الميمر السادس والعشرون
المعرفة على دربين .
معرفة تتقدم الإيمان و معرفــة تتولـد منه ،
فالمتقدمــة عليـــــه هى المعرفة الطبيعيــة ،
والمتولــدة منـــــه هى المعرفة الروحانية .
المعرفة الطبيعية :
المعرفة الطبيعية هــي التي تفصـــل الخير من الشر ، وتسمى إفرازاً طبيعياً ،
وبها نعرف بالطبع الخير من الشر من غـــير تعليم وتوجيه ،
إذ وضــعها الله فــــي الطبيعة الناطقـــة ،
وهى تنمـــــــــو وتزيد بالتعليم والتلقين ،
ولا يوجد أحــد ليــس له هــذه الملكـــة .
والمعرفة الطبيعية للنفس الناطقة :
تجعلها قادرة على تمييز الخير مــــن الشر المتحرك فيها دائماً ،
والفاقــــدون لهــــا هــم أدنــى مــــن مرتبة الطبيعة الناطقـــــة .
أما المالكـــــون إيــــــــــــــاها فهـــم قائمــون باســـتقامة الطبع الروحانى ،
ولم يفســـد منهـــم الشــــيء الـــذي أعطى من الله إكراماً للطبيعة الناطقة .
أما الذين ضيعوا هذا التمييز الفاصل للخير من الشر ،
فإن النبى يعبر عنه قائلاً :
" الإنسان إذا كان فى كرامة ولم يفهمها ،
يقاس بالبهائم التي لا علم لها ويشبه بها " ( مز 17:48) ،
فكرامة الطبيعة الناطقة هو الإفراز المميز للخير من الشر ،
ومن المناسب أن يشبه الذين أضـــــــاعوه بالبهـــــــــــــائم ،
التي لا عقـــــل لهــــا ولا نفس ناطقــــــة ممـــــــــــــــــيزة .
وبالمعرفة الطبيعية يمكنا أن نجد طــريق الله ،
وبهـــــــا يقــــدر الإنسان أن يؤمــــــــــــــن ،
فقوة الطبيعة
تشهد بأنه يليق بالإنسان الإيمان بمبدع الكل إلى الوجــــــــود ،
وبأقواله ووصاياه ، ويعمل بموجبها .
المعرفة الروحانية :
فمن الإيمان يتولـــــــد خـــــــوف اللــــــه ، ومن تبع رسومه ( أى وصاياه )
وتـــدرج فى العمـــــل بهـــــــا ،
تتولد فيه المعرفة الروحانية .
هذه التي قلنا أنها تتولد من الإيمان ولكنه ليــــــس الإيمــــــــان الســـــطحى ،
بــــل الإيمـــان الذى يلــــد مخافـــــة الله ،
وأن تبدأ مخافة الله عملها ( فى الإنسان ) .
عمل مخافة الله :
ومـــن عمل مخافة الله تولـــد المعرفة الروحانية ،
والإيمــــان ينتـــــــــج فينـــا الخـــــــــــــــــــوف ،
والخوف يدفعنــــا إلى التوبة والعمـــــــــــــــــــل .
وعلى هذه الحال دخل ( خوف الله ) إلى الإنســـــــــــــــــــــان ،
وأنعم عليه بالمعرفة الروحانية التي هي الإحساس بالسرائر ،
كما قال القديس يوحنا الذهبى الفم :
إنه متى اقتنى الإنسان إرادة حسب خوف الله ،
والعقل المستقيم ، فإنــــــه بسهولة يحظى باستعلان الخفايا التي يعنى بها :
المعرفة الروحية ، علما بأن مخافة الله فى ذاتها لا تولد المعرفة الروحانية ،
لأنهــــــا ليســـــــت فى طبيعـــــــــــة الإنســـــــــــــــــان ،
لــــــــــــــــــــــذا لا يمكـــن أن تتولــــــد منها المعرفة الروحانيـــــــــــــــة ،
إنمــــــــا تعــــطى إنعـــــاماً لعمــــــل مخـــــــــــــــافة الله .
وإذا ما فحصت جيداً عن عمل مخافة الله تجد أنه :
التوبـــــة والمعرفة الروحـــــــــــانية التـــي ذكرناها ههنا ،
وهي التي قلنــــــا أولاً ( فى بدايــــــة الميمـر الســـــابق )
إننـــــــــا قبلنـــــا عربونهــــــــــــــــا فـــــــي المعمـــودية ،
وإننـــــــا نقبـــــل نعمتها وموهبتها بواسطة التوبــــــــــة .
وهــــذه الموهبة التي قلنا إننــــــــا نأخذها بواســـطة التوبــــة ،
هــــي المعرفة الروحانية الـــــتي تعطى إنعاماً لعمل مخافة الله .
والمعرفة الروحانية هى الإحساس بالخفـــــــــايا ،
ومتى أحس الإنسان بهذه الأمور التي لا تبصـــر -
وهى فاضلة وجليلة جداً وتسمى روحانية المعرفة –
فإنه يتولد من الإحساس بها إيمــــــان آخر ،
وهـــو ليس ضد الأول بل مثبت له ويؤكـــــده ،
والآباء يسمونه إيمان المشاهدة ( أى الرؤية ).
ومن ثم ندخل مرحلة جديدة ،
إذ ينتهى السمع ويكون نظر ،
والنظر مؤكـــــد عن السمع .
إن هـــــذه كلهـــــــا إنمــــا تتولــــد مــن المعـــــــــرفة الموجـــــــــــــــــودة في الطبيعـة ،
( أى المعرفة الطبيعية السابق الحديث عنها ) الفاصــــــــلة الخـــــــــــــــــــير من الشـــــــر ،
وهى زرع الفضيلة الصـــــــــــــــالح كمــا قلنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ،
ومتى حجبنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا هـذه المعرفـــة الطبيعية بإرادتنا العاكفة على اللـذات ،
فإننا نفقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد هــذه الخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيرات .
ويتبع هذه المعرفة الطبيعية :
وخـــــــز دائم من الضمير ،
وذكــــــر دائم للمــــــوت ،
وهم الخـــــــروج مــن العـــــــــــــــــــالم والعقـــــــــــاب الأبـــــدى ،
مع حزن وكآبة بسبب الذنوب الســـــالفة واجتهـــــــــاد مناســـــب ،
وخوف الله ، وحيــــــاء الطبــــــــــــــع ، وتذكر الطريق المشـتركة ،
( أى الموت وهو طريق البشر جميعــاً ) والاهتمـــــــــام بــــــــــــه ،
والطلب من الله ببكاء لكي يكون الدخول من هذا الباب نعم الدخول ،
وهو الذى تعبره كل الطبيعة ( البشرية ) ،
والاســــــــــــــتهانة بالعـــــــــــــــــالم ،
وحرص وجهادات كثيرة لأجل الفضيلة .
إن هذه كلها موجــــــــــــــــــــــودة في المعرفة الطبيعية ،
فليمــــــــيز الإنســـان أعمـــــــــاله ويقيســــها عليهــــا ،
ومتى وجــد أنه يســـــــــــــــــــــــير بمقتضـــــــــــــاها ،
فهـــــــــــــو ســــــــــــــــــــــــالك في طريق الطبيعــــة ،
ثم مــــــــتى تسامى عنها ووصل إلى المحبـــــــــــــــة ،
فإنــــــــــــه يرتفـــــــــــــــــــــــع على الطبيعـــــــــــــة ،
ويزول عنه جهـــــاد الخـــــوف ، والشـــــــــــــــــــقاء ،
والتعـــــــــــــــــــــــب في كل الأمـــــــــــور .
فليميز الإنسان ذاته فى هذه الحالات ،
ويقـيــــس أمــــوره ( ليعلــــــم ) فى أى منها يســــــــــــــير ،
هل يسير فيما هو للطبيعة ،
أم فى التي فــــــــــــوق الطبـــع ،
أم فى التي هى خارج الطبـــع ؟ فإذا لم توجـــــد يا هـــــــذا ،
في الأمور الطبيعيــــــة التي حــددناهــــــــــــــــــــا ،
ولا فى التي فوق الطبيعــــــــــة فمن البين الظاهر أنك منبوذ
وفي الحـــــــــــــــــــالة التي بخـــــــــلاف الطبــــــع .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق