الميمر الخامس عشر ( 5 )
مسببات الخطية :
إن مسببات الشهوات عذبة حلوة ( للجسد ) ،
والدليل على ذلك أن الإنســـــــــــــــان يتمكـــــــن مـــــــن قطع الشهوات والكف عنهـا ،
وفى إبطالها يفرح ويبتهج ، ولكـــــن أسبابها فلا يقدر على تركها ،
ولذلك نجــــــــــــرب كارهين بغـــــــير إرادتنــــــــا ما دمنا راغبين فى بقاء أسبابها فينا .
إننا لا نؤثر الذنوب ، أما أسبابها التي تجلبها فنقبلها بلذة .
رغم أن الثانيــــــــة هي سبب فعل الأولى .
المحــــب لأسباب الشهوات مســـــتعبد لها قســـــراً بغـــير إرادته ،
ومستعبد للآلام ( ذاتها ) كـــــــــــــرها ،
والمبغض لما يجلب الآثام والخطــــايا فســـــيكف عنهــــــــــــــــــا ،
والمعترف بها سيحظى بالعفو والغفـران .
تــــرك الخطـــية :
لا يمــكن للإنسان ترك الخطايا التي تعودها ما لــــــــم يبغضهــا ويعاديهـــــــا ،
ولا ينال صفحاً ما لم يعترف بالخطـــــــايا ، لأن العـداء سبب الاتضاع الحقيقى ،
وأمــــا الإقرار فســــــــبب الخشـــــــــــوع الذى يتولد فى القلب من الخـــزى .
إن لم نبغض ونمقت الأمور التي تستوجب الذم ،
فلسنا قادرين على الاحســاس بنتن فعلهــــــــا ،
ولا بسيطرتها علينا مادمنا نحملها فى نفوســنا .
لســت تعرف الخزى والخجل الحال بك ،
إن لم تتخلـــــــــص من الدنـــــــــــس .
إذا ما شاهدت نقائصك فى آخرين ،
حينئذ تعرف الخـــــزى الحــال بك .
ابتعد عن الشر فتعــــرف نتانتــــــــــه ،
لأنـــــك لو لم تهجره لا تدرك أنه هكذا .
بــــــــــل أنــــــــك تقتــــــــــــــــنى نتنــــــــــه ،
ويكـــون عندك كأنه عرف زكى تشــــــغف به ،
وعرى فضيحتك ( تعتبره ) كأنه رداء مجـــد .
الطوباوى هو المبتعــــــد عـــن الشــــهوات والمتأمل والنـــــاظر نفســـــــــه ،
لأن النظر والإفراز لا يوجدان فيمـــن يعيش فيها ( أي في الشهوات )
المغبــوط هو المبتعــــــــــد عــــــــــن ثقــــــــل السكر ( بالخطية ) ،
وهو الذى يرى جهل الآخرين وزللهم بالسكر ( بالخطية )
فيفطن ويعرف الخزى الذى يلحق بنفسه .
مادام الإنسان مدمناً على السكر من الخطية ،
فكـــــــــــــــل ما يفعله جميـــــل عنــــــــــده ،
لأن الطبيعة قد خرجــــــت عن حــــــدودها ،
ســـــــواء سكرت بالخمـــــــر ،
أو بالشــــــــــهوات ،
أو بالرغبـــــــــــات ،
لأنها كلهـــــــا تبعــــده عن الصـــــــــــواب ،
وتحـــــرك على الجسد المستســلم لها لهيباً فى مزاجه .
وإن كانت الخمــــــــر شــــــــــيئاً والشهوات شيئاً آخر ،
إلا أن تأثيرهما على المزاج واحد والانحراف واحــــــد ،
وإن كــــــانت الأسباب مختلفــــــــــــة ،
إلا أنها تتعمق فينا بقدر قبول كل واحد .
الجهاد طريق الراحة :
كـــل راحـة يتبعهـــــــــــــــا شــــــــقاء ،
وكل مشقة من أجل الله تليها راحـــــــة .
كل ما فى هذا العالم متغــــير هو ،
والمتغــــــير يقبـــــــل عكسـه إما الآن ،
أو فى المستقبل ،
أو فى وقت الخروج ( من العالم بالموت ) ،
ولاســـــــــيما لـــــذة الدنــــــــــــــــــــــس
فهى تتغير بالجهاد المضاد لها ،
الذى يعطى طهارة وتقديســــاً .
سياســـة الله فى هــــذا الشأن جـــــــودا منه ومحبة للبــــــــــــــشر ،
وهى أن يذاق العقاب إما فى خلال الطريق ، وإما فى آخـــــــــــــره ،
وذلك للتــــأديب والجــــــــــزاء ( العقاب ) . وهذا من وافر رحمتـه ،
ويكون كالعربون لأن فائدة الخير لا تتوقف حتى فى الساعة الأخيرة ،
لأنه كتب إن الـــــــذى يــــــــؤدب ههنــــــا يفتدى من الجحيــــــــــم .
( 1 بط 1:4 ) .
الحــــذر :
احــذر يا أخى من الحرية ( أى التحرر من الوصايا ) ،
فهى تسبق العبوديــــــــــــــــــــــــــــــة .
احترس أيضاً من الراحة إذ يليهـــــا القتال مباشــرة .
واحـــذر أيضاً من المعرفة الســــابقة ،
التي كانت لك قبل مجابهة التجارب .
وبالأكثر ما كنت تحب قبل كمـــــــال التوبـــــــة ،
وذلك لأننا كلنا خطاة فلا أحد أعلى من التجارب ،
ولا فضيــــــلة واحدة تســــــــــبق التـــــــــوبة ،
وتذكـــــر أن كــــل لذة تعقبها كراهـــية ومرارة .
عن حكمة ربان هذا العالم اقضــت أن كل شيء فيه يتغير ويتحول ،
والقــــول بغير هـذا وهـــــــم ،
لـــذلك احــــــذر من الفرح الذي يظهر أنه لا يتغـير ،
فراحة الأعضاء يتبعها طياشة الأفكار واختلاطهـــا .
والإفراط فى العمل يتبعـــــه ضجر ،
ويتبع الضجر أيضاً طياشة وحيرة .
وقـــــــد تنفصل الطياشة عن الحـــــيرة ،
والأولى يتلوها قتـــــال الزنــــــــــــــــا ،
أما الثانية أى الحيرة فيتبعها ترك المكان الهادئ ،
والتنقـــــل من موضع إلى موضـــــــع .
أمـــــــا العمل المعتدل الدائم فلا يقدر بثمــــــن .
والإقـــــــــــــــــــلال منه يزيد الشهوة ،
والإفــــــــــــــــــــراط فيه يجلب الحيرة .
إزدراء الشـــهوات :
أيها الأخ – اصبر على جهــل طبيعتـك إذا قهرتك ،
لأنــك تهيأت لتكون فى تلك الحكمــــة ،
التــي لا يــــــــزول تاج رئاســــــــتها .
لا تجـــــبن مـــــــن اضطــــــــــــــــــراب الجســــــــد ،
فإنـــــه يستعد ليكون فى ذلك النعيـــــــــــم ،
الـــــذى تفوق معرفته عقول الجســدانيين ،
عندمــــا تأتى الصــــــــــــــورة ،( الجوهر )
السمائية التي هى مـــــــــــــلك الســـــــلام .
لا تقلق من الصراع الحادث من تغير واضطراب الطبيعة
( أى تكــــــرار ميلهــــــــا إلى الشـــــــهوات )
لأن الجهاد هنا هو لزمان قصـــــير لمن يتقبــــله بلـــذة ،
لأنها ( أى الطبيعة ) تضـــارع الكلاب ،
التي ألفت أماكـــن القصـــــــــــــابين ،
وهى تهــــــــــرب بانتهــــار الفــــــم ،
أما إذا تهاونـــت وتعامـــلت معهـــــا ،
فإنك تجـــــــــــدها كالأسود الضارية .
ازدري
بقـــــذارة لذة الشهوة اليسيرة لئلا ( يتطور الأمر )
فتفكــــر فى شـــــــــــــــــدة إلتهـــــــــــــــــــــابها ،
لأن الصــــبر القليـــل على الأمـــور الصغيرة ،
يزيـــــــــــل ضرر الأمور الكبيرة لأنها تمنـع وقـــــــوع أخطــار عظيمة ،
إذ تعجز عن التسيد على الشرور العظيمة ، إن لم تغلب الصغيرة التافهة .
تذكر أيها الأخ منزلتك :
وذاك الشكل الذى أنت عتيد أن تصير فيه ( أى الحيــــاة الجديدة )
وهـــى لا تقوم على الغـــــــــــــــذاء لأن الجسد يضمحل فى الموت ،
وليست فيهـــــــــــا الانفعـــــــــــــــالات النفســــــــــــــــــــــــــــــية ،
والــذي يسعى ليحقق لذاته الروحية يضنى ويشقى طبيعته الترابية .
احتمل تعب الجهــــــاد الذى أقـــــــدمت عليه لتزداد معرفة وخـــــــــبرة ،
وتأخذ منه إكليلا ًمكافأة لك ، وبعد قليل تنزح من هذا العالم وتســــتريح ،
وتذكر تلك الراحة التي لا نهاية لها ، وتلك الحياة التي لا يشوبها خداع ،
وتلك القامة الكاملة والنظام الكامل ، وذلك التدبير الذى لا يتغــــــــــــير ،
وذلك السبى علامة على محبـــة الله التي تسود على الطبيعة البشـرية ،
و يمكنا أن نغلب الأفكار الرديئــــــة التي تحـــــــــــل بالجســـــــــــــــد ،
و أن نقهر السلاح القوى المشهر تجـــــــــاهنا ،
ولا الحصـــــــــول على سكون الأفكــــــــــــــار ،
مع الشـــــــــــــبع من الخبز والماء والنـــــوم ،
والدنـــــــــــــــــــو من الأمور المثيرة للحواس .
فالخليق بنا المـــــوت عن هذه الحياة ،
ولا العيش بالخـــــــــــزى ،
إذا كـــــان ذلك لازماً لإبطال الميول الشريرة ،
مـــــــــن الأعضــــاء الجســـــــــــــــــــــدية ،
ولا يمكننا الاهتمــــام بالأمــــــور الجســـدية ،
ونقـــــــوى بعـــد ذلك على الكــــــــــــــــــف ،
عــــــــــــن الشهوات وتقـــــــــويم أنفســــنا .
بدون الصلاة الحزينـــة ، والتضـــــــــــرع ، وانحناء الركب الدائم ،
لا يمكــــــــــــــــن أن تأتينـــا الرحمـــــــة ،
إذ كيف يمكن إقتنائهـــــا مع الاهتمام بتلك ، أى الأمور الحســــــية .
فبــــدون الاهتمام بالأشياء الصغيرة ،
لا يمكنا أن نفلت من الأمور الكبــيرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق