الميمر الثالث عشر
الإنسان ذو الاهتمامات الكـــثيرة لا يمكن أن يكــــــون وديعاً هادئاً ،
لأن المطالب الضرورية التـــــي يشقى فيهـــا وينصـــــب ،
تضطره للســـــــعى لأجلها مكرهاً مجبراً ،
فتبـــــــــــــــــــــدد عنــــه الســـــــــكون والهــــــدوء .
لــــــــــذا ينبـــــــغي عــــلى الراهـب أن يقـف أمام وجـــــه الله ، ويكون شــــخوصه إليه ،
إذا كــان يؤثر حقاً الاحتفاظ بعقله نقيـاً مــــن الخلجات الصغيرة التـي تــــــــــــــدب فيه ،
وسيتعلم من ســـــكون الأفكــــــــــــار كيــف يمـــــــــــــــــــــيز مـــــا يدخـل ،
ومـــا يخرج ( العقل من أفكار ) .
فالاهتمامات الكثيرة :
دليــــــــــــــــل على تهاون الراهــب في إتمام وصايا المســيح ،
وهى تبرهـــن على تقصــــــــــــــيره في الإلهيـــــــــــــــــــات .
لا تلتمس نــــــــــوراً فى نفسك ،
إلا بزوال الاهتمامات العالميــة .
ولا سكون وهــــــــــدوء مــــع تسيب الحـــــــــــــواس .
ولا ضبــــــط للحــــواس مـــع كــثرة المشــــــــــــاغل .
إذاً لا تكثر من المشاغل حــتى لا يضطــــــرب عقــلك ،
لأنك لا تقدر على الدنــو من الله بدون الصـــلاة الدائمة ،
حيث لا ينبغى أن يكون للعقـــل اهتمام آخر مع الصلاة ،
لئـــلا بهذا يتشــــــتت الفكــــر .
فالحمية الروحيــــــة التـــــي تتحرك فيك وقت تذوقك حـــــــلاوة الله
الناتجة من الانشغال الحــــــــار بالأمور الإلهية ،
تبرد وتفقد مذاقهـــا عنـــــد تذكر حديث إنســـان أتى إليــــــــــــــك ،
أو أنك كرمت العمل الجسدانى وانصببت عليه ،
ولهــذا بردت حـــــــــــــــــرارة أفكــــــــــــارك .
وتــــزداد حــــلاوة الصـــــلاة في القـــلب بالدمـــــــــــــوع ،
وقـــــرع الصــــــــــــــــــــــــــدر وتــلاوة ( المزامـــــــير ) ،
والقلب مع الدهش الحميد ليطيرن إلـــــى الله هاتفـــــــــــــاً :
لقــــــد ظمـــــئت نفــــــــــــــــسي إلـــــى الله القـــوى الحي ،
مــــتى أتقــــــــدم و أعــــــــــاين وجهـك يـــــــــــــــــــارب .
( مز41 : 3 ) .
والذي شــــــــرب من هذه الخمر ثم فقده بعد ذلك ،
هـــو وحـــــــده الذي يعرف فى أى شـــــقاء هو ،
وما الذى ســلب منه بسبب تراخيــــــــــــــــــــه .
يا إخوتى مـــا أرادأ النظر إلى النـاس و الحـديث معهـــــــــــــم ،
للذيــــــن هـــم فــي السكون ، الســالكين فـــــــــي الهــــــــدوء ،
فضررهمـا فيهــــــم أكـــثر مــــن ،
الذيـــن ليسوا فــي السكون .
وبالحقيقة يا أخوتى ،
كما أن الصقيــــع الشـــــــــــــــــديد إذا ما لصق بأطراف النبات ييبسه ،
هكـــــذا الكلام مع النــــــاس حـــــتى وإن كان قليـــــلاً جـــــــــــــــــداً ،
ولو كان من أجل أمر صــــــــــــــالح فـهو ييبس زهــــر الفضــــــــــائل ،
فى أول تفتحه فى نور فضاء السكون الذي أحــــــــاط ببســــــــــــــاطة ،
ونعومة بشجرة النفس المغروســــة على مجــــــــارى التــــــــــــــــوبة .
كما أن شـــــدة البرد إذا ما هبت على الزرع في بداية إنباته ،
فإنها تحرقه وتحنى عوده إلى الأرض ،
هكـــذا محادثة الناس تجـــــفف أصـــل العقـــــــــــــــــــــــل ،
الذى بدأ يـــــورق بعشــــب الفضــائل ،
وتحـــنى رأســــه وتجفــــف طــراوته .
وإذا كانت أحـــــــاديث القــــوم الفضــلاء ،
وذوى النســــــــــــــــــــــــــــــك والتحفــــــــــــظ ،
وتعيق العمل المعتاد للمتوحــد ، وتؤذى نفســــه ،
فكم بالأكثر الحــــــــديث مـــــــــع العلمــــــــــــــــــــــــانيين ،
ولا احتـــــاج لذكــــــــر العامــــــــة والجهـــــــال ،
والنظر إليهم ، فكلامهم يؤذى كمثل النار للهشيم .
كما أن الإنسان المبجل ذو الأصل الرفيــع ،
إذا ما سكر ينسى مقامه الشــريف ،
وتهــــون مــــــــــــــــــــــــــنزلته ،
ويستهزئ به نتيجة أقواله الغريبة ،
التي تتوارد عليه بسبب الخمـــــر ،
هكــذا عفة النفس تتعكر من محادثة النــاس ومشــــــــــــــــاهدتهم ،
وينسى الراهـــــب هــدف تحفظــــــــــــــه ،
ويمحى من فكــره غرض إرادتــــــــــــــه ،
ويقتلع من عروقه أساس السيرة الحسنة .
الأحـــــــــاديث وكثرة المشاهدات - حتى لو قابلها الإنسان بالسكوت –
فإن سماعها ، ونظرها كفيلان بدخولهـــا أبواب عينيـــــه ومســامعه ،
وتسبب تعكــــير الفكــــــر ،
وبرودة حرارته للإلهيات .
وإذا كانت رؤية الناس فقط تحدث خسراناً هذه صفته وهذا مقداره ،
وحــــــديث فترة قصيرة يسبب كل ذلك الفسـاد للمتوحـــد المتحفــظ ،
فماذا نقــول فــى اللقاءات الكثيرة المتواصلة ،
والاستمرار على هذه الحال على الــــدوام ؟
البخار الصاعد من البطن إلى الذهن يحدث ظلاماً ، ويحول ما بين القـــــــــــــــــلب ،
وبين معرفـة الإلهيات ،
كمــــــــــــــــــا يتسبب الضــــــــباب المتكــون ،
من رطــــــوبة الأرض فــــــي إظــــــــلام الجــــــو ،
كـــــــــــذلك التكبر لا يجعــــل صاحبه يـــدرك أنه سالك فى الظـلام ،
وبســـــــبب هذا الظلام لا يبلغ معنى الحكمة ،
فهـــــــــــــو يتعـــــــالى على الكـــل ،
وهـــــــــــى أحقـــــــــر منهــــــــــم .
ويعجـــــــز عن فهــــم طرق الرب .
والـــــرب يخــفى عنــــــه إرادتــــــــــــــــــــــــــه ،
لأنــــــــه لم يؤثر المسير فى طريق المتواضعين .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق