ما تطلب النفس الغوص فيه
بعيداً عن الأفكار المادية
كل شـــــيء يختفـــــي عــــــن الأدنـــــى منــــــه ،
ليس بسبب وجود أجسام أخرى حاجزة بينهما ، و
لا بسبب خواص طبيعته ,
بحيث أنه :
إذا
شاء يقدر أن يظهـــر خفاياه ، لكـــن كل شيء ( أي المخلوقات )
التي لها جوهر معقول ( أي روحاني ) خواصها
ليست منفصلة عنهــا
بل
موجــــــودة داخـــــــــل حركــــــــــــاتها ( أي طبيعتهـــــــــــــــا ) ،
و تستطيع
بالأكثر إذا
ما غاصت وتعمقت
( في الروحانيات ) بزيادة
يمكنها بدون أي وسيط قبول النور الأول.
أما
الرتب الأقل فلا تؤهل لذلك ( أي موضع النور الأول ) ،
بل هذا بقــدر زيـــادة النقــاوة و قــدرة الأذهان علي
قبول الأمور العالية ،
لأن
كل طبـــع معقـــول ( أي روحـاني ) مكتــــوم عمـــن هــو أقل منـه ،
إذ ليسوا من ذات
الطبع لأن له ( أي الطبع المعقول ) حركات الفضيـلة .
و أعنـــــــــي بقولي هذا عن :
الطغمـــات (أي الرتب) المقدسة أي الملائكة ،
و طغمـــات النفـــوس ،
و طغمـــات الشياطين ،
فالأولـــون أعلى من الوسطى بالطبع و بالموضع
و بالحركات ،
و الوسطى أعـــــــلى مـــــــــــــن الأخـــــــــــــــــــــــــيرين ،
وكل واحدة من هــذه الرتــب معرفتهــا مخفيـة عن
الأخــرى ،
و سواء نظروا أو لم ينظروا فهم مخيفون عن الرتب
الأقل منهم بالطبيعة ،
لأن نظر غير الجسدانيين ليس إلي ما هو خارج
عنهم كالجســـــدانيين ،
بل نظــــرهم بعضهـــم لبعـــض يقـــال عنـــه أنه في داخــل
حركـــاتهم
و على قدر سمو حركاتهم ،
و لأجل هذا فإن كانوا متســـاويين في الســمو فإنهـــم
حتى لو كانـــوا على بعـــد ،
فإنهم كانوا ينظرون بعضهم بعضاً ليس علي سبيل
الخيال بل نظر حقيقي وطبيعي ،
طبعــــــــاً
ما عداً الذي هو علة ( أي خالق ) الكل المتعالي عن هذه الصفات كلهــا
الذي هو وحده معبود و مسجود له .
ــ و أمـــــــا الشــياطين فهـــم غير عـــادمي النظـــر بعضهــم
لبعـــض ،
و لأنهــــم أنجاس جداً فلا ينظرون هاتين الطغمتين
المرتفعتين عنهم ،
لأن نظـــر الــــــــــروح هو ضيـــاء الحركـــات لذا لا ينظـروا
الطغمــــات
لأن نظرهـــم و أعينهـــم مغمضـــة مظلمــــــة ،
و إذا
ما أظلمت الحركات فــــلا تنظـــر الطغمــات المرتفعــة عنهـــــم ،
لأنهم أكثر كثافة من الرتب الروحانية ، لكنهم
ينظرون بعضهم بعض .
ــ و أما الأنفس : فإذا كانت مظلمة نجسة فليس
لها و لا لبنـي جنســــــها
بـــل هي عادمــة النظــر لذواتهــــا و لبعضهــا البعــــــض ،
و لكن إذا تنقت و تتطهرت و رجعت إلي خلقتهــــا
الأولى
تـــــــرى
بنــــــــور مضــيء هــــذه الثـــــلاث رتـــــــــــــب ،
أي
التي أقل منها و التي أعلي منها،و تنظر بعضهـا بعضاً ،
و لكن تلك الرتب كلها لا تنظرهــــا لأنهــــا تتغـــير
لأشـــكال جســمانية ،
كأن الملائكة أو الشياطين أو الأنفـس متقاربين،كلا ،لكنها
تنظرهم على طبيعتهم
و هم على حالهم فى طقس روحانيتهم ، سواء
الملائكة أو الشياطين أو الأنفس ،
إن كنت تقول : انه من غير الممكن ان تنظر الملائكة او الشياطين
إن لم يتشـــكلوا بأشـــــــباح ،
فإن
حسب قولك لا تكون النفس هي الناظرة بل الجسد ،
و إذا كان الأمر كذلك فما ضرورة النقـــاوة إذا !؟
فهوذا الشياطين و الملائكة تظهر لغير الأنقياء
،
لكن هؤلاء ينظرون بعين الجسد ما يظهر لهم
وفي هذه الحالة لا ضــرورة للنقــاء و الطهـارة .
لكن الأمر ليس كذلك
بل النفــس إذا تطهــرت تنظــــرهم بروحــانيتهم
بعــين طبيعتهــــا
( أي طبيعة النفس و ليس الجسد )
أعني بالعقل و الفهم و أيضاً ،
الأنفس تنظر بعضها بعض و إن كانوا بالجسد ،
و الدليل نأخذه من قول القديس أثناسيوس بطريرك
الإسكندرية
بما ذكره في ســـــيرة القديس أنطونيوس ،
إنه
في وقت كان القديس أنطونيوس يصلي
نظــر نفســـاً صــــاعدة بكـــرامة عظيمـــــة
فأعطي الطوبى لذلك الإنسان الذي أهل لهذه النعمة
العظيمة ،
و كانت هــــذه نفــــس أمونيــــوس الذي من جبـــــل نتريــــــــا ،
و كان بعد ذلك الجبل عن الموضع الذي كان ساكناً فيه أنطونيوس
مدة ثلاثة عشــر
يومــاً ، و على هذا يكون الأمر صحيحاً
لأن في هذا الدليل عن هذه الثلاثة رتب التي
ذكرناهـــا
أن
الطبائع الروحانية و لو كانـــت بعيــــدة لكنهـــــــا تنظـــــر بعضهــــا
و لا يحجب رؤيتها بعد مسافة و لا حاجز مادي ،
و إن نظر الأنفس لبعضها ــ إذا تطهـــرت ــ ليــس نظــراً جسـمانياً ،
فإنها
عندما تنظر فذلك بالطبع الروحـــاني ،
لأن الأمر معروف أن الأعين الجسمانية لا ترى إلا
ما هو أمامها فقط ،
و أما الشيء البعيد فيحتـــــاج إلـــــــي نظـــر مــــــــــن طبيعة
أخرى .
ــ أما الطغمات العالية فهي كـثيرة لا تعـد منـذ
خلقتها ، و لهــا درجــات و رتب ،
منها ما تســمى رؤســــاء و سلاطين و قوات و سيادات ،
و لعل المكرمين بالرياسة و السلطان أقل عدداً
من الذين و ضعوا تحت أمرهم
و هــــم من حيث القدرة والإدراك فيهم كبار و صغار
حسب عظم رفعة مرتبتهم ،
و هــــم يتدرجون صعوداً من درجة إلي درجة حتى
يصلوا إلي ذاك الواحد الكبير
الـــذي هو ذو قوة أكثر من الكل و هو أول و أساس
( أي رئيس ) كل الخلائق ،
و قولي أول لست أعني بذلك الخالق تعالى و تقـــدس
بــــــل
المتقـــدم الأول في عمــــل عجـــائب الخـــالق .
و الملائكة ورؤساء الملائكة ناقصين جداً عن معرفة تدبير حكمـة الله خالقنا وخالقهم ،
و الملائكة ورؤساء الملائكة
كمـــــــــــــــــــــــــــــــــا إن الذين هم أقل منهــم هــــم أنقص عنهم في المعــــرفة ،
و ارتفـــــاع و انخفــــــــاض
بعضـــــهم عــــــــــــن بعــــــــــــــض
ليــــس
بالمواضع و المنازل ، بل بالقدرة و الفهم ( أي الإدراك )
ففيهم مرتفعين و ناقصين ( أي أقل ) فمدى القدرة و الفهم لديهم أزيد عن بعضهم ،
وحسب قدرهم تكون لهم المعرفة إما ثاقبة عظيمــة
أو قليلة منخفضـــة.
و التعليم الإلهي : حدد جميــع الكائنــات السـمائية بذكر تسـع أسـماء روحانية ،
و هي ثلاث
طغمات مثلثة ( أي الطغمة تحوي ثلاثة ) متميزة :
أولهـــــــــــــــــم : الجلـــــــوس ، أعنـــي المراتـــــــب المرتفعـة
العاليــة المقدسـة ،
و الســـارافيم ذوي الستة الأجنحة ، الشاروبيم ذو الأعين الكثيرة .
الطغمـــة الثانية : ذو الثلاث رتب السيادات
و القـــوات و السلاطين ،
و الطغمة الثالثة : المثلثة ، الأراخنة
و عظماء الملائكة و الملائكـــة .
وهذه الأسماء بالعبرانية وتفسيرها :
الجـــلوس : قبـــــــــــــــول نيــــــاح اللـــــــــــه .
السارافيم : محمــــــــــيين موقـــــــــــــــــــدين .
الشاروبيم : كثيرو المعرفة و ذوي حكمة فائضة .
و قد سميت هذه الطغمات " المعقولة "
لأن ليس لهم أشكال محسوسة
و هم ينظرون روحياً ، و لا يدركون الأزلية من
الكتب الروحية ،
لكنهــــم ممتلئـــــــون إشـــــــراقاً و نــــــــوراً معظمــــــــــــاً ،
و كل
المعارف غير الجسدانية ، و يمتلئون ــ حسبما يسمح لهم ــ
من الثاؤريــــا عـــن الثالــــــوث الأزلي عن حســــــــن البـــــــــاري
،
و يؤهلون للشركة مع يسوع ليس بصور مقدسة
وبالشبه يتصور لهم مثال اللاهوت ،
بل بالحقيقة هم قريبين منه ، و ترتسم فيهم
أولاً معــرفة عن الأنــــوار الإلهيــــــــة ،
ومن قبل اللاهوت الازلي يمتلئون معرفة ،خلاف باقي
الملائكة فيكون إدراك اللاهوت ،
كإشراق و استضاءة بزيادة أولاُ.
و تسمى الرتب المتعالية :
الجلــــوس : مكرمـــين
،
السـارافيم : مقدسـين
،
الشـاروبيم : حاملــــين
،
الســيادات : متسلطين
علي الممالك ،
الرؤســــاء : مدبـــــــري الجـــــــــــــــو ،
السلاطين : ذو
القــوة و الســلطة علي الشـعوب و عــلى كل واحـــد من البشــر،
القوات المخـــــــوف منظـــــرهم و شــــــديدي البــــأس المتيقظــــــين
حراس،الملائكة مرسلين.
حراس،الملائكة مرسلين.
عن
الخليقة :
في اليــــوم الأول خلق فيه ثمانية طبائع ، سبعة
بسكوت ( أي دون ذكر ذلك ) ،
وو احـــــد بالصـــوت الــذي هـو النــور ،
و في
اليوم الثــــاني الجلـــــــــــــــــــــــــــــــــــد ،
و في اليوم الثـــــالث مجمع المياه و نبات الأشجار
،
و فـــــــــي
الرابـــــع قســــــــمة الأنــــــــــــــــوار ،
و فـــــــــي
الخامس الطائر والدبيب والأســــــماك ،
و فــــــــي السادس الحيــــوان و الإنســــــــــــان .
و ضع هذا العالم كله طولاً وعرضاً ، رأســـــه المشرق و منتهاه المغرب ،
و يمينه الشمال ، و يساره الـتيمن ،( الجنوب )
و الأرض شبه السرير و السماء العالية كالخيمة ،
و السماء الثانية كالعجلة ملتحم بذلك العــــالي .
و أطــراف الســماء و الأرض متلاحمة ببعضها ،
و أوقيانوس كالحياصة ( أي الحزام ) يربطهم .
و هناك جبال شامخة تصعـــد إلي الســــماء ،
و الشـــــــمس وراء تلك الجبال العالية تكون رحلتها
الليل كله ،
و البحر الأعظم حولها ، و هـو يغطـــي ثلاثـــــة أربـــاع الأرض .