لقد جربت زمــــاناً طـــويلاً من اليمـــين واليســـار ،
و أخـذت الخبرة فى هذين الدربين بتغييرات شـتى ،
و تلقيت من الشيطان ضــربات عديـــدة لا تحصى ،
و أهـلت لمعـــونات عظيمـــــــة خفيـــــــــــــــــــة .
و مـــن التجربــة والخــبرة عدة سنين ،
اقتنيت في ذاتي فهم هذه الأمور وهــي :
إن أساس كل الخـــيرات وانتشال النفـــس من أسر الأعـــداء ،
والطريق المؤدية إلى النور والحياة ،
تنحصر فى أمرين :
أن يلزم الإنسان موضعاً واحداً ، غير متقلقل لا يتحول عنه ( أى لا يخرج منه أبــــداً ) .
وأن يصوم دائمـــــــــــــــــــــــــاً ، أعـــــــــني أن يكــــــــــــــــــون إمساك البطـــــــــــن ،
مقننــــــــــــــــــاً بحكمة وعفـــــــــــة .
ويعمل دائمــــــــاً مــــــــع الهذيذ بالله ،
وبهذا يكون قمع الحواس وخضوعها .
ومن هذا المكان ( أى السلوك ) ينتج تيقظ العقل .
ومن هنا :
تهدأ الشــهوات الحيوانية المتحـركة في الجســــــــــــم ،
كما تكون وداعـة الأفكـــار وتنشـــأ خلجات الفكر النيرة ،
والاجتهاد فى عمـــل الفضيـــــلة ،
والأفكــــار العاليـــــتـة الســـامية ،
والدمــوع المتواصلة فى كل وقت ،
والعفــــة النقية التي تبعد عن العقل الخيالات ،
والتـــأمل الحـــــــــاد في الموجودات البعيدة ( فيمــــــــــــــــــــا في الســــــــموات ) ،
وتمـــييز عميـــــق يغـــــــــــوص ويدرك قوة الأسرار الكامنــة في الكتـب الإلهيــة ،
والحركات الخفيـــــة الــــــتي في داخــل النفــس ،
وتمييز الأرواح وأنواعهــــــــا ، والتمييز بين المناظر الحقيقية والخيالات البـاطلة .
ومن هنا تنجم :
المخافة ( التي تليق ) بهذا السبيل ،( وتتفتح ) الطـــرق فـــــي بحــــــــر الفكــــــــر ،
التي تزيــل التوانــــــــــــــــــــي والعــــــــــــــــــــــــــــــــــــلل ،
و( ينشأ ) لهيب الغيرة الذى يطــــأ كل هول وخطـــــر ، ويتقـــوى على كل أمر مخيف ،
و( تتولد ) حرارة ( روحية ) ترذل كل الشـــــــــهوات ، وتزيلهـا من الفكـــــــــــــــــر ،
وتجـــــــــــــــــــــــعله ينــــــــسى كل ذكـــــــــر يخص الأمـــــور الزائلة وغـــيرهـــا .
وأنى أوجز فأقول :
إنه من هذه الحال الســـــــابق ذكــــــره تكـــــــون الحــــرية الحقيقيـــــــــــة للإنســــــــان ،
وفـــــرح النفس مع المسيح فى ملكـوته ،
ومن يتهاون بهذين الأمرين المذكــــــــورين :
فليعلم أنه لم يخســــــــر ذاتـــــه فحسب ، وحرمها من كل ما تقــــــدم ذكــــــــــره ،
بـــــل زعزع أساس كل الفضائل باحتقاره وازدرائه لهـــــاتين الفضيــــــــــــــلتين .
وكما أن هذين الأمرين هما مبدأ ورأس لكل عمـــــــل إلهى في النفـــــــــــــــــــــــــــــــــس ،
وباب وطريق إلى المسيح إذا تمسك بهما المرء ولازمهما ،
هكـــذا إذا انفصـل وتباعد عنهمــا لقى العكـــــــــــــــــس ، أعني ترك الحــــــــــرية للجســــــد ،
وهو الطريق الممقـوت الذي يعني طياشة الجســــــد ونهم البطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــن ،
فهذان الأمــــــــــــــــــران ، هما أســــاس لكل ضـــد لمــا تقـــــــــــــــدم ذكــــــــــــــــره ،
وهما يفسحان للشــهوات مكاناً فـــــــــــــــــي النفـــــــــــــس .
المبدأ الأول : الالتزام بموضع واحد
إن ( عدم التمسك ) بهذا المبدأ ،
يحـــــــــــــــل أولاً لجم الحواس ويطلقها من عقــــالها ،
بعد أن كانــــــت خاضــــــــعة منضبطة .
فإن سألت وقلت : وماذا يحدث نتيجة لــــــــــــــــــــــــــذلك ؟
أجبت : من ههنـــــا تأتي أمور شنيعة لا تخـــــطر على البال ،
إذ تقترب فرص الــــــــــــزلل والســـــــــــــــــــقوط ،
والاصـــــــطدام بلقــــاءات دنســـــة ،
ويحدث اضطـــــراب قــــــوى للأمـــواج وتلتهب العيون بحدة بالنظــرات الشهوانية ،
التي تســــــتولى على الجســــــــــــــــــــــــد ،
وتكـــثر فى القلب زلات الفكر بسهولة ، وأفكــــــــــــــــار لا يمكن ضبطهـــــــــــــــا ،
تســـــــــــــــرع به نحو الســــــــــــــقوط ،
وفتــور الاشــــــــــتياق إلى أعمــال اللـــــــــــــــه والاســــــــتهانة قليـلاً بمبـــــادئ الســــــــــكون ،
وعــــن تنفيـــــذ القانون كما يجــــــــــــــــــــــــــب وتجديد ( الميل إلى ) الخطايا القديمة التي نسـيت ،
ومعرفة شرور أخـــرى كان يجهلها بسبب المناظر واللقاءات التي تعـرض له دائمـــاً بغــير إرادتــه ،
وذلك كله بسبب انتقاله من موضع إلى موضــــــع ومن مكـــــــــــــــــــان إلى مكــــــــــــــــــــــــان .
الشهوات التي ماتت من النفــــــــــــس ،
ونسيت وزال ذكرها من الفكر بفضــــــل من اللــــه ،
فإنها تبتدئ بالتحرك والنهوض ،
وتضطر النفــــــس إلي اقـــــــــترافها .
ولخوفي من الإسهاب أمسك عن إيراد كل ما تبـــــقى .
أقـــــول إن هذه الأمور تنفتح عليـــه من العلة الأولى ،
أعــــنى من ترك الحــــرية للجســــد أعني الطياشـــــة ،
( أى كــــــــثرة الخـــــــــــروج من مكان نسكه) ،
وتــرك ملازمـــــــــــة تعـــــــــــب الهـــــــــــــــــــدوء .
المبدأ الثانى : الصوم
فأمـــــا مــاذا يحدث من العلة الأخرى ( أى عدم الصوم ) فهذا فعــل الخنـازير ،
والدليل على أن هـــــــــذا الأمــــــــــــــــــــــــــــــر هو فعـــل الخنـــازير ما أنا ذاكره .
يا ليت شـــــــــــــعرى ،ماذا تفعـل الخنــازير
إلا السلوك بالبــطن سلوكاً مفرطـاً ،
ومـــلأها باستمرار دون وقت محدد لقــــوت الجســـــد على خلاف النطقين ( أى البشر ) .
ونعـــــود إلى ما كنا فيه ، فنقول إنه يحدث مـــن العلة الثانية ( أى عدم الصوم ) :
ثقـــــــــل الـــــرأس والجســـــــد دائمــــــاً مـــع اســـــــــترخاء المنكبــــــــــــين ،
لـــــــذلك يضطر الإنسان إلى التخلـــــــف عـــن خدمة الله ، ويتكاســـــــــل عن الســــــجود ،
ويتراخى ويتهــــاون فيما اعتــــــــــــــاده مـــن الجثو على الركب ، مع ظلمـــة وبــــــرودة ،
وتكــــدر فى الفكر ، وقساوة فى العقــل ، وعدم إفراز بسبب انزعـــاج الأفكـــار وظلمتهـــــا ،
وقتـــام كثيف خانق يخيم على النفــس ، وضجر فى كـــــل عمــــــــــــل لأجــــــــل اللـــــــه ،
ويتعطل عن القـــراءة الواجبـــــــــــة ، وذلــك لأنه لا يــــذوق حـــــلاوة معـــــانى الكــــلام .
وبطالة كثيرة من غير ضــــــــــــرورة ، وعقـل غير منضبط مشتت بالطياشة فى كل الأرض .
وتجتمع أخلاط كثيرة فى الأعضاء ،
وتحدث في الليــــــــــل خيـــــالات ،
وصــور دنسة قبيحة مملوءة من الشهوة النجسة التي تتممها النفس ،
ويعرض له ذلك أيضــــاً في النهـــــــــار إذ يتدنــــــس الفكــــــــــــــر ،
حــــتى أنه بســـبب هذه الأمـــــــــــور ينكـــــــــــــــر العفـــــــــــــة ،
وتخـــطر له أفكار هادمة تصور الجمال قدامــــه فيهبط العقـــل معهـا ،
ويوافـق عليهــــا باشــــتياق وهذيذ بسبب عمــــى قــــوة إفــــــرازه ،
وهــــذا ما ذكره النبي قائلاً :
هــــــذا جزاء أخت سدوم التي تنعمت وأكلت خبزاً أكل امتلاء ، ( حز 49:16) .
وقد ذكر هذا أحد الحكماء الأجلاء إذ يقول :
من غذى جسده ونعمه ، ليلقينه بنفسه فـــي حـــــرب عظيمـة .
وإن هــــو رجع إلى ذاته ، وطلب إمساك نفسه بالغصـب والقهر
فلن يقــدر لأجــــل فرط لهيب أهـــواء جســمه ،
من جراء الشهوة التي أسرت النفس بقــــوة .
أأدركت يا أخــي سمو من يقسو ( على جسده ) ؟!
هو أيضاً يقول : إن تنعم الجسد بالرفـــــــاهية ،
ويســــــبب حدوث الآلام بقوة ، ويحيط المــوت بالنفـــس وتقـــــــع تحــت حكــــــم الله .
أما النفس التي تهذ دائماَ بذكـر الأمور الواجبة فهــــــى تســـــــتريح بحريتهــــــــــــــا ،
وتقــــــــل اهتماماتهـــا ولا تنــــدم على شيء ، وتراعى متطلبات الفضيلة أشد مراعاة ،
لأن الاهتمــام بالفضيلة يقهـــر الشهوات ،
وتتزايد النفـــس فيهــا وتنمو بغير شك ،
ويكون لها نشوة وسرور لا يشوبه هم ،
وتحظى بحيــــاة صـــالحة وميناء آمن .
أما المتع الجسدية فهي لا تقوى الآلام فحسب ، بـــــــل توطدها وتعصب النفس بها ،
وتكون كأنها تنزع ( النفس ) من جــــــذورها ، وبذلك تشـعل ( شــــهوة ) البطـــــن ،
وتـــــــؤدى بها إلى فســــــــاد صحتها ونظــــامهــا ،
وتصــــــــــــــــل بالإنســـــان إلى حد الجهــــــــــــــل ،
وتضــــطره إلى تناول احتياجات الجسم في غير وقته .
والإنســـــــــان المقــــــاتل بهذه الأشــــــــياء ،
إذ لا يؤثــــر الصبر على قليل من الجـــــــوع ،
يعجـز عن التحكم في نفســـــــه ،
التي أسرتها وسبتها منه قهراُ الأهـــــــــواء ،
والمعـــــــــــارف الذميمــــــــــة .
هذه هي ثمار الخزى الناجمة من نهم الجوف .
وما ذكر قبلها هى ثمـــــــــار عدم الصـــــــبر ،
في موضع واحد والسلوك بالسكون .
إن العدو المـــــــــلازم لنـــــا كل حـــــــــــين ،
يعرف الوقت الذي فيه يتكدر الطبع بالأكثر ،
ويتحرك فيه الهـــــوى ، ويتخبـــــط العقل بهـــــذين الأمرين أعنى بهما :
نظـــــــــــر العــــــين ، وراحــــــــــــــــــــــــــــــــة البــــــــــــــــــــــطن .
يحرص ( العدو ) أيضاً على زيادة ( ضغط ) هذه الطبيعة ( بما يقدم من إغراءات ) ،
ويــزرع فينــــا أفكــــاراً وأشـــكالاً كثيرة الأنواع تجلعنا نميل إلى هذين الأمــــرين ،
حـــــتى – إن أمكن – تستولى الشهوات علي الطبيعة من الافراط
( فى الاستســـــــــلام لهـــــــذين الأمــــــرين ) ،
وتــغرق الإنســــــــــــــــــــــــان فـــــي الســـــــــــــقوط .
أيها الأخوة : كمــــــــا أن الـــــعدو يعـــــــــــــرف الأوقــــــــــــــات ،
فالخليق بنا أن نعرف نحن أيضاً ضعفنا وقوة الطبيعة ،
وأنها ليست كفء ( لمواجهة ) الهجمات والحركات في تلك الأوقات ،
بســـــــــبب خبث الأفكار التي هي كالذبـــــاب والهبـــاء أمام العيون .
إننا بقدرتنا لا نتمكن من كشف ميولنا ونواجه هذه الأمــــور ونلقيهـــا عنـا ،
وذلـــــــــك بسبب كـــثرة التجــــارب التي يختبرنا بهــــا العـــدو مرات كثـيرة ،
لـــــــــــذا ينبغى أن نكون حكمـــاء ولا نتراخى بانحلال فنصنع إرادة راحتنــا ،
وأن ننهــــــزم للجـــوع ، بـل إن كابدنــــا كثيراً وتضايقنـــــا منـــه ،
فــــــــالأولى بنا جــــــداً ألا نتزعــــــزع من مكــــان سـكوننا ،
ونــــــنزل إلى حــــــيث توجهنا هذه المضــــادات بســهولة ،
ولا نخترع لنا أسـباباً وحججــــاً لكي نخـــــرج من البريـــــة ،
لأن تـــــلك ( أى خارج البرية ) هي مكامن المحتال الظـاهرة .
فإنك يا هــــذا إن صـبرت فى برية الســـــــكون فلن تجـرب ،
لأنك لا ترى فيها نساء ، ولا شـــــــــــيئاً يؤذي ســــــــيرتك ،
ولا تســــــمع أصواتاً غـــير لائقـــة .
مالك وطريق مصر لكى تشرب من ماء جيحون ( أر 18:2 ) .
افهم ما أقوله لك : اظهر للعدو صبرك في الأشياء الصغيرة ، فـــلن يطالبـــــــك بالكبــــــــــــار .
ولتكــــــــــن لك هذه الصغار حداً لتقهر الشيطان بواسطتها فلا يتفرغ لينصب لك فخاخاً كباراً ،
لأن من لا يطيــع العـــــدو ، ولا يخرج من مكان سكونه وهدوئه حتى ولا خمــــس خطــــــوات ،
كيــــــــــــــــــف يستجيب ( للعدو ) فيخرج ، أو يدنو من قرية ؟
ومن لا يسمح ( لنفسه ) أن يتطلع من طاقة قلايته .
كيف ينصــــاع ( للعدو ) بأن يخــــرج منها ؟
ومن بالكاد يجـــــــيز ( لنفسه ) تناول الطعام القليل وقت العشاء ،
لأنه يريد أن يطوي يومــــــــين ،
كيف ينخــــــدع من أفكـــــاره بأن يـــــأكل قبـــــل الوقت ؟
ومن يستحى أن يمتلئ ( بطنه ) من الأشياء الرخيصة البسطة ،
كيف ينصب على الأمور الفاخرة ؟
ومن لا يســـــمح ( لنفسه ) بالنظـــــر إلـــــــــى جســــــــــده ،
فكيف يهتــــم ليتفـــــــرس فى جمــــــــــــال غــــــــــــريب ؟
إذا ، لقد تبين أن الإنسان إذا تهــاون فــي الأشياء الصغيرة وقهر منها ،
فإنه يتيح للعدو السبيل إلــى محــــــــــــاربته بالكبــــــــار .
ومن لا يلتــــــــف إلى الحياة المؤقتــــــة ، ولا يعتنى بالبقــــــــاء فيهــــــــا ،
كيف يفـــزع من الضوائق والأحـزان التي تقود إلى الموت النـــــــــافع ؟
هذا هو الجهاد الحكيم ، أي أن الحكماء لا يسمحون أن يوقعهم العــــــدو فى مجـــــاهدات جســـيمة ،
بـــــــل صبرهم الظــاهر في الأمـــــور الصــــــغيرة هو الحافظ إياهم من الوقوع فى الأتعاب الكبيرة ،
لأن المحتال يجتهد أولا لإبطال صلاة القلب الدائمة ،
وبعد هذا يقنــــع الإنســـان بالتهـــاون بالقـــانون الذي يمارســـه الجســــد ،
وبعد هذا يتراخى أولا فى الصغار والنذر القليل ، فيتناول الطعام قبل الموعــد ،
وبعد ( هذا ) الهبوط من ( درجات ) النسك ينزلق في الشره والجهل والتهور .
ها هو قــــــــــــد هــــــزم أولاً ثم بعد ذلك يرى أنه ليس عيباً النــظر إلى عـــري جســــــده ،
وإلى جمال أعضائه لسبب ما ، وهكــــــذا تتهاون إرادته ، وحينئذ ترد إليه أمور أخر وأخر .
وذلك لأنـــــه إذا ما نقــــــــض أولاً احتراسه وتهاون بشيء من هذه الصغار ،
حينئذ تتفتــــح عليـــه مداخــــل إلى أمـــــــــور جســــــــــيمة صـــــــــــــــعبة .
أنا أتكلم على سبيل المثال فأقول :
إن الأفكار كالماء ، فبمقدار ما يحاصر به من كل جهة ،
يكـــــون جــــــــريانه بنظـــــــــــام ،
أمــــا إذا انحرف قليلاً فإنه يفتح السد ، ويخلخل الجسر المحكـــــــــــم ،
ويجعــــل الموضع خرباً موحـــــــــلاً ، وعلى هذا النحو تكون الأفكار .
لأن العدو – خــــــزاه الله – يقفل تجــــــاه عيوننا ويرقب ،
أي مدخل ينفتــح له فـــي حواسـنا ليدخل منــــه ،
فــــــــإن أهملنا على نحو ما فــي شيء مما تقدم ذكــره ،
حينئذ يطلق علينا هـــذا الغاش الماكر أفكــاره ،
وقد تود الطبيعة الراحة أحياناً ،
لأن طبعنا يحب الراحــــة والدالة والضحك والمحـــــادثة ،
ومتعة المشاهدة والانشـــــــــراح والتكاســــــل ،
هنــــــــــا يكــــــــــــون ينبــــــــوع الآلام ، وبحر التخبط .
فى بعض الأوقـات يـثير المعـاند هـــــــــــــــــــــــــــذه الأمـــــــــــــــــــــــــــــــور ،
فينبغى علينــــــــا أن نستعوض الأتعـــاب العظيمــــــة والجهـــــــادات الخطـــــرة ،
بأتعاب بسيطة قليلة التي يظــــن أنهـــا لا شيء ،
لأنه إذا ما تهاونا بهذه الأمور ، فهــــــــــذا يعـــــــــد سقطة عظيمة هذا مقدارهــا ،
وما تجلبـــــــــه من أتعـــــــــــاب يكـــــــــــــــــــــون عــســـــــــــــر التقــــــــــويم ،
إذ مضايقتهــــــــا متواصـــــــــلة مـــــــــــــــــــــــــع جراحــــــــــات شــــــــــنيعة .
فمن ذا الذي لا يقتنى حرصاً بواسطة الأتعاب اليسيرة
فهــــي المدخــــــل إلى الراحة العذبـــة ؟
أيتها الحكمة :
كــــم أنت عجيبــــــــــة ، وكيف تنظرين كــــــل شــــــــــــــيء من بعــــــــــــد ؟
طـــــــــــوبى لمن يجـــــــدك لأنـــــه عتـــــــــــــــق من نوم الضـلالة ،
لأن الذى يطـــــــــــلب آلام عظيمــــــة ويعالج جسمه بيســير من التلـــــــــطف .
ويســــــــــير من التدبــــير ، فإنـــه قد أحســـــــــن في فعله وأجمــل .
يروى أن أحد الحكماء هفا هفوة صغيرة ثــــــم أحس بنفسـه ،
فتنبــــــــه للأمر ســــــــريعاً وأصلح ذاتــــــــــــــه ،
فرمقـــــه أحد الناس وضحك عليــــه ،
فأجابه :
أنا لم أخف من هذا الموقف ، إنما خـــــــوفي مـــــن التهـــــــاون ،
لأن الإهمال اليســــــير – غالياً – ما يصير مسبباً لبلايا عظيمة .
أما بعدولي عن هـــــذا المســـــــلك ومبادرتى إلى تقويم ذاتى وإزالـــة ذلك ،
فقد برهنت على أنـــــي متيقــــــــظ وغير متهاون إزاء ما يستحق الخوف ،
وهذه هـــي أقصى حدود الحكمـــة ،
لأنـــــــــــه حرض ذاته على اليقظة وإيثـــــار ( الطريق ) الســــــــــــديد .
هذه هى الحكمة ،
أعني أن يتيقظ الإنسان فى الصــغار ،
لأنه بذلك يكنز لنفسه راحة عظيمــة ،
ولا يتكاسل لئــلا يحدث لـــه العكـس .
اقطع علل الســـقوط قبـــــــل تفاقمهـــا بأمـــــور بســــــيطة قليلـــــــــة ،
أى أن تحتمل الحزن القليــــل ، وبواسطته تفلت من ( الحزن ) الكـــــثير .
إن الجهال يفضلون الراحــــة القريبة الدنيئة على الملكـــوت الجليـــــآل ،
غـــــــــــير عالمين أن الصبر على العقــــــــــوبات في الجهـــــــــــــــــاد ،
أفضــــــــل مـــــــن الراحـــة على فراش الملك الأرضى تحت مذلة الفشل ،
لأن الموت أثير للحكماء ،
وذلك خوفاً من أن يذمــوا بأنهم فعلــــــوا ما فعلوه بدون انتبـاه ويقظة ،
ولذلك يقول الحكيـــــــــــم : كــن يقظــــــاً فى حيــــــــــــــــــــــــــــاتك ،
لأن نوم الفكـر هو صورة المـــوت الحقيقى .
أما الإلهى باسيليوس فيقول :
" من يتكاسل فى الصغار لا تثق أنه يثبت على الكبار " .
لا يثقــــل عليك الموت من أجل الأمــــــور التي تحيـا بواسطتها ،
ولا تضجـــــــــــــــــــر من ذلك ، ودليـل الضجـر صغر النفـــــس ، وأم هـذين هـو التهاون .
الإنسان الجبــــــان يدل على أنه مرض مرضين ،
قـــــــلة الإيمــــــــان وحـــــــــب الجســــــــــــــد ،
لأن محبة الجســـد هى دليل على عدم الإيمـــــن .
أما إذا تهاون بهذه الأشــياء ( أى محبـة الأمــور الجســـــــــــــــــــــــدية ) ،
فقـــد حقق أنه يؤمن بالله من كل نفســه وأنــــه ينتظر حياة الدهــــر الآتى .
لـــــو وجدت إنســـــــاناً دنـــــــا من الله بــدون أهوال وجهادات وتجارب
( وهــــــــذا لا يحــــــدث أبـــــداً ) فتشـبه به يا هــــــــــــــــــــــــذا !
جسارة القلب والاستهانة بالأهوال تتولدان من أحد هذين الأمرين :
إمـــا من قســــــــــــــــــــــــاوة القـــــــــــــلب ، وإما من قـــــوة الإيمان باللـــــه العظيــــــــــــم .
لكـــــــن قساوة القلب يتبعهـــا الكبريـــــــــاء ، أمـــــــا الإيمــــــــــــــان ( فيتبعه ) اتضاع القلب .
لا يمكن لإنسان إقتناء رجـــــاء فى الله دون أن يكـــون قــد تمـــــم أولاً إرادته سبحانه ،
ولــو جزئيـــــــــــــاً ،
لأن الرجـــاء فى الله وشجاعة القـلب إنما يكونـان مــن يقظة الضمير ،
و بيقظـــــــــة أفكارنا الصـادقة نقتني الثقــــــــــة بالله جــل اســـــــــــــــــــــــــــــــمه .
وشهادة الفكر تكون فى الإنسان عندما لا يلومه ضميره إنه تكاسل ،
أو تهــــاون فيمـــــــــا يجــــب عليـــه ، وما تصـل إليه مقـــدرته ،
وإن كــــان قلبنــــا لا يلومنــــــا فلنـــــا إذا دالــــــة عنــــــــد اللــه ،
والـــــــدالة تكون من التدابـــير الحسنة والفضائل والنيـــة الجيدة .
التعبد للجسد جفـــــــــــــــــــــــــــاء و قســـــــــــــــــــــــــــــــــاوة ،
ومـــــــــــن أحســـــــن الرجـــــــاء فــى الله – ولـــــــو قليـــــــــــلاً –
فهـــــــــــــو لا يقبـــل أن يتعبـــــــد لهذا المـولى القاسى أعني الجسد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق