26- مساكين ــ كتاب انطلاق الروح
{ هل تحسب أني سأحاسب وحدي علي خطاياي؟ كلا ،
بل أنكم ستقتسمون الحساب معي .
قال لي وهو ينفث دخان سيجارته في وجهي :
{ لعلك تعجب من حالتي الآن }
فنظرت إلي شعره الطويل المصفف اللامع و عينيــــه الغــــــــائرتين ،
وأسنانه الصفراء ، وأصابعه المرتعشة في عصبية ظاهرة ،
وشعرت نحوه بكثير من الإشفاق..
وقبل أن أجيبه بشئ استطرد في مرارة :
{ أننــــي لـم أكــــن هكــذا كمــا تعلــم.. كنت قـــوي الروح ، رضي الخلق ، مواظبــــاً علي الكنيســـــة ،
ثم أخذت أقتر شيئاً فشيئاً حتي انقطعت عن حضـور الاجتماعات ،
فلم تفتقدني الكنيسة أو تسع لإرجاعي ، وزاد غيــــابي وزاد معـــه فتـــوري ، وضـعفت إرادتــي ،
وظللت أهوي من قمتي العالية قليلا دون أن يفتقدني أحد ..
وعندما أتي وجد قلبي مزيناً مفروشـاً ووجد أرادتي منحلة ،
ولا واحـــد مـن المرشــــــدين الروحــــــــــيين .
وهكــــــذا ضعت فريســــة سهلة ، وســــرت في الظـــلام..
الظلام المحبوب الذي أحبه الناس أكثر من النور}.
وهز رأسه في هدوء وقال :
{أنني أشتري الآن أربع علب من التبغ كل يوم }.
وشهقت في دهشة وألم استمر
واقـــرأ القصـــص العــــابثة وأتســــــلى بالأغــــاني الماجنـــة .
وأصطحب جماعة كأنهم من زبانية الجحيم ..
أمـــــــــــا الآن فـــــــأني لا أقـــــــاوم علي الإطــــــــــــــــلاق }
ثم ضحك في استهتار وقل :
{ بل أخشي أن أقول أن الخطية هي التي تقاومني ،
ولكنها لا تســـــتطيع لضــــــعف أرادتــــــــــها }!
وكنـــــت خــــــلال ذلك حـــــــزيناً جـــــــــداً ،
أما هو فنظر إلي نظرة قاسية وقال في حدة :
{ هل تحسب أنني سأحاسب وحدي علي خطاياي . كلا .
بل أنكـــم ستقتســــــمون الحســــــــاب معـــــــــي .
ليس المهم يا صديقي القارئ أن أكمل لك قصة هذا الشـــــاب ،
فإنها واحدة من شبيهات كثيرات .
علي أنـــني أقـــــول لــــــــك أنني رجعت إلي مــنزلي في تــــــلك الليلـــة ،
وأنا في غاية الألم من اجله ومن أجل نفسي .
أخذت أسائل نفسي في صراحة :
كم شخص مثل هذا تدهورت حالته نتيجة لعدم افتقادي وعــدم اهتمـــامي؟
وأخذت استعرض أسماء الذين لم أفتقدهم منذ مدة، وأنتابني خوف وهلع،
وشعرت نحوهم بكثير من القلق، ثم تساءلت :
العل وجودي خادماً هم معطل لخدمة الله . ورنت في أذني عبارة الشاب
{ أنكم ستقتسمون الحساب معي }
{ لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي
عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعاً }.
عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعاً }.
ولما استمرت حالة الاضــطراب مــدة معي ، طلبت إعفائي من الخدمة ،
وإذ رفض طلبي ارتميت أمام الله وبكيت بكاءاً مرا عرفت أنني مسكين ..
مســـــكين عندما رضيت أن أكون خادماً ولم أقل عبارة أرميا
{ آه يا سيد الرب أني لا اعرف أن أتكلم لأني ولد }
ومسكين عندما كنت أحسب الدرس :
مجرد محاضرة القيها في هدوء وأنصرف في هدوء.
يا أخوتي القراء صلوا من أجلي جميعاً .
ومن أجل كل مدرسي مدراس الأحد فأنهم مساكين مثلي ومحتاجون .
وإذ أشكو وأتألم من مسئولية فصل صغير،
وهو مسئول عن خمسة أو عشرة آلاف نسمة ؟
ماذا يجيب عندما يناديـــــــه الله { أعطني حساب وكالتك }.
فصلوا من أجله كثيراً حتي يعينه الله علي أتمام واجبه،
هل نظرت إلي امتيازه أم إلي مسئوليته ؟
الا تعرف يا أبي أنك مسئول عن كل رعيتك :
الكبار والصغار، الرجال والنساء، الشبان والشابات .
الكبار والصغار، الرجال والنساء، الشبان والشابات .
بل أيضـــــــــــاً عمن في دور العبث والفساد ، عن كل شاب ما جن في الطريق،
وكــــل ســــــكير في حانــــة ، وكل نــــــزاع في اســــــــــــرة .
أن لم تعرف يا أبي أنك مســـكين جداً فخير لك أن تعرف هذا من الآن .
فأدخل إلي مخدعك وأبك بكاءاً مراً. سلم الأمر لله .
قل له انك ضعيف، وأن حملك ثقيل، اجتهد واسهر ،
لئلا يأتي بغته فيجـــدك نائمــاً.
الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوالي مائتي ألف نسمة أو أكثر.
كهنة وعلمانيين؟!
ألا تروا معي يا أخوتي أنهم مساكين جداً .
فصلوا من أجلهم بلجاجـــــة حتي يساعدهم الله علي أداء أعمالهم.
ما الذي دفعك إلي الأســـقفية او المنصـــب أم المســئولية ؟
هل اشتهيت فيها المركز والسلطة ولقب { صاحب النيــافة }
ثم ماذا فعلت يا سيدي الأسقف بخصوص مسئوليتك ؟
هـــــل تقــــدمت أو زالــــــت كمــــا هــــــــي ؟
لأن مســـــئوليته مُخيفــــــــــة .
كـــــان يبكــــي ويصـــــرخ أمـــام اله واحــــد قائـــــلاً :
{ أنت تعرف يا رب أنني ذهبت إلي الدير لأخلص نفــسي ،
وهاأنذا قد أرجعت إلي العـــالم ولم أخـــلص نفسي بعـــد ،
ومطلــــوب مني العمـــل علي تخليــص الآخــرين أيضـاً .
وأنا يا رب لا استطيع ، فاعمل أنت } وكان الله يعمــــل .
ماذا نقول عن هؤلاء ومسئولياتهم الخطيرة ؟ أليسوا هو أيضاً مساكين ؟..
صلوا يا أخوتي :
حتي يتمكن من القيام بواجبه وحتي يعطي جواب حينما يسأله الله عن نفسه
وأنت يا من سترشحون للبطريركية في يوم ما ،
أن عرضــــت عليكـــــم فاهـــــربوا لحيــــاتكم ،
وأن دعــــاكم الله فانظــــروا إلي مســئولياتها ،
يا أخوتي القراء:
لا تنظروا إلي خدام الله من يتحملون المسئوليات نظرة المتفرج ،
تمدحونهم أن أحسنوا وتحاسبونهم أن أساءوا .
وإنما صــلوا من أجــــلهم حتي ينجـــح العمــل .
وأنت يا سيدي الخادم أهتم بالمسئولية وليس بالمنصب .
ومتي شعرت بالعبء ألق علي الرب همك وهو يعـــولك .
أغلق الباب وحاجج في دجي الليل يسوعاًً
أملا الليل صــــــلاة وصــــراعاً ودمــوعاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق