الميمر الثاني والعشرون ( 3 )
العمـــــــل الروحــــــى :
أما السيرة الروحانية ، فهـــــى العمل بدون الحـــواس ،
وتحدث عنها الآباء في كتبهــم ،
لأن عقول القديسين إذا ما قبلت الثاؤريا ( التي هى التأمل فى الأقانيم )
عندئــــــذ ترتفــــــع وتــــــزول كثــــــافة الجســم ،
ومنــــــــــــــــــذ ذلك تكون النظــرة الروحـــــــانية ،
لأن التأمل فى الأقانيم كان في طبيعة الخليقة الأولى ،
ومن هــــذا التأمل الإقنــــومي يرتقى بسهولة لينتقـــــــل إلى معـــــــانى المعرفة ،
التي تسمى المعرفة الوحدانية التي تفســــيرها الدهــــش ، والتعجـــــــب باللـــــــه .
هذا هو التدبير العظيم المزمع الذي يعطى فى الحياة الحرة ،
التي لا يشـــــــوبها مـــــوت ،
فى الدهر الذى بعــــــــــــــــد القيــامة ،
لأن الطبيعة البشـــرية هنــاك لا تكـــــــــــف أبـــــــــــــــــــداً ،
ولا تنقطع عن الدهش الدائم بالله ،
(وعندئـــــــــــــــــــــــــــذ ) لا تفكر فى شيء من الخــــلائق ،
أو ترتبــــــــــــــــــط بــــــــــــه .
لأنه لو كان ( يوجد ) شـــــيء آخر يشابه الله ( وحاشا أن يكــــون )
لكان العقل يتحرك تارة نحو اللـــــه ،
وتارة نحو الشبيه ،
لأنه إن كان جمال كل الكائنات في التجديد المزمع ( أى الدهر الآتي )
أحـــط مــن جماله تعـــــــــالى ،
فكيف يتمكن العقل من الخروج بفكره خارجاً عن جمــــــــــال اللــــــه ؟
ومـــــــــــاذا ترى يضطره ( للتفكـــــــــــــــير في غير الجمال الإلهى ) ؟
هل الموت ، أم ثقــــــــل الجســـــد ، أم احتياج الطبيعــــــــة ، أم تذكر الأهـــــــــــل ،
أم المصاعب الموجودة أم الطياشة لعدم المعرفة ، أم عدم كمال الطبيعة ،
أم الانشغال بالعناصر ، أم الحديث مع إنســـان ما ، أم الضجر القاتــــــل ،
أم تعــــب الجســـــد ؟
إن هذه وإن كانت موجودة في العالم لكن فـــي ذلك الوقت الذي ينقشع فيه حاجز الشهوات ،
من أمام عيون العقل فيشــــــخص فــي ذلك المجد ، فهو يتعالى لحينــــــه بالدهش ،
ولــــولا أن الله قد وضع حداً ( للتمتــــــع ) بهذه الأمـــــــــور فــي تــــلك الحيــــــــــــــــــــاة ،
لظل فيها الإنســـــان كل عمــــره ، ولـــو أمكنـــــــــه مــا كـــــان ينفصــــــــل عنهــا ،
فكم بالأحرى هناك ( فى الســــماء ) حيث هذه كلهـــا غير محــــــــــــــــــــــــــــدودة ،
لأن تلك الفضيلة غير محــــــــــــــــــــــــــــــددة ؟
إذ نكون بالفعل بذواتنا داخل المنازل الملوكية إن أهلنــــــــــا لذلك بسبب سيرتنا ( الفاضلة ) .
إذاً : هل يمكــــــن للفكـــــــــر الخـروج ، والابتعـــــــــــاد عـــن
ذلك المنظر الإلهـــي العجيب ( أى حالة الدهش )
ليباشـــــــر أمـــــــراً آخـــــــــــــــــــــــــــــــر ؟
الويــل لأننـــا لا نعرف أنفسنا ، ولا لأى ســــيرة دعينــــــا ،
ونعتقد أن هذه الحياة الواهيـــة التـــي تماثل حياة الحيوان ،
وأيضاً العالم وأحزانه وضيقـــاته وســـروره وراحتـــــــــه ،
أشياء ذات قيمــــــــــــــة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق