الاثنين، 17 يوليو 2017

الميمر السابع عشر ( كامل ) ــ ميامر مار اسحق ـ الجزء الثالث

الميمر السابع عشر


حيث أننـــــــا تحدثنا عن الإحساس بالـــروح ، وعن خلجاته ،
فينبغى علينـا أن نوضــــــــــــــــــــــــــــــــــــح  هنا ماهيتــه .

إنه قوة متوارية خفية  تزهر فى القلب  أساساً من  المحبــة .
وهو محرك النفس من غير أسباب ، أو مدركات ينفعــل بهـا ،
                                             أو أفكار فى الذهـــــــن ،
                                             أو رؤيــــــة ماديـــــــة ،
لأجل هذا يظن أن الإحساس بالروح هــو بغــــــير مســببات ،
وذلك بســـــــــبب ثقــــــــل العقــــل عند غـــــــير الكــاملين .


وأما الكاملون فالسبب يظـهر لهــم واضحاً قويـــــــاً جـــــــــــــــــــداً ،
لأن حلاوة تسرى فى القلب وجزء منهـــــا ينطــــلق فى الجســــــــم ،
                                   وجزء آخـــــر يرســــل إلى قوى النفس ،
لأن القـــلب وســـــــــيط بين الحـــواس الروحيـــة ،
                                و الحــــواس الجســدية ،
وهو للأولـــــى كالآلــة  وأما  للثانيــــة فطبيعيـــــاً .


وهو يتأثر بما  يــــرد له مــن الناحيتـــــــــــــــــين ،
وهو يحرك كذلك فيهمـا تذوق إحســـــــــــاســــاته ،
ولهذا فإنـــه يغصــــــب عـلى الابتعاد عن العــــالم ،
                             و التخلـــــف عن أمـــوره .


تأثير محبة الله :
إن محبة الله  حارة بالطبع ،
ومتى أحاطت بإنسان  إحاطة تامة أذهلت نفسه بإحساسه بها ،
ولهــــــــــذا لا يقــــــدر القـــــــلب أن يســــعها أو يتحملهــــا ،
وحســــبما يأتي إليـــه مــــن المحبة بمقدار ما يشعر بتغــيير ،
لم يكــــــــن يحـــــــــــــــــــــــــس بــــــــــه قبــــــــــــــــــــلاً .


وهذه هـــي العلامات  المحسوسة لهــذا التغيير :
أن يكـــــون وجهه نارياً بهجاً ، وجســـده حاراً ،
ويزول منه الوجل والحياء ويصير كالمذهــول ،
وتهرب منه قوة رزانة العقل فيصير كالطـائش ،
ويعتقـد أن حياته بالقياس لمحبته هى لا شـيء ،
ولهــــــــذا فإن المـــوت المــــرهوب من الكـــل
            - يكون بالنسبة له موضــــع مسرة –
ولا يتوقف نظر عقله عن تأمل الســـــماويات ،
ويتفاوض فى ذاته مع غائب كأنه حاضـــــــر ،
والتأمــــل يتوقــــــــف بطــــريقة خفيــــــــــة ،
ويـــــزول علمه ونظره الطبيعيين ، وما يحس بأفعــــاله ،
ويكـــون مثل مــــن هــو مشـــدود النظـــر إلى واحــــــد ،
ويتحدث فكره دائماً كمن يتحدث مع آخـــر وهو مذهــول .


بهذه الأمور سكر الرسل والشهداء .


فالرســــــــــــــل طافوا كل العالم ولحقهم التعب والشقاء ،
وكذلك الشــهداء نالهــــــــــــــــــم الاســـــــــــــــــتهزاء .
والقديســـــــون تاهـوا فى القفـار على غـــــــير هــــدى ،
كأنهم جهــــلاء مع أنهم حكمــاء وذوى  ترتيب ســـديد ،  
                 وبإفراز حقـــــروا ذواتهم عــن النـــــاس .


هــــــــــؤلاء كانوا غير متألمين من جهة حاجة الجسـد ،
               إذ هـــــــــدا وســــكن وأصـبح لا يغـــصب .


ونحـــــــن : نسأل الله أن يبادر ويؤهلنا بمراحمه الوافرة لهذا النصـــــــــيب ،
ذاك الذي أخـــــــــــذ  جسده من طبيعتنـــا ، وبواســطته جاد علينا بهـذا كله ،
           وهــــــــــو المجــــرب بكل شـــــيء مثلنـــــــا مـــا خـــلا الخطيــــة ،
بســبب إتحـــــــاده اتحاداً طبيعياً بالجسد الطبيعى  إلى الأبد من غير اختلاط ،
         ابن  وحيد أقنوم واحد ، الجالس عن اليمين ،
        الــــــــــذي لـــــه  بــــين يديــــه نســــــــجد ،  
       ونمجــــــده الآن وفى الحيـــــاة الآتيــــــــــة ،
                      التي ليــــــس لهــــــــا انقضــاء ،
                     وإلى أبـــــد الآبــــــــدين آمــــين .


الاتضــــاع :
إذ ما رأيت ذاتك مستريحاً من حروب الشـــــهوات ،
قبـــل أن تدخـــــــــــــل مدينة الاتضـــــــــــــــــــاع ،
فــــلا تطمئن إلى العدو ، لأنه  قد نصب لك كمينـــاً ،
بــــل توقـــــــع اضطـــراباً كبيراً بعد هذه الراحــة .


وإذا  اجتزت عــــلى كل منـــــازل الفضـــــــــائل ، فــــــلن تصادف راحة من تعبك ،
ولا إنعتاقــــاً مــــن حيل  أعـــــــــــــــــــــــــدائك  إلى أن تصل إلى مرتبة الاتضاع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق