الاثنين، 17 يوليو 2017

الميمر الرابع عشر ( كامل ) ــ ميامر مار اسحق ـ الجزء الثالث

الميمر الرابع عشر



    
لا تظن  أيها الإنسان أنه يوجد شيء في كل أعمال الرهبان أفضل من سهر الليل .



حقاً يا أخى :
إن لم يتشتت الناسك ويضطرب بالأمـــــــور الجســـدية ،
                       ولا بالأمور التي تحدث خلال النهار ،
بـــل يحفــــظ ذاتــه ويحرسها بالانقطــــاع عن العــــــــــــــــــــــــــــالم ،
فـإن فكـــره يطـيرن من البهجــــــــــــــــــــة في زمان يســــــــــــــــــير ،
ويصـــــــــعد إلى الله ويتفرس بســــــــهولة في ذلك المجـــــــــــــــــــد ،
وبسبب خفته يسبح في تلك المعرفــــــــــة التي تفوق التصور البشرى .


لا تظن أن الراهب الملازم السهر بإفراز ذو جسم ،

       لأن هـــــذه الحالة هي حقاً لرتبــة الملائكة .


الذين يتبعون هذه الســيرة لا يخــــلون من مواهب عظيمة ينالونها من اللــــــــــــــــــــــــــه ،
وذلك بسبب يقظتهم واستنارة قلوبهم ، وملازمة أفكـــــــــارهم له ، وصرف اهتمامهم نحوه .


النفس العاكفـــــة على هــــــذه السيرة أى السهر وتعبه ســـــيكون .
لـهــا أعين الشاروبيم تنظر بها دائماً ، وبسهولة المناظر السمائية .


الذي اختار لنفسه هذا التعب الإلهى  العظيم بمعـــــــرفة وإفـــــــــــــــــــــــــــــراز ،
المعتنى بحمـــــــل هذا الثقــل ، ويجـــــــــــــــــــــــــاهد من أجل هذا الجزاء الحسن ،
والنصيب الصالح الذى أراده ، ويحفظ ذاته فى النهـــار من اضـــــــطراب الأحاديث ،  
والاهتمام بالأعمال الباطلة ، فإنه لا يمكــن أن يخـــــلو من الثمر العجيب المشــكور ،
والنعيم العظيم المأثور الذى يتوقع أن يقطفه ، وينتظـر أن يدركـــــــــــــــــــــــــــــه .


أمــــــا المتهــــــاون بما ذكــــــــرت فإنى أتجاســــــــــــــــــــــــر وأقـــــــــــــــــــــــــــــول :
                        أنه يجهل العلة  التي لأجلهـــــــــا يتعــــــــب ويمتنـــــــــــــــــــــــــــــع ،
                       عن النــــــــــــــــوم لقراءة الأسـطر الكثيرة ، ويتعب لســـــــــــــــــــانه ،
                       فى التـــــــــــــلاوة كل الليــــــــــــــــــــــــــــل وفى الوقوف علي قدميه ،
                      ولكن عقله مشتت غير منتبه لمعنى المزامــير والصـــــــــــــــــــــــــــلاة .


فإنــــــــــــــــــــه يعمل بحكم العـــــــادة فقط بغــــــــــــير إفـــــراز ،
                    ولولا تهاونه لما حرم من قطف الأثمار الفاضلة من زرع أعماله الكــثيرة ،


والدليل على ذلك أنــه لو كان قـــــــد عكف  على النظــــــــــــــر  في الكتب الإلهيـــــــــــة ،
                     الذي يقوى الذهن ويشجع على الصلاة ويساعد على الســـــــــــــــــــهر .


إذ هو قرين ونور للفكـــــر ، ومرشـــــــــــــــــد الطـــــــــريق ، وزارع مادة الثاؤريا بالصــــــلاة ،
وكابح الفكر من الطياشة  حتى لا يسبح فى الأمور الباطـــــلة ،والزارع ذكر الله الدائم فى النفس ،


هـــــــــــذه هى سبل القديسين الذين أرضــــــــــــــــــــــــــوه ، وهو المنير للعقل  ويعطيه حكمة .
              إن ثمـــــــــــــــــرة هذه الأعمــــــــال يانعــــــة .


لمـــــــاذا أيها الإنسان تدبر أمورك بلا إفـــــــراز ؟ إذ أنك تقف الليل كله فى الصلاة ،
وتجهــــد ذاتك فى التمجيد والطلبات لتؤهل لنعمة الله بسبب تعبــــــــــك هذا
مع ظنك أن الاحتراس نهاراً أمر قليل ( الأهميــة ) ،
وتجاهد فى أشياء أخرى ، فلأى سبب تتعب نفسك ،
وتزرع فى الليل ،
       وفى النهار تضيع أتعابك فتوجد بلا ثمر ؟


لم تبــــــدد تـــلك اليقظـــــــــــــــــــة والحـــرارة التي اقـــــــــــــــــتنيت ،
وتضيع ربحك بالحديث مع الناس ، وتناول الأمور المثيرة للتشــــويش ؟
إنك لو كنت قد أضـفت إلى هذيذ الليل  ، فلاحة النهار مع  حرارة القلب ،
ولم تفصل بينهما لكنت قد عانقت صدر يســـــــــوع  في أقصر وقــــت .


إلا أنـــه تبين  من هـــذا أنك تدبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرت ،
وسرت بلا إفـــــــــراز ولم تعلم لأية علة ينبغى للرهبان  أن يســــهروا .


أتظـــن  أن هذه الأمور موضــوعة لأجل التعب فقط ،
         ولا يتولد منها شيء آخر ؟


أمـــــا الذي أهلته النعمة ليفهــــــم من أجــــــــــــــل
        أي رجاء يجاهد المجاهدون والقديســــــــــون
              فيعـــــــاندون النــوم ، ويكرهون الطبيعة ، ويغصبونهـــا ،
ليكونـــــوا مسـتيقظين بأجسـادهم وبأفكارهم لتقديم الصلاة الليل كله .


يعرف أيضاً القوة الناجمـــة من التحفـــــــــظ  نهاراً ،
وأي معونة تعطي للعقــــــل في هــــــــــــدوء الليل ،
وأي ســــــــــــــــــــــلطان على الأفكـــــــــــــــــــار ،
وأي طهـــارة تمنحـــــــــــه مع ضبـــــــط الذهـــــــن وجميل التصـــــور ،
إذ بغير  تغصــــب ولا جهـد لا يشخص الفكر بحرية في عظم معنى الكلام .


وأنــا أقول إن الجســـــــــم وإن تهاون عن العــــمل لأجل ضعفـــــه ولم يقــدر على الصــــــــــوم ،
فالعقل يتمكن بالسهر  وحده مــن الانجـــــــــــــــذاب إلـى  الأمــــور الإلهيــــــة في الصــــــــــلاة ،
      ويعطى القــلب إدراك القوة الروحانيـــــــــة إذا لــم يدخل عليه اضطــراب من الانحـــــــــلال ،
                                 فــي الأعمال النهــــارية التي من شـــأنها إتــــلافه  وإلحاق الضرر به .


لـــــــــذلك أتضارع إليــك يا من تؤثر يقظة العقـــــل ومعرفة الحياة الجديدة ،
وأقول لك : لا تتــــــــــوانى في الســـــــــــــــــــــهر كــــــــل حيـــــــــــــاتك ،
                                 لأن بواســــــــــــــــطته تنفتــــح عيناك فتنظران
                                 كل مجد التدبــــــــــــير وقـــــوة طــــريق الـــبر .


وإن عرض  لك أيضـــاً – ولو أن ذلك لن يكون – فكــــــــــر تراخـــــــــــــــي ،
      وسكن فيك كتجــربة لك من الــــــــــــــــــذي هـو معتاد أن يثبتك ( الله ) ،
     ويحكمــــك في مثل هذه الأحــــــــــــــــــوال التي تكون إما : فتــــــــور ،
                                أو عـــــــــــوارض أو بأســــباب ضعف الجســــد .


وإما أنك لا تقـــــــــــدر على الاســــــــتمرار في جهـــــادك المعتــــــــــــاد ،
من توافــــــــــــــــــــــر على تلاوة المزامير والصـــلاة وكـــثرة الســجود ،
                             وهي الأمــــــــــــور التي كنت تقوم بإتمامهـــــــــا ،


فأنا بمحبة أتضرع إليك لـــو أنت جـــــربت  بمثل هــــذه الأمــــــــــــــــور ،
    فاســـــــــــــــــهر ، ولا ترقــــــــــــــــد ولـــو ظللت جالساً بسهر قلبى ،
 فليعـــــــــبر الليــــــل بأي حيـــــــــــــــلة وأنت تفكر أفكاراً صــــــــالحة ،
                                                         وبالهذيـــــذ المعتـــــــــــاد ،
ولا يتثقل قلبــك ويظلم بالنـــــــــــــــوم ، فستأتيك الحـــــــــــرارة الأولى .
وأيضاً الخفــة والقوة بواسطة النعمة ،
وإذا تفرح بها وتجــــزل ، أشـكر الله .


الفتـــــــــور والثقــــــــــــل يأتيـــــان على الإنسان لاختبـــــاره ولاكتساب الفهـــــــــــــم .
فــــــــــــــإن هـــو أنهض ذاته بحــرارة ونفضهمـــــــــا عنـــه ، وغصـب نفســــه قليـلاً .


حينئذ تدنـــو منه النعمة كما كانـــــت ،  وتأتى إليـــــــــــــــــــــه قـــــــوة أخــــــــــــــــرى
مخبأ  فيهـــا كل خـــــــــــــــــــــــــير ،  وأنواع معونات كثيرة ، فيتعجب الإنســـــــــــــان ،
ويـــــــذهل من الثقـــــــــــــــل الأول ،  والخفـــــة الوافـــــــــدة والقـــوة المتجددة الواردة ،
وكيف حدث له مثل هـذا التغيير بغتة .


وعندئذ يصير حكيماً ، حتى أنه إذا ألم به هذا الثقل مرة أخرى
                           فإنه يكون قد عرفه من تجربته الأولى .


فلو أنه لــــــم يكـــن قـــد جـــــــــــــــــــــــاهد فيهـــــــــــــا ،
        لمــــا أمكنه إقتناء هـــــــــــــــــــــــذه المعــــــــرفة .


      أرأيت يا أخى  مقـدار الحكمــة التي يصل إليها المــــــــرء ،
                        إذا ما أيقظ ذاته قليلاً وصبر في أوان القتال .


فقط إذا ضعف الجسد فـــلا يحســــــب قتـــــال ، بل مرض وضعف وهــــذه ضــــــرورة ،
وفى مثــــــــــــــــــل هذه الحــــــــــــــــــــــــالة لا يليق محاربة الطبيعة لعـــدم جــــدواه ،
أما فيمــــــا عـــــــدا ذلك  فجيد للإنســــــــــان أن يجهد نفسه ويغصبها في كل ما ينتفع .


الســكوت الدائـــــــم مـــع قــــــــراءة الكـــــتب والطعام بقــــــــدر مع الســــــــــــــهر ،
يحــــــــــــــــــــرك فـــي العقل بسهولة التعجب بالأمور الإلهية ،
                      إلا إذا حدثت أسباب تبطــــل  دوام الســـكون .



المعــــــــــــــاني التـــي تتولـــــد من الجهــــــاد فـــي السكون بغتـــة مــن غــير توجيــــه وإرادة ،
تجعـــــــــــــــــل العينين تفيضـــــــــــان بالدموع مثل جرن المعمودية ومن غزارتها تغرق الخدين .

إذاً روض جســــدك بالنســــــك ، ومواصــــلة الصـوم  فى السكون والتحفظ ،
ثم أحسست فيه بحدة ألم الزنا ، وقد تحرك بقوة زائدة عن الحركة الطبيعية ،
فاعــــلم أنك قــــد امتحنـــــــت    بأفكـــــــــــــار العظمـــــــــة ( الكبرياء ) ،
فامــــزج رمـــــــــــــاداً بغذائك ، والصــــــــــــق بطنــــــــــــــــك  بالأرض ،
وافحص مــــــاذا تصـــــــــورت ( بـــأن ظنــنت فى ذاتـــــك القداســــــــة )،
وفتــــش عن سبب تبدل حالك ، وعمــا فعلتــــــه مخالفاً لطبيعــة جهـــادك ،
فلعــــــل الله  يرحمــــــــــــــك ، ويرســــــــل لك نوراً  تعرف به الإتضـــاع ،
لئــــــلا تزداد رذيلتــــــــــــــك .

فينبغى لنا  إذاً أيها الخــــــلان ألا نكـــــــــــــــف عن الجهــاد ،
            والحـــــــــــــرص حتى تستريح التوبة فى قلوبنـــا ،
            ونجد الاتضــــاع ، ويستريح قلبنــــــا بالله رجائنــا .

                                                     الذي له المجد إلى الأبد آمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق