الميمر الثلاثون
الخليق بنا أيها الأحباء أن نتأمــــــــــل فى أنفســـــــــــــنا وقــــت الصـــلاة ،
إن كان لنا تأمل فى أقوال المزامير والهذيذ والصلاة ،
وهذا يكـــــــون من الســــــــــــكون الحقيقـــــــــــى .
وجدير بنا ألا نقلق حين تكون النفس فى ظلام ، ولاسيما إذا لم يكن السبب منا ،
واعـلم أن حــــدوث ذلك هو بحكمــــة من الله ، وهو وحـــــــده الذى يعلمهـــــا .
وهنا تختنق نفوســــنا ، وتصـــــير كأنها في أمواج ،
ويكـــون الإنســـــــــان فى ظــــلام محاطاً بظــــــلام ،
إذ يذهـــــــــب نـــــوع ، ويــــــأتى آخـــــــــــــــــــر ،
سواء قـــرأ فى كتـــاب أو خـــدم أو باشــــر عمـــلاً ،
وغالبا ًفإنه لا يتمكـــن من الدنو من السير فى سبيله
( أى ممارسته المعتــــــــادة ) .
ومن هذا حـــــــــــاله ، لا يؤمن البتـــــــــــــــة أنه يتخــلص مما هو فيه ،
وأن يكـــــــــــــــــــــون له سـلامه ( الأول ) ، وتلك الساعة مملوءة من كل يأس وخـــــــوف ،
ولا يوجد فيها الثقة بالله ولا عزاء الإيمـــــان ، وهــــــــــــى مملوءة من كل شك وقلق وجـزع .
الذيــــن امتحنـــــوا باضطـــــــــــــــراب تــــلك الســـــــــــــــــــــاعة ،
يعرفون بالتجربة التغيير الحاصـــــــــــل عنـــد نهـــــــــــــــــــــــايتها ،
فاللـــه لا يترك النفس هكذا يوماً كامــلا ً، وإلا فقدت رجاء المسيحيين ،
ولكن إن طال ضـــغط هذه الظلمة فتوقــع فـــي أثنائهـــا تغيير الحيــاة .
وأنا أشير عليـــــــك أيهـــــــا الراهـــــــب إن لم تكن لك طاقة لإمساك ذاتك ،
أن تسجد على وجهــــــك فى صـــــلاتك ، وتلف رأسك بملحفتــــــــــــــــك ،
وتنام إلى أن تزول عنك ساعة الظلمة هذه ،
ولكن من مســــــــــــــــكنك لا تخــــــــرج .
هذا درب من التجارب يمتحن به الذين أحبوا التدبر بتدبير العقل بدقة ،
والمشتاقون إلى عزاء الإيمان فى مســــيرتهم .
إن تلك الساعة تجلب عليهم وجعاً وتعبــــاً أكــثر من أى وقت بسبب قلق الفكر ،
ويتبع هذا تجديف عنيف ،وتـــــارة يأتي للإنسان فكر الشك فى القيامة ،
وأشياء أخر لا يليق بنا التفوه بها . لقـــد جربنا بهذه كلها مرات عدة ،
والذى دفعنا إلى تدوين هذا الجهــاد هـــو رغبتنا فى تعــزية الكثيرين.
أما الذين يتدبرون بالأعمال الجسدانية فقط فهـــم بعيدون عن هذا كلية .
وهؤلاء يجربون بالضجر المعروف لكـــل أحـــــــــــــــــــــــــد ،
وهو متميز عن تلك ( أى ظلمــــة النفس السابق الحديث عنها )،
وصحة هذا الإنسان وعلاجــــــــه مـــــن الضجــــر وما يشـــبهه ،
إنما يكون بالســكون والهـــدوء ، وفــــي هذا يكــــون عــــــزاؤه .
ولن يقبـــل نـــــــــــور العــــــــزاء البتـــــــة ،
ولا يشــــــفى مرضه بالأحــــــــــــــــــــاديث ، ومخاطبة الناس ،
بـــل عندما يهدأ حينا ثم بعد ذلك يعود إليه أكثر وأقـــــوى مما كان ،
وإنه يحتــــاج ضـــرورة إلى إنســــان مستنير ،
وله خبرة وتجربة بهذه الأمــــور ليستضئ به وقت الحاجة فحسب .
طوبى للصابر على هذه الأمور داخل الباب ( داخل القلاية ) ،
فإنه يبلغ ثباتاً هائلاً ، وقوة عظيمة بعد هذا كما قال الآباء .
وعلى كل حال فهذا القتال لا يمضى بسرعة ، فلا يزول خلال ساعة ،
وهكذا النعمة لا تأتى كامـــلة دفعــة واحــدة ، وتســــكن فى النفـس ،
بل قليــــلاً قليلاً مــــــــن هــــــــــــذه ، ومـــن تــــــــــــــــــــــلك ،
أى يكــــــــون وقــــــــت للتجــــــــربة ووقـت للعــــــــــــــــــزاء ،
ولا تزال هذه الحال ملازمة للإنسان إلى وقت الخروج ( الموت ) .
وسبيلنا ألا نتوقع الخــــلاص نهائيـــــاً من هذا القتــــال ههنــــا ،
ولا تعـــــزية كاملة أيضاً ، فالله رأى أنــه هكذا نتدبر فى حياتنا ،
ويكون السالكون فى هذا الطريق مباشرين لهذه الأمـــــــــــــور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق