الميمر الثامن عشر
النسك هو أم القداسة الذى منه يتولد التذوق الأول للإحساس بأسرار الله .
هذا ( التذوق ) يسمى الدرجــة الأولى فـــي معرفــــــة الـــــــروح .
لا يخدعن أحد ذاته ويتصــــــــور أفكـــاراً غـير صحيحــــــــــــــــــــة ،
لأن النفس المدنسة لا ترتقــــــــــــــــــــــي إلـــى الملكــــــوت الطــاهر ،
سواء ( هنا على الأرض حيث حياة المؤمن تعتبر ) على مثال الملكـوت ،
أو في ( الملكــــــوت الســـــــــــــــــــــــــــــماوي ) الحقيــــــــــــــــــقي .
كما أن ( هذه النفـــــس المدنســـــــة ) لا تجتمـــــع بـــــأرواح الصــــــــــديقين ،
بــل إذا ما حدث افتراق الاتحاد الطبيعى ( بين الروح والجسد ) وانحلت العناصر ،
حينئــذ تحفــــــــظ ( تلك النفــــــــس ) الشــــقية إلى الدينـــونة العظيمـة الآتيــة .
يا أخي : نق جمــــــال عفتــك بالدمــوع والأصــوام والســـكون منفــرداً .
وإذا مـــــا انتهى مسار فلكك الطبيعى المستقيم وبلغت إلى النور الأعــظم .
الــــــــــذي يغذى أجـرام كواكــب كـــثيرة ذات الأجســـــام المتمـــــــيزة –
حســــــبما قال بولس فى أدلة القيامة العتيــدة ( 1 كو 15 ) ،
وتداخـــلت إشـــــــــــــــــــعاعات ( نـــوره في نفســـــــك ) –
ولا أعــني أن هذا يكون طبيعياً ( بل بالمعنى الروحـــي ) –
عنــــد ذلك تربـــــط المركبــــــــة ( أى فلكك السابق ذكره )
برباط عــــدم المعرفة ( الجســــــــــــــــــــدية ) .
والينبوعان كثيراً الفيضان ( العينان ) تجري منهمـــــــا بحـــــــور ،
عندئـــــــذ يخرج الكهنة من المقــدس مـــن قدام سحابة هيبة الرب .
( راجع 1 مل 8: 10 ) .
فى الوقت الذى يكون فيـــه ســـليمان ملكاً لإســــــــــــــــــــــرائيل ،
فحينئــــذ يولـــــــــد الســــــــــــــــلام مـــن التواضــــــــــــــــــــــع ،
الـــــــذي يبنى بيت الرب ويزينـــــــه بكــل أواني القـــــــــــــــدس .
الضيق فى الجهاد :
ضيقة يسيرة من أجــل الله ،
أفضل عنـــده من العمــل الكبــــــير المصنوع من غير ضيقـــات ،
لأن الحزن الاختيارى يوضــــــح المحبـة الخالصة .
أما العمــــل الذي فيــه راحـــــــــــــــــــــــة ،
فيكون من اكتفاء الضمير وشبع النية ،
لذلك جرب القديســـــون – من اجل محبة المسيح – بأحـزان لا براحـــــــــــة ،
لأن العمــــــــــــــــــــــل الــــــذي يحــــدث بـدون التعــــــب و النصــــــــــــب ،
إنما هــــــو بر أهـل العلم الـــــذين يطلبــون الرحمـــــــــــــــة بما يملكــــــــون ،
ويتبررون بالأشـــــــــياء الخارجة عنهـــــــــــــــــــــــــم دون أن يبذلوا ذواتهم .
وأما أنت أيهــــــــــــــا المجـاهد فلرغبة للتشبه بالمســــيح في آلامـــــــــــه ،
جاهــــــد فى ذاتــــك ، وتـــذوق ألمــــــه لتســـــــــــــــــتحق أن تذوق مجــده .
إن كنــــا نتألــم معـه ، فأيضــــاً معه نتمجـــــــــــــــــد .
فالظاهر أن العقــــــل لا يتمجــــد مـع يســـــــــــــــــوع ،
إن لــــــــــــــم يتـــــألم معه بالجســـــــــــــــد .
إذاً فالذى يستهين بكرامة البشر هـــــــــو المؤهل لمجــد الله ،
وليتمجد جسده ونفسه معــاً .
مجد الجســـد هـــو الخضـــــــــــــــــــــوع لله ،
وأمـــــا مجد العقـــل فهــو الرؤيا الحقيقيــــــــــة لله ،
الطاعة الحقيقيــــــة عـلى دربـــــــــــــــــــــــــــــــين :
فهــــى بالأعمــــــال و الإهــــــانات المتضـــــاعفة ،
لأنه إذا تألم الجسـد فــإن القلب يشاركه الآلام أيضــاً .
إن كـــنت لا تعرف الله تبارك اســمه فلا يمكن أن تتحرك محبته فيك ،
ولا يمكنك أن تحبه دون أن تــــراه ، ورؤيته إنما تكون من العــلم به ،
لأن رؤيته لا تســــــــبق العلم به .
صــــــــلاة :
أهلنى يارب أن أعــــــــــــــرفك وأحبــــــــــــــك ،
لا بالمعرفة الكائنة في شتات الذهــن .
والتى تكــــــــــون من ترويـــــــض ( الذهن ) بالتعليــم ،
بل أهــلني لذلك العلـــــم الذي به يشاهدك العقل فيمجـــــــد طبيعتك ،
وبه يزول من الفكر الإحساس بالعالم .
أهــــلنى للإرتفــــــــــــــــاع عن الاهتمام بالإرادة التي تولد الخيالات ،
وأن تربـــــــــــــــطنى بنير الصـــــــــليب ،
فيصلب العقــــــل باختياره وتبطــــــل منه الميـــــــــــول ( الجسدية ) ،
وذلك بالنظــــــر الدائـــــــــم ( إليـــــــك )
ومواصـــــــــلة معــــــــــــــــــــــــــــرفتك .
ضــــــــــــــع محبتـــــــــــــــــك فـــــــــــــيِّ ،
لكــــــــــــــــى أسعى وراءك تاركاً هذا العالم .
حركني للتأمل فى اتضــاعك الذي مارسته فى هذا العـــالم .
بالحجـــــــــاب الذي به احتجبت أى الجســد ،
لكــــــــــــــى بتذكر اتضاعك الذي لا ينـــــــــــــــــــــــسى ،
أقبــــــــــــــل حلاوة الاتضاع فــي طبيــــــــــــــــــــــــعتي .
الصعود على الصليب :
الصعود على الصليب على دربين ؛
الأول : صــــــــــلب الجســــــــــــد .
الثانى : ارتفاع العقل إلى الثاؤريا .
( المشاهدة العقليـــــــــة ) .
والأول يكون بــــــــــــإرادتك ،
وأما الثــــاني فبالأعمــــــــــــــــــــال .
مــــــــــــــــن لــــم يخضع له جسده ،
لا يخضع له عقـله .
امتلاك العقل إنما بصــــلب الجسـد .
ولا يقــــــــدر أن يخضـــــع للــــــه ،
إن لم تخضع الحرية الذاتية للجزء الناطق ( الروح ) .
صــــــــعب هـــو تفويض أمور هامة لحديث الســــن ،
ولا لمـــن هـــو فى قامة الطفـــــــــــــــــــــــــــــــــل .
الويـــل لك أيتها المدينة التي ملكك شاب ( جا 16:10) .
مــــــــن أخضع نفسه ،
وحقرها ،
فهـــــو قريب مـــن أن تخضـــــــع له كل الأمــــــــــــور .
مــــن عـــرف ذاتــه يعطي له معـرفة كل الأشـــــــــــياء ،
لأن معرفتك لذاتك هى كمـال معـرفة كل الأشــــــــــــياء ،
وبإخضـــاعك لذاتك تخضـــــــــــع لك كل الأمـــــــــــــور .
فى الوقت الذى يملك فيه الاتضــاع على تدبير سيرتك ،
تخضع لك ذاتك وتخضع معهــا كل الأمــــــــــــور ،
لأن الســــلام يتــــــولد في قلبـــــك من اللـــــــــــــــه .
ومتى كنت بعيــــداً عنه ( عـــــن الاتضـــــــــــــــــــــاع )
فلست مشرفاً فقط على الوقوع ، تحت ضغوط الشهوات ،
بــل تضطهــــــــــــد من العــــوارض .
حقا يارب :
إن لم نتضع فلــــن تكف عن إذلالنا وتحقيرنا .
الاتضــــاع الحقيقى يتولد من المعــــــــــــرفة ،
والمعرفة الحقيقية تتولد من التجــــــــــــارب .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق