الثلاثاء، 16 فبراير 2016

25- انطلق من سلطان ذاتك ــ كتاب انطلاق الـروح


25- انطلق من سلطان ذاتك  ــ كتاب انطلاق الروح

أنطلق يا أخي من استعباد ذاتك لك
لأنك أن وصلت إلي اتفاق مع نفسك ، وتحررت من الداخل ،
فلن تستطيع كل الظـــروف المحيطـــة أن تــــؤثر عليــــك ،
إذ تكون قد وصلت إلي إنطلاق الروح .


هل تحسب يا أخي الحبيب أن العــالم له ســلطان عليـــك ؟
وهل تظن أن العثرات والمغريات هي السبب في سقوطك ؟
كـــــــلا . تخـــطئ كثـــــيراً ان ظننت شــــــيئاً من هـــــذا .
فقـــــد يكـــــون للعاـــــلم او مغريــــــاته بعض التدخـــــل ، 
ولكن السبب الأساسي الحقيقي لسقوطك هو ذاتك من الداخل .


لو لك تكن قابــلاً للخطيــة ، مرحبـــاً بهـــا ، أو محبـــاً لها ، 
لو لم تكن هكذا ما سقط .


لقد كان يسوف الصديق يعيش في جو مشبع بالخطيــة ،
وقد أحاطت الخطية بيوسف في عنف ولكنه لم يســقط ،
لأن كل الإغراءات لم تستطيع أن تدخل إلي قلبه النـقي .
فانتصر علي الخارج كله، لأنه كان منتصراً في الداخل .
لا تقــــل أني ســـقط لأن العــــالم ملئ بالمغـــــــريات ،
ولكن الأصح أن تقول : 
انك سقط لأن في قلبك حنيناً إلي تلك المغريات وقبولاً لها .


أثنان يمران في الطريق علي حانة ،
فلا يستطيع أحدهما أن يقاوم منظر زجاجات الخمر المعروضة ،
فيدخل ويشرب ويسكر
وأما الآخر
فيمر علي الحانه دون أن شعر بوجودها أو بوجود الخمــر فيها .
لا يراها معثرة، ولا تترك في نفسه أثراً، ولا تعزيه لسبب واحد :
وهو أن قلبه خـــال من الحنين إلي الخمــر، خـــال من محبتهــــا . 
قلبه من الداخل لا تقوي عليه المؤثرات الخارجية .


انتصارك إذن في حياتك الروحية يتوقف علي عامل حيوي ،
وهو نتيجة المعركـــة الداخليــــة بينــــك وبين نفســــــك .
أن اســـتطعت أن تصــــلب ذاتــــك في داخـــــــلك ،
ستخرج إلي العالم الخارجي بتلك العين البســيطة ،
التي تري الخير في كل شئ، والجمال في كل شئ ، 
وكما يقول الرسول :
{ كل شئ طاهر للطاهرين } { تيطس 15:1 }.


بعض الناس يتحاشون الأوساط الخارجية المعثرة ، وهذا حسن وواجب ،
لأن الله منعنــــا عن مجـــــالس المســــــتهزئين وطـــــــريق الخطــــــاة .
ولكن الخطأ هو :
أن هؤلاء البعض يكتفون بتحاشي الأوساط الخارجية، تاركين الحيوان
الرابض في أحاشهم كما هو في شهوته للعالم والأشياء التي في العالم.

أمثال هــــؤلاء قد يصــــادفهم النجــــاح بعــــض الوقت ،
ولكن ما أسرع ما يسقطون عندما تضغط عليهم التجربة ،
وتفحم الإغراءات ذاتها في حياتهم ..

هــــؤلاء يحبـــون الخطيــــة وأن كانــــوا لا يفعلونهـــــــا ،
والشخص الذي يحب الخطية قد يسقط فيها – ولو بعد حين –
مهمــــا تحاشـــــــاها امثــــال هـــــؤلاء يبتعــدون عن الشر ،
ولكنهم يعتقــــدون في نفس الوقت أن :
عملهم هذا تضحية منهم في سبيل الله .

أنهم – كالخطاة تماماً – ما زالوا يعتقدون أن الشر لذيذ ، والخطيـــة حلـوة مشـتهاة ،
وما زالوا ينتظرون إلي الشجرة فيجدونها جيدة للأكل ، وبهجة للعيون وشهية للنظر ،
ولكنهـــن يفترقــــون في أمـــر واحــــد وهو أنهــــم لا يمــــدون أيديهـــم ليقطفـــوا .
أنهــــم لـــــم ينتصــــروا في الداخــــــل ، ولـــــم يســـــكن الله في قلـــــــــــــــــوبهم ،
لذلك فهناك في العالم ما يغريهم وما يعثرهم ،
ففيه الخطية المحبوبة التي تشتاقون إليها ،
ولكنهم يهربون منها خوف الســـقوط فيها .


أستطيع أن أقول أن هؤلاء :
– من ناحية الفعل – يطيعون وصايا الله ، 
وأن كانوا لا يحبونهــــا ولا يحبــــــــونه .
مثل هذا النوع إذا استمر في جهـــاده قد يخلص كمــا بنــار ،
وقد لا يستطيع أن يستمر في الجهاد فيسقط ويكون عظيماً ، 
لأن بيته ليس مؤسساً علي الصخر .


أما الوضع الصحيح الذي يكون فيه الروح منطلقاً ، 
فهـــو عدم الاســتعباد للخطيـــة وعـــــدم محبتهــا ،
حيث يكون الإنسان حراً من تأثير الشر عليه . 

{ فالمغريات
في نظر غيره، ليست هكذا بالنسبة إليه لأنها لا تغريه ،
بل علي العكس هو لا يتفق معها بطبيعتــه المقدســـة ،
لـــــــذلك فهــــــــــو لا يتجــــــاوب معهــــــــــا ، 
بــل ينفـــــر منهــــا دون جهــــاد ودون تعـــب ،
إذ قــــــد تــــــرك هـــــذا الجهــــــاد الســـــلبي ، 
أصبح جهاده سعياً في سبيل التعمق في الروح ،
وفي معرفة الله.


ولكن الإنسان – كما قلنا –
لا يمكن أن يصل إلي هذه الحالة ما لم يتنق من الداخل ،
وينتصر في حربه مع نفسه التي تشتهي ضد الــــروح ،
علي الإنسان ان يصــل مع نفســه إلي اقتنــاع أكيــــد ،
بمرارة الخطية وبشاعتها، وبحلاوة الله ومتعة الحياة معه.


وفي هذه الحرب الداخلية { يقمع الإنسان جسده ويستعبده } {1 كو27:9 }.
                              بل ويصلب في ذاته وشهواته .


 لا يقيدها ويتركهـــــا تصــــــرخ فتحنن قلبه بصـــراخها ورعــــودها.
وإنما ينظر إليها بمنظار الله فيجدها حقيرة لا تستحق شيئاً فينفر منهــا..
وهكذا يقول مع الرسول
{ مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح الذي يحيا في
{ غل20:2 }
ألست تري أن هذا بعضا ًمما يقوله السيد المسيح :
{من أراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها
{ مر35:8 }.


ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بدون معونة خاصة من اله
لذلك فالجهاد مع النفس لابد أن يصحبه جهاد مع الله .
جاهد يا أخي معه في ضراعة مرددا قول إسرائيل البار 
{لا أتركك حتي تباركني} {تك26:32 }.


قل له أيضاً: 
{ تنضح علي بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج } {مز50}
وثق أنك إذا خرجت من هذه الحرب منتصراً
فمن المحال أن تقوي عليك كل قوي الشر ولو اجتمعت .


ولكنك تري يا أخي الحبيب :
أن كل هذا يحتاج إلي الخلوة
ومن هنا كانت الخـــلوة عنـــصراً أســــاسياً في حيـــــــاة أولاد الله .
استطاعوا بها أن يجلسوا إلي نفوسهم ، وأن يجلسوا إلي خالقهم ،
وأن يخرجوا من هذا وذلك
                            بأسلحة متجددة تعينهم في حياتهم الروحية ،
                            وتدفعهـــــــم باســــــتمرار إلي العمـــــــــق .


انظر إلي حياتك جيــــداً وتأملهــــا في صراحة ،
فربما كان أسباب سقوطها افتقادها إلي الخلوة .
إن الشــــخص الذي لم يختــبر هـــذه الخـــلوة ،
هو شخص لا يعــــرف نفســــه علي حقيقتهــا .
وهو شخص في اغلب الأحوال يجرفه التيار فلا يعلم إلي أين يذهب .
أنه غالبـــــاً يفكــــر بعقليــــة الجمـــــاعة ويســــير علي هـــــداها ،
فينحدر ويظل في انحداره حتي يخلو إلي نفسه فيحــــس أنه ساقط .


أمـــــا أنــــت فلا تكن هذا الشخص .
               حدد لنفسك أوقاتاً مقدسة تراجع فيها ســيرتك،
وتتذكر فيها المبادئ السامية التي اقتنعت بها منـــذ زمـــــان،
ولتســترجع أمـامك حياة المنتصـــرين من أولاد الله ،
وتغــــــــذي نفسك بكلام الله وأقوال الآباء وسيرهم ،
وتســـــكب نفســــك أمــــامه في حـرارة وعمـــق .
تأخــــذ منه خبزك اليومي الذي لا غني لنفسك عنه.


الله معك يقـويك ، ويهبك القداسة التي من عنـــده ،
ويغفر لنا خطايانا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق