــدواء – كل ذلك بــــدون أجر ،
بل كانوا يقومون بتأسيس المستشفيات والمستوصفات المجانية .


وعندنا في مدينة الخدام موظفون :
استطاعوا أن يقودوا كل زملائهم في العمل إلي الكنيسة ،
للاعــــــــــــــــــــــتراف والتناول من الأسرار المقدسة.


وهناك أيضاً مهندسون ومحامون وفنانون وتجار وصناع :
كل أولئك كانوا خداماً في مهنهم، فهل كنت أنت كذلك ؟ } .
فخجلت من نفسي ولم أجب ولكن الملاك قال لي في تأنيب مؤلم ..


* { هذا عن الخدمة في مكان عملك : ثم ماذا عن خدمتك في أسرتك !-
أن يشوع الذي تراه في مدينة الخدام كان يقول { أما أنا وبيتي فنعبد الرب }.
أما أنت فلم تخدم بيتك بل كنت علي العكس في نزاع مستمر مع إفراد أسرتك،
بل فشلت في أن تكون قدوة لهم وأن تجعلهم يقتدون بك .


ثم ماذا عن أصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك ؟
كنت تزورهم في عيدي الميلاد والقيامة دون أن تحدثهم عن الميلاد والقيامة ،
وعن الولادة الجديدة والقيام من الخطية بل تفرح معهم فرحاً عالمياً ،
وأتيحت لك فرص كثيرة لخدمتهم ولم تستغلها، فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادماً؟ !} .


وطأطأت راسي خجلاً للمرة الثالثة ، ولكني مع ذلك أحتلت علي الإجابة فقلت :
* { ولكنك تعلم يا سيدي الملاك أنني شخص ضعيف المواهب
   ولـــــم أكـــن مستطيعاً أن أقـــوم بكــــل تــــــلك الخدمـــة }.


وأندهش الملاك، وكأنما سمع هذا الرأي لأول مرة، فقال في حدة :
* { مواهب } ؟
ومن قال انك بدون المواهب لا تستطيع أن تخدم !
هنــــاك يا أخــي ما يســـمونه العظـــة الصامتــة :
لم يكن مطلوباً منك أن تكون واعظاً وإنما أن تكون عظة ..
ينظر الناس إلي وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة ،
ويسمعون حديثـــك فيتعلمـــون الطهــــارة والصــــدق والأمانة ،
ويعاملونك فيرون فيك التســـامح والأخــلاص والتضحية ومحبـــة الآخرين ،
فيحبونك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك أتقياء دون أن تعظ أو تقف علي منبر،
ثم هناك صلاتك من أجلهم وقد تجدي صلاتك أكثر من عظاتك }.


وللمرة الرابعة تولاني الخجل والارتباك ، فلم أحر جواباً ،
واستطرد الملاك في قوله:
* { وكان يجب عليك أيضاً – كعظة صامتة –
أن تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفاً مهما كان بريئاً في مظهرة ،
أن كان يفهمـــه الآخـــرين علي غــير حقيقتــه فيعــــثرهم –
وهكذا تكون { بلا لوم } أمام الله والناس كما يقول الكتاب :
جــــاعلاً أمـــام عينيك كخـــادم قــول بولس الرسول :
{ كل الأشياء تحل لي، ولكن ليست كل الأشياء توافق } {1كو12:6}.


وتأملت حياتي فوجدت أنني في أحوال كثيرة جعلت الآخرين يخطئون ولو عن غير قصد.


وقطع علي الملاك حبل تأملاتي قائلاً في رفق :
* { ولكن ليس هذا هو كل شئ. أنني أشفق عليك كثيراً يا صــديقي الإنسان.
   وقد كنت أشـــفق عليك بالأكــــثر أثنـــاء وجــــودك في العــــالم ،
  وخاصة في تلك اللحظات التي كنت تتألم فيها من }{ البر الذاتي }.


كنت تنظر إلي خدماتك الكثيرة فتحسب أنك مثال للخدمة ،
وبينمــــا لم تكـــن محســــوباً خــــادماً إلى الإطـــــــلاق .


ولعــلك قـــد اقــترفــت أخطـــاء كثـــيرة أخــــــري ،
منهـا أن خدمتــــك كانــــــت خدمــــة رســـــميات ،
فقد كنت تذهب إلي مدارس الأحد كعادة أسبوعية ،
وكعادة أيضــــاً كنت تصلي بالأولاد ،
وكنت ترصــد الغيـــاب والحضــور ،
فتعطي للمواظــــــب جــــــــــــائزة ،
وتهمل الغائب غير مســــئول عنه ،
وهكذا خلت خدمتك من الروح ومن المحبـــــة ،
ولم تستطع أن تصل إلى أعماق قلوب الأولاد ،


لأن كلماتك وتصرفاتك لم تكن خارجة من أعماق قلبك .
ولم يكن في الترتيــل الذي تعلمهم إياه روح البهجــــة ،
ولم تـــكن فـــــي أوامــــــرك لهــــــم روح المحبـــــــة ،
وهكذا لم تحدث في خدمتك تأئيراً .


وكذلك كنت في عظاتك في الكنائس أيضاً :
تعظ لأن الكاهن طلب منك ذلك فوعدته وعليك أن تنفذ ،
تجذب الإعجـــاب أكثر مما تهتم بخــــلاص النفــــوس ،
وكان صوتك رغم علوه وإيقاعه ووضوحه بارداً خالياً من الحياة ،
وكنت تبتهج – ولو داخلياً فقط – بمن يقرظ موضـــوعك .
دون أن تهتم هل جدد الموضوع حياة ذلك الشخص أم لا .


ألا تري يا صديقي أنك كنت تخدم نفسك ولم تكن تخدم الله ولا الناس .
ولعل من دلائل ذلك أيضاً :
أنك كنت ترحب بالخدمة في الكنائس الكبيرة المشهورة الوافرة العدد،
دون الكنائس غير المعرفة كثيراً .


* ثم أنه تقص من خدمتك من هذه الناحية أمران هما :
حب الخدمة وحب المخدومين ..
أما عن حب الخدمة :
فيتجلي في قول السيد المسيح :
{ طـــــوبي للجيــــاع والعطــــاش إلي الـــــــبر }
فهل كنت جوعاناً وعطشاناً إلي خلاص النفوس ؟


هل كنت طول الأسبوع
   تحــلم بالســــاعة التي تقضيهــــا وســـط أولادك في مدارس الأحد ؟
هل كنت تشعر بألم إذا غاب أحدهم، وبشوق كبير إلي رؤية ذلك الغائب
   فلا تهـــــدأ حتي تجــــــده وتعيـــــد عليــــــه شــــــــرح الــــــدرس!


ثم الأمر الآخر وهو حب المخدومين:
هل كنت تحب من تخدمهم، وتحبهم إلي المنتهي مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه ؟
                                 وتحبهم تعطــــف عليهم فتغمــــرهم بالحنــان ؟
وهل أحبك تلاميذك أيضاً ؟
                             أم كنت تقضي الوقــت كله في انتهـــارهم ،
                             ومعاقبتهم بالحرمان من الصور والجوائز؟
مــن قـــال أن لــــــــــك أن تلك الطريقة صالحة لمعالجــــة الأولاد؟


إن المحبة يا صديقي الإنسان هي الدعامة الأولي للخدمة .
            أن لم تحب مخدوميــك لا تستطيع أن تخــــدمهم ،
           وأن لم يحبـوك لا يمكــــن أن يســتفيدوا منـــك }.


وأطرقت في خجل مـــرير وقد تكســــف لي حقيقتــي ،
بينما نظر إلي الملاك نظرة كلها عطف ومحبة وقال :
* { أريد أن أصارحك بحقيقة هامة وهي :
انه كان يجب أن تقضي فترة طويلة في الاستعداد والامتلاء قبل أن تبدأ الخدمة –
لأنك وقد بدأت مباركاً ولم تكن لك اختبارات روحية كافية، وقعت في أخطاء كثيرة }.


ونظرت إليه في تساؤل
وكأنمــا شــــق علي أن أخــــــطئ ،
وقد كلفت بإصلاح أخطاء الآخرين ،
فأجاب الملاك علي نظرتي بقوله :
* { هناك ولد طردته من مدراس الأحد لعصيانه وعدم نظامه
   – فأوجـــد هـــذا الطـــرد عنـــده لونــاً من العنـاد ،
    وقذف به إلي أحضان الشارع والصحبة الشريرة ،
     فأصبح أسوأ من ذي قبل ،
    وحاقت به من تصرفك إضرار جسيمة، خاصة ،
    انه في حالته الجديـــدة فقد المرشــد والعناية ،
  ولابد أنك مسئول عن هذا لأنه في حدود عملك }.
فأجبت  :
{ ولكنه يا سيدي الملاك كان يفسد علي الدرس ، بل كان قدوة سيئة لغيره } .
فأجاب الملاك في مرارة :
*{ وهل من أجل ذلك طردته ؟ يا لك من مسكين :
هل أرسلك السيد المسيح لتدعــوا أبـــراراً أم خطـــاة إلي التوبـــة ؟؟
إن تلاميذك القديسين الذين كنت بسببهم تحارب نفسك بالبر الذاتي ،
                            ترجـــــع قداســــتهم إلي عمــــل الله فيهـــم ،
أما ذلك المشــــــاكس فهو الذي كـان يجــب أن تتنـاوله بالرعــاية .
                           لمثل هذا النوع دعاك الله .


ولــــو أنـــــــــك كرست جهودك كلها لإصلاح هذا الولد فقط ،
                   ولم يكن لك في حياة الخدمة غير هذا العمل ،
لكان هذا وحده كافيـــــاً لدخـــــولك مدينــــــــة الخدمـــــــة ...
كـــــــــــــــــان يجــــب أن تقــــدر قيمــــة النفــــس ,
                ان يكون لك الكثير من طول الأنـــــاة .


فخادم مدارس الأحد :
      الذي تخلو مؤهلاته من هاتين الصفتين لا يستحق أن يكون خادماً.


فقلت للملاك في رجاء: { وماذا كنت تريدني أن أعمل مع هذا الولد؟ } فأجاب :
* { تخدمه بقدر ما تستطيع ، وتختبر نفسيته وتعالجه بحسب ظروفه، وتصلي كثيراً من أجله –
    فــــإذا ما فشــــــــلت :
   فلا نطرده وإنما حوله إلي فصل آخر، فقد ينجح زميل لك من المدرسين فيما فشلت أنت فيه –
   فإذا لم ينفع هذا أيضاً :
   يمكنكم أن تخصصوا فصلاً او أكثر من مدراس الأحد للأولاد المشاغبين ،
   يعامل فيها هؤلاء الأولاد معاملة خاصة وفـــق طبائعهم –
   ويمكن أن تكثروا من افتقادهم ومن تقريبهم إلي قلوبكم ،
  علي ألا يطرد واحد منهم مهما أدي الأمر.


أنهم ليسوا بأكثر شراً من الحالة الأولي لزكا أو المرأة السامرية او مدينة نينوي.
وخادم الله لا يعـــــرف اليأس مطلقاً ما دامت له الصلاة المنسحقة والقلب المحب }.


وشعرت بندم علي تصرفاتي القديمة، ولكن الملاك استطرد :
* {ثم هناك ولد آخر غاب عن فصلك أسبوعاً ثم أسبوعين فلم تفتقده ،
   وكل ما فعلته كموظف رسمي في مدارس الأحد {!!!}
  أنـــك رصــــدته في ســــــجلك ضـــــــمن الغــــــائبين ،
  واستغل الولــــد عدم افتقــــادك فاســــتمر في غيــابه ،
  وانتهرت أنت فرصة غيابه المستمر: فشطبت أسمه من قائمتك }.


ونظر إلي الملاك في صرامة وقال :
{ لماذا لم تفتقده؟ }  وضعفت أمام حدة ونظرته . فصمت خوفاً. بينما كرر سؤاله مرة أخرى في عنف "
{ لماذا لم تفتقده؟ } وشعرت بعاصفة تجتاح رأسي ولم اجب، بينمـــا أرتعــش الملاك في أضـــــطراب :
* { أن حالته الروحية تدعو الآن إلي الرثاء ولو استمر علي هذه الحالة فأنه سوف..}
واختلع صوت الملاك وصمت قليلاً ثم قال :
* { أننـــي وكثــير من الملائكة نصــلي من أجـــله حــتي ينقــــذه الله ..
  وعندما يستجيب الله صلاتنا ويرسل إليه خادماً آخر أميناً في خدمته ،
  وعندما ينقذ الولد، فإن إنقـــاذه سوف لا يخليــــك من المســــئولية }.


وكـــان صــــوته خافتــــاً متألم لم أحتمـــــل ســــــماعه ،
فشعرت بالناظر تدور أمام عيني ثم وقعت مغشياً علي ..
وعندما أفقت كان الملاك ينظر إلي في إشفاق ،
وســــاعدتني نظـــرته علي التكـــلم فقــــلت :
{ سامحني يا سيدي الملاك
فقد كان في فصلي ثلاثون ولداً لم استطع أن أفتقدهم جميعهم }


فأجابني:
{ وحتي أنت وقعت في هذه التجـربة ؟ في أغراء العدد ؟
أن الله لا يقيس الخـــدمة بعدد التلاميــــذ ،
وإنما بعدد المتجددين الخالصين منهم ..}
أنا أعرف إنه كان صعباً عليك أن تهتم بثلاثين ولداً ،
من ناحيـــة النظـــام والافتقـاد والرعــاية والتعليــم ،
بل كان من الصعب عليك أن تحفظ مجرد أســمائهم ،
فلم تستطع أن تقول مع المسيح { خرافي تعرفني وأنا أعرفهـــا }.
ولكـــــــــــن{ لماذا لم تقتصر في خدمتك علي عشرة أولاد مثلاً }.
وفضلت الصمت لأني لم أجد جواباً .


أما الملاك فإنه قال في إشفاق :
*{ هل تعلم ما هو أهم سبب في فشلك غير ما قلناه ؟
   أنه اعتمادك علي نفسك .}
  وهكذا نسيت أن تصلي وتصوم من أجل الخدمة .


أن زملاءك مــدرس مـدارس الاحــد الذين في مدينــة الخــدام ،
كانوا يقيمـــــون صلاة وصوماً خصيصاً من اجـــل فصـــولهم ،
وكانـــــــــــــــوا في كل يوم من أيام الأسبوع يذكرون أولادهم ،
                  واحـداً واحـداً أمام الله طالبين طلبـة خاصـة من اجـل كل واحــد ،
بــــل كانــــــوا يطلبون من آبائهم الكهنة أقامة قداسات خاصة من أجل الأولاد ،
فهل كنت كذلك ؟


هذا كله عن الخدمة الروحية ، ثم ماذا عن خدمتك المادية ؟
هل ظننتها أمراً ثانوياً ؟
الم تعلم أن الغني الذي عاصر اليعازر هلك لأنه لم يشفق علي اليعازر المسكين ؟
ألم تسمع المسيح يقول للهالكين :
{ كنت جوعاناً فلم تطعموني، كنت عطشاناً.. كنت عرياناً.. كنت مرضاً }
فماذا فعلت أنت ؟
{ ألم تتمسك ببعض الكماليات
بينما كان أخوتك محتاجين إلي الضرويات ؟ ألم....}
ولــم أحتمــــل أكـــثر من ذلك فصرخــت في ألــــم
كفي يا سيدي الملاك ،
الآن عرفت أنني غير مستحق مطلقاً لدخول مدينة الخدام .


فقد كنت مغروراً يا سيدي جداً
{ أما الآن وقد عرفت كل شئ فأني أطلب فرصة أخري أعمل فيها كخادم حقيقي }.


فقال لي الملاك :
{ لقد أعطيت لك الفرصة ولم تستغلها ثم انتهت أيامك علي الأرض } .


فألححت عليه وظللت أبكي وأرجوه ،
أما هو فنظر إلي فوق إشفاق ومحبة وتركني ومضي وأنا ما أزال أصرخ
{ أريد فرصة أخري – أريد فرصة أخري }.
فلما أختفي عن بصري وقعت علي قدمي وأنا اصرخ { أريد فرصة أخري } .


ثــــم دار الفضــــاء أمامي ولم أحـــس بشـــئ .
ومـــرت علي فترة وأنــا في غيبوبة طــــويلة ،
ثم استفقت أخيراً وفتحت عيني ولكني دهشت.


وازدات دهشتني جداً..
وظللت أنظر حولي وأنا لا اصــدق، ثم دققت النظـر إلي نفسي ،
فاذ بي ما أزال وحيداً في غرفتي الخاصة متمدداً علي مقعدي.
يالرحمة الله...
أحقاً أعطيت لي فرصة أخري لأكون خادماً صالحاً ؟…


وقمت فقــــدمت لله صــــلاة شــــكر عميــقة ،
ثم عزمــــت أن أخــــبر أخـــوتي بكـــل شـئ ،
ليستحقوا هم أيضاً الدخول إلي مدينة الخدام .


وهكذا أمسكت بعض أوراق بيضاء ،
وأخذت أكتب{ حدث في تلك الليلة.. }

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق