الثلاثاء، 16 فبراير 2016

26- مساكين ــ كتاب انطلاق الـروح


26- مساكين ــ كتاب انطلاق الروح

{ هل تحسب أني سأحاسب وحدي علي خطاياي؟ كلا ،
بل أنكم ستقتسمون الحساب معي .


فلو اعتنت بي الكنيسة ما كنت  أصل إلي هذه الحالة !!}

قال لي وهو ينفث دخان سيجارته في وجهي :
{ لعلك تعجب من حالتي الآن }
فنظرت إلي شعره الطويل المصفف اللامع و عينيــــه الغــــــــائرتين ،
             وأسنانه الصفراء ، وأصابعه المرتعشة في عصبية ظاهرة ،
             وشعرت نحوه بكثير من الإشفاق..


أنه واحد من الذين فداهم المسيح بدمه .
وقبل أن أجيبه بشئ استطرد في مرارة :
{ أننــــي لـم أكــــن هكــذا كمــا تعلــم.. كنت قـــوي الروح ، رضي الخلق ، مواظبــــاً علي الكنيســـــة ،
                                      ثم أخذت أقتر شيئاً فشيئاً حتي انقطعت عن حضـور الاجتماعات ،
فلم تفتقدني الكنيسة أو تسع لإرجاعي ، وزاد غيــــابي وزاد معـــه فتـــوري ، وضـعفت إرادتــي ،
                                                 وظللت أهوي من قمتي العالية قليلا دون أن يفتقدني أحد ..
                                                 إلي أن افتقدني الشيطان


وعندما أتي وجد قلبي مزيناً مفروشـاً ووجد أرادتي منحلة ،
              ولم يجد حـولي إنجيــــلاً ولا صــــــــــــــــــلاة ،
             ولا واحـــد مـن المرشــــــدين الروحــــــــــيين .
وهكــــــذا ضعت فريســــة سهلة ، وســــرت في الظـــلام..
           الظلام المحبوب الذي أحبه الناس أكثر من النور}.


وهز رأسه في هدوء وقال :
{أنني أشتري الآن أربع علب من التبغ كل يوم }.


وشهقت في دهشة وألم استمر
{ وأذهب إلي دور الخالية ما لا يقل عن ثلاث مرات في الأسبوع ،
  واقـــرأ القصـــص العــــابثة وأتســــــلى بالأغــــاني الماجنـــة .
 وأصطحب جماعة كأنهم من زبانية الجحيم ..


في بدء سقوطي كنت أقاوم الخطيئة ولا استطيع لضعف أرادتي..
أمـــــــــــا الآن فـــــــأني لا أقـــــــاوم علي الإطــــــــــــــــلاق }


ثم ضحك في استهتار وقل :
                                { بل أخشي أن أقول أن الخطية هي التي تقاومني ،
                                  ولكنها لا تســـــتطيع لضــــــعف أرادتــــــــــها }!


وكنـــــت خــــــلال ذلك حـــــــزيناً جـــــــــداً ،
أما هو فنظر إلي نظرة قاسية وقال في حدة :
{ هل تحسب أنني سأحاسب وحدي علي خطاياي . كلا .
بل أنكـــم ستقتســــــمون الحســــــــاب معـــــــــي .
فلو اعتنت بي الكنيسة ما وصلت إلي هذه الحالة }.


ليس المهم يا صديقي القارئ أن أكمل لك قصة هذا الشـــــاب ،
                                   فإنها واحدة من شبيهات كثيرات .
علي أنـــني أقـــــول لــــــــك أنني رجعت إلي مــنزلي في تــــــلك الليلـــة ،
                                  وأنا في غاية الألم من اجله ومن أجل نفسي .


أخذت أسائل نفسي في صراحة :
كم شخص مثل هذا تدهورت حالته نتيجة لعدم افتقادي وعــدم اهتمـــامي؟
وأخذت استعرض أسماء الذين لم أفتقدهم منذ مدة، وأنتابني خوف وهلع،
وشعرت نحوهم بكثير من القلق، ثم تساءلت :
العل وجودي خادماً هم معطل لخدمة الله . ورنت في أذني عبارة الشاب
{ أنكم ستقتسمون الحساب معي }


{ لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي 
عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعاً }.


ولما استمرت حالة الاضــطراب مــدة معي ، طلبت إعفائي من الخدمة ،
وإذ رفض طلبي ارتميت أمام الله وبكيت بكاءاً مرا عرفت أنني مسكين ..


مســـــكين عندما رضيت أن أكون خادماً ولم أقل عبارة أرميا
            { آه يا سيد الرب أني لا اعرف أن أتكلم لأني ولد }
ومسكين عندما كنت أحسب الدرس :
         مجرد محاضرة القيها في هدوء وأنصرف في هدوء.


يا أخوتي القراء صلوا من أجلي جميعاً .
ومن أجل كل مدرسي مدراس الأحد فأنهم مساكين مثلي ومحتاجون .


وإذ أشكو وأتألم من مسئولية فصل صغير،
ماذا أقول يا أخوتي عن آبـــائي الكهنـــة ؟


أليسوا هم بالأكثر مســـــاكين جـــــداً ماذا يفعل الكـــــاهن
             وهو مسئول عن خمسة أو عشرة آلاف نسمة ؟
ماذا يجيب عندما يناديـــــــه الله { أعطني حساب وكالتك }.


في كنيسة الآباء الأول كان يعاون الكاهن جماعة من الشمامسة ،
                            يعملون معه ويساعدونه في الخدمة ويأكلون مثله من مال الكنيسة.


أما الآن فأن أبانا الكاهن يعمل بمفرده ،
                               فصلوا من أجله كثيراً حتي يعينه الله علي أتمام واجبه،
وأنت يا أبي الكاهن مـــا الــــذي دفعـــــك إلي الكهنــــــــوت ؟
                         هل نظرت إلي امتيازه أم إلي مسئوليته ؟
الا تعرف يا أبي أنك مسئول عن كل رعيتك :
                    الكبار والصغار، الرجال والنساء، الشبان والشابات .
                    ولست مسئولا عمن يحضرون الكنيســــة فحســـب ،
بل أيضـــــــــــاً عمن في دور العبث والفساد ، عن كل شاب ما جن في الطريق،
                  وكــــل ســــــكير في حانــــة ، وكل نــــــزاع في اســــــــــــرة .


أن لم تعرف يا أبي أنك مســـكين جداً فخير لك أن تعرف هذا من الآن .
                        فأدخل إلي مخدعك وأبك بكاءاً مراً. سلم الأمر لله .
قل له انك ضعيف، وأن حملك ثقيل، اجتهد واسهر ،
                         لئلا يأتي بغته فيجـــدك نائمــاً.


إن كان أبونا الكاهن هكذا فماذا نقول يا أخوتي عن آبائنــا الأســـاقفة ،
الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوالي مائتي ألف نسمة أو أكثر.
كهنة وعلمانيين؟!


ألا تروا معي يا أخوتي أنهم مساكين جداً .
فصلوا من أجلهم بلجاجـــــة حتي يساعدهم الله علي أداء أعمالهم.


وأنت يا أبي الأسقف :
                        ما الذي دفعك إلي الأســـقفية او المنصـــب أم المســئولية ؟
                       هل اشتهيت فيها المركز والسلطة ولقب { صاحب النيــافة }
                       وعضوية المجمع المقدس، أم أنك تشتهي تخليص النفوس!


ثم ماذا فعلت يا سيدي الأسقف بخصوص مسئوليتك ؟
قارن حالة الأيبارشية منذ توليتها حتي الآن ..
هـــــل تقــــدمت أو زالــــــت كمــــا هــــــــي ؟


يحسن بك يا أبي الأسقف أن تدخل إلي قلايتك وتبكي بكاءاً مراً.


تذكر أن الرهبان القديسين كانوا يهربون من هذا المنصب
                                 لأن مســـــئوليته مُخيفــــــــــة .


فإذا ما أمسك واحد منهم بالعنف ورسم أسقفاً رغماً عنه ،
كـــــان يبكــــي ويصـــــرخ أمـــام اله واحــــد قائـــــلاً :
{ أنت تعرف يا رب أنني ذهبت إلي الدير لأخلص نفــسي ،
وهاأنذا قد أرجعت إلي العـــالم ولم أخـــلص نفسي بعـــد ،
ومطلــــوب مني العمـــل علي تخليــص الآخــرين أيضـاً .
وأنا يا رب لا استطيع ، فاعمل أنت } وكان الله يعمــــل .


ثم ماذا عن آبائنا البطاركة
الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوال ثلاثة ملايين نسمة في مصر،
وعدد أكثر من هذا في الحبشة والســـودان والخمــــس مدن الغربيــــة ،
التي نسمع عنها في القداسات...


ماذا نقول عن هؤلاء ومسئولياتهم الخطيرة ؟ أليسوا هو أيضاً مساكين ؟..
صلوا يا أخوتي  :
من اجل كل بطريرك
حتي يتمكن من القيام بواجبه وحتي يعطي جواب حينما يسأله الله عن نفسه
             ونفوس الأساقفة والقسوس والشمامسة والرهبـــان والعلمانيين
            وعندما يسأله عن حفظ قوانين الكنيسة وعن نشر الأرثوذكسية في العالم.....


وأنت يا من سترشحون للبطريركية في يوم ما ،
أن عرضــــت عليكـــــم فاهـــــربوا لحيــــاتكم ،
وأن دعــــاكم الله فانظــــروا إلي مســئولياتها ،
وأدخلوا إلي قلاليكم وابكوا أمام الله بكاءاً مراً.


يا أخوتي القراء:
                   لا تنظروا إلي خدام الله من يتحملون المسئوليات نظرة المتفرج ،
                    تمدحونهم أن أحسنوا وتحاسبونهم أن أساءوا .
                    وإنما صــلوا من أجــــلهم حتي ينجـــح العمــل .


وأنت يا سيدي الخادم أهتم بالمسئولية وليس بالمنصب  .
ومتي شعرت بالعبء ألق علي الرب همك وهو يعـــولك .


أغلق الباب وحاجج      في دجي الليل يسوعاًً
أملا الليل صــــــلاة      وصــــراعاً ودمــوعاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق