الميمر الرابع ( 18 )
المعــونة الإلهيـــة :
+ ســــؤال : الذي يثــــــــب عليــــــه فكــــــــر الكبرياء بعـــــــــد أعمال كثيرة وأتعاب وجهــادات ،
ونشاط فى الفضائل ويجعلها من حسن فضــائله مادة يجلب بها أتعاباً على فكره ،
فكيف يمكنه أن يضبــــط أفكـــاره ، ويقتـني لنفســـــه احتراســـاً فــلا يخضع لهذا الألم الرديء ؟
+ جــواب : ( يمكنه ذلك ) إذ أدرك حقاً أنه بذلك يسقط من الله كمثل الورقة اليابسة من الشــجرة ،
وهنا يعرف قوة ذاته ، وإن كان بقوته اقتنى الفضائل ، واحتمل لأجلهـــــا هذه الحروب ،
وأنه عندما يقبض الرب عنه قوة معونتـه ويتركــــه للشياطين بمفــــــرده ،
ولا يمــــــده بالعنــــــــاية المعتـــــادة ، وبالقوة التي تعضد المجـــاهدين في جهـــادهم ،
ههنا تظهــــــــــر قـــــــوة الإنســـــــــان أو ضعفـــــــــــــــــــــــــــــــــــه.
لأن مع القديسين عنايــــة إلهيــــة تعاضــدهم فــي كل وقت وتحفظهــــــم ،
وبهــــا يغلب كل طبقات البشر فى جهادهم ، سواء فــي الاستشــــــــــــــــــهاد ،
أو في معاناة الضيقات من أجل الأمور الإلهيـــة . وهذا معروف بين لاشك فيه .
وإلا كيف يســــــتطيع الطبـــــــع ( البشرى الضعيف )
أن يصبر أمام هذه الضغطات التي لا تفتر ،الكائنة فى أعضـــــــــائه ،
وتثير الشهوة ، وتدفعه للسقوط ؟
كيــــــف يمكنه التغـــــــلب عليهــا وقهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرها ؟!
آخرون يحبون ويشتاقون لهذه الغلبة ولا يقدرون ،
إنهــــم يتعبون كثيراً ، ويجـــاهدون ، ولكنهـــــــم كل يوم يهــــــــــــــزمون ،
ويبكون وينوحون على شقاء أنفسهم وأنــــــــــــت بسهولة ( بتعضيد النعمة )
تتحمل صــعوبات جسدك الطبيعيــــة ، وضغوطها ولا تتضايق كـــــــــــــثيراً .
إذ كيف يقـــــوى آخر عــلى الصــبر بهذا الجسد الذي يشعر بالألــــــــــــــم .
عند العصر بالحديد وتقطيع الأعضاء ،
وكل أنــــــــواع العقوبة والعذاب ، ولم يغــلب وينحـــــــــــل مــــن الآلام ،
هذا الذى لا يقدر على احتمـــــــــال جـــــــرح شوكة صغيرة لأحد أصابعه .
إنه تجلــــــــــد في العـــــــــذاب المتعدد ، ولم يتألم ولا توجــــع حســـــــب عادة الطبيعة ،
لأن قوة أخرى خلاف الطبيعة ، من مصدر آخــــــــر قمعت عنه قوة العذاب ، وردته عنه .
وليس ما يمنع من ذكر هـــــذه الســــيرة في كلامنــا لأنهـــــــــا تدهش ســـــــــــامعيها .
فقــد قــــــــال سـقراطيس مــؤرخ تاريـــخ البيعـــة :
إنه كــــــــان في مدينة أنطاكية على أيام يوليانوس المــــــــــلك
شـــــــــــاب اســـــــــــــمه ثيودوروس ( تادرس )
دفــــــــــــــع للعـــــــــذاب لأجــــــــل إيمانه بالمســــــــــــيح ،
وبعد عذاب شـــــــــــــــديد مشــطوا جسـده بأمشاط مـن حديد ،
حتى انتـــــــــــــــــــــــــثر لحمــــــه كلـــــــه عــــــلى الأرض ،
وبعد ذلك تركــــــــــــــوه لاعتقادهم أنه لـن يعــــــــــــــــيش ،
ولكن الله الرحوم نجــــــا القديـــس من كل ذلك العـــــــذاب ،
وعاش مــــــدة طــــويلة بعد هـــذا الاعـــــــــــــــــــــتراف ،
وإن كاتب السيرة ســأله بعـــــــــد انقضاء مدة من الزمان :
ألــــــــــم تتــــــــــــــألم يا تادرس وقت العـــــــــــــــذاب ؟
أجابه :
إنــــه كان يحـس بالقليــــل مــــــــــن آلام التعـــــــــــــــــــــــــــــــذيب .
لأنــه كان ينظر شاباً واقفاً إلى جانبه يمسح عــــــرق جهـــــــــــــــاده ،
ويشـجع نفســـه ويقويـــه ويجعــله منشرحاً ويريحه في وقت العذاب .
يا لمراحم الرب !!
إن نعمتــــــــه تدنو من الذين يقاسون ألم الجهاد من أجله ، ويصـــبرون على الآلام .
أيها الإنسان : لا تجحــــد عنــــاية الله لأنـــــــك لســـــــت أنـــــــــــت الغـــــــــــالب ،
بل أنـــــــــت مثل أداة والــــــرب هـو الغــــالب فيك ، وتأخذ لقب الغالب هبة مجانية .
ماذا يمنعك من أن تســــــــــأله ليجود عليك بهذه المعــــونة كل حـــين ،
لكي تنشط وتغــــلب في كل أوقــاتك ، وأنت مؤمــــن بهـــذا ؟
أما سمعت أيهــــا الإنســـــــان منذ إنشـــاء العــالم إلى وقتــــك هــــــذا
كم مـــــن مجاهدين شـــجعان سقطوا من درجاتهم ( الروحية ) العالية
لمـــــــــا جحدوا هذه العناية ؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق