الاثنين، 17 يوليو 2017

الميمر الثالث عشر ( كامل ) ــ ميامر مار اسحق ـ الجزء الثالث

الميمر الثالث عشر


الإنسان ذو الاهتمامات الكـــثيرة لا يمكن أن يكــــــون وديعاً هادئاً ،
         لأن المطالب الضرورية التـــــي يشقى فيهـــا وينصـــــب ،
              تضطره للســـــــعى لأجلها مكرهاً مجبراً ،
              فتبـــــــــــــــــــــدد عنــــه الســـــــــكون والهــــــدوء .



لــــــــــذا ينبـــــــغي عــــلى الراهـب أن يقـف أمام وجـــــه الله ، ويكون شــــخوصه إليه ،
إذا كــان يؤثر حقاً الاحتفاظ بعقله نقيـاً مــــن الخلجات الصغيرة التـي تــــــــــــــدب فيه ،
وسيتعلم من ســـــكون الأفكــــــــــــار كيــف يمـــــــــــــــــــــيز مـــــا يدخـل ،
                                                                              ومـــا يخرج  ( العقل من أفكار ) .
                                                                       


فالاهتمامات الكثيرة :
دليــــــــــــــــل على تهاون الراهــب في إتمام وصايا المســيح ،
وهى تبرهـــن على تقصــــــــــــــيره في الإلهيـــــــــــــــــــات .


لا تلتمس نــــــــــوراً فى نفسك ،
إلا بزوال الاهتمامات العالميــة .


ولا سكون وهــــــــــدوء مــــع تسيب الحـــــــــــــواس .
ولا ضبــــــط للحــــواس مـــع كــثرة المشــــــــــــاغل .


إذاً لا تكثر من المشاغل حــتى لا يضطــــــرب عقــلك ،
لأنك لا تقدر على الدنــو من الله بدون الصـــلاة الدائمة ،
حيث لا ينبغى أن يكون للعقـــل اهتمام آخر مع الصلاة ،

لئـــلا بهذا يتشــــــتت الفكــــر .
فالحمية الروحيــــــة التـــــي تتحرك فيك وقت تذوقك حـــــــلاوة الله  
                         الناتجة من الانشغال الحــــــــار بالأمور الإلهية ،
تبرد وتفقد مذاقهـــا عنـــــد تذكر حديث إنســـان أتى إليــــــــــــــك ،
                        أو أنك كرمت العمل الجسدانى وانصببت عليه ،
                       ولهــذا بردت حـــــــــــــــــرارة أفكــــــــــــارك .


وتــــزداد حــــلاوة  الصـــــلاة في القـــلب بالدمـــــــــــــوع ،
وقـــــرع الصــــــــــــــــــــــــــدر وتــلاوة ( المزامـــــــير ) ،
والقلب مع الدهش الحميد ليطيرن إلـــــى الله هاتفـــــــــــــاً :
لقــــــد ظمـــــئت نفــــــــــــــــسي إلـــــى الله القـــوى الحي ،
مــــتى أتقــــــــدم و أعــــــــــاين وجهـك يـــــــــــــــــــارب .
                                                                   ( مز41 : 3 ) .


والذي شــــــــرب من هذه الخمر ثم فقده بعد ذلك ،
هـــو وحـــــــده الذي يعرف فى أى شـــــقاء هو ،
وما الذى ســلب منه بسبب تراخيــــــــــــــــــــه .


يا إخوتى مـــا أرادأ النظر إلى  النـاس و الحـديث معهـــــــــــــم ،
للذيــــــن هـــم فــي السكون ، الســالكين فـــــــــي الهــــــــدوء ،
                                    فضررهمـا فيهــــــم أكـــثر مــــن ،
الذيـــن ليسوا فــي السكون .


وبالحقيقة يا أخوتى ،
كما أن الصقيــــع الشـــــــــــــــــديد إذا ما لصق بأطراف النبات ييبسه ،
هكـــــذا الكلام مع النــــــاس حـــــتى وإن كان  قليـــــلاً جـــــــــــــــــداً ،
ولو كان من أجل أمر صــــــــــــــالح فـهو ييبس زهــــر الفضــــــــــائل ،
فى أول تفتحه فى نور فضاء السكون الذي أحــــــــاط ببســــــــــــــاطة ،
ونعومة بشجرة النفس المغروســــة على مجــــــــارى التــــــــــــــــوبة .


كما أن شـــــدة البرد إذا ما هبت على الزرع في بداية إنباته ،
                          فإنها تحرقه وتحنى عوده إلى الأرض ،
هكـــذا محادثة الناس تجـــــفف أصـــل العقـــــــــــــــــــــــل ،
                          الذى بدأ يـــــورق بعشــــب الفضــائل ،
                         وتحـــنى رأســــه وتجفــــف  طــراوته .


وإذا كانت أحـــــــاديث القــــوم الفضــلاء ،
             وذوى النســــــــــــــــــــــــــــــك والتحفــــــــــــظ ،
             وتعيق العمل المعتاد للمتوحــد ، وتؤذى نفســــه ،
فكم بالأكثر الحــــــــديث مـــــــــع العلمــــــــــــــــــــــــانيين ،
            ولا احتـــــاج لذكــــــــر العامــــــــة والجهـــــــال ،
            والنظر إليهم ، فكلامهم يؤذى كمثل النار للهشيم .


كما أن الإنسان المبجل ذو الأصل الرفيــع ،
        إذا ما سكر ينسى مقامه الشــريف ،
        وتهــــون مــــــــــــــــــــــــــنزلته ،
       ويستهزئ به نتيجة أقواله الغريبة ،
       التي تتوارد عليه بسبب الخمـــــر ،  
هكــذا عفة النفس تتعكر من محادثة النــاس ومشــــــــــــــــاهدتهم ،
                              وينسى الراهـــــب هــدف تحفظــــــــــــــه ،
                              ويمحى من فكــره غرض إرادتــــــــــــــه ،
                              ويقتلع من عروقه أساس السيرة الحسنة .


الأحـــــــــاديث وكثرة المشاهدات  - حتى لو قابلها الإنسان بالسكوت –
فإن سماعها ، ونظرها كفيلان بدخولهـــا أبواب عينيـــــه ومســامعه ،
                  وتسبب تعكــــير الفكــــــر ،
                  وبرودة حرارته للإلهيات .


وإذا كانت رؤية الناس فقط تحدث خسراناً هذه  صفته وهذا مقداره ،
وحــــــديث فترة قصيرة يسبب كل ذلك الفسـاد للمتوحـــد المتحفــظ ،
فماذا نقــول فــى اللقاءات الكثيرة المتواصلة ،
والاستمرار على هذه الحال على الــــدوام ؟


البخار الصاعد من البطن إلى الذهن يحدث ظلاماً ، ويحول ما بين القـــــــــــــــــلب ،
                                                                          وبين معرفـة الإلهيات ،
كمــــــــــــــــــا يتسبب الضــــــــباب المتكــون ،
                  من  رطــــــوبة الأرض فــــــي إظــــــــلام الجــــــو ،
كـــــــــــذلك التكبر لا يجعــــل صاحبه يـــدرك أنه سالك فى الظـلام ،
وبســـــــبب هذا الظلام لا يبلغ معنى الحكمة ،
فهـــــــــــــو يتعـــــــالى على الكـــل ،
وهـــــــــــى أحقـــــــــر منهــــــــــم .
ويعجـــــــز عن فهــــم طرق الرب .
والـــــرب يخــفى عنــــــه إرادتــــــــــــــــــــــــــه ،
لأنــــــــه لم يؤثر المسير فى طريق المتواضعين .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق