الاثنين، 17 يوليو 2017

الميمر السادس والعشرون ( كامل ) ــ ميامر مار اسحق ـ الجزء الثالث

الميمر السادس والعشرون


المعرفة على دربين .
معرفة تتقدم الإيمان و معرفــة تتولـد منه ،
فالمتقدمــة عليـــــه هى المعرفة الطبيعيــة ،
والمتولــدة  منـــــه هى المعرفة الروحانية .



المعرفة الطبيعية :
المعرفة الطبيعية هــي التي تفصـــل الخير من الشر ، وتسمى إفرازاً  طبيعياً ،
                    وبها نعرف بالطبع الخير من الشر من غـــير تعليم وتوجيه ،
إذ وضــعها الله فــــي الطبيعة الناطقـــة ،
وهى تنمـــــــــو وتزيد بالتعليم والتلقين ،
ولا يوجد أحــد ليــس له هــذه الملكـــة .


والمعرفة  الطبيعية للنفس الناطقة :
تجعلها قادرة على تمييز الخير مــــن الشر المتحرك فيها دائماً ،
والفاقــــدون لهــــا هــم أدنــى مــــن مرتبة الطبيعة الناطقـــــة .


أما المالكـــــون إيــــــــــــــاها فهـــم قائمــون باســـتقامة الطبع الروحانى ،
ولم يفســـد منهـــم الشــــيء الـــذي أعطى من الله إكراماً للطبيعة الناطقة .
أما الذين ضيعوا هذا التمييز الفاصل للخير من الشر ،
فإن النبى يعبر عنه قائلاً :
" الإنسان إذا كان فى كرامة ولم يفهمها ،
يقاس بالبهائم التي لا علم لها ويشبه بها " ( مز 17:48) ،
فكرامة  الطبيعة الناطقة هو الإفراز المميز للخير من الشر ،
ومن المناسب أن يشبه الذين أضـــــــاعوه بالبهـــــــــــــائم ،
التي لا عقـــــل لهــــا ولا نفس ناطقــــــة ممـــــــــــــــــيزة .


وبالمعرفة الطبيعية يمكنا أن نجد طــريق الله ،
وبهـــــــا يقــــدر الإنسان أن يؤمــــــــــــــن ،
فقوة الطبيعة
تشهد بأنه يليق بالإنسان  الإيمان بمبدع الكل إلى الوجــــــــود ،
                               وبأقواله ووصاياه ، ويعمل بموجبها .


المعرفة الروحانية :
فمن الإيمان يتولـــــــد خـــــــوف اللــــــه ، ومن تبع رسومه ( أى وصاياه )
                                                     وتـــدرج فى  العمـــــل بهـــــــا ،
               تتولد فيه المعرفة الروحانية .
هذه التي قلنا أنها تتولد من الإيمان ولكنه ليــــــس الإيمــــــــان الســـــطحى ،
                                            بــــل الإيمـــان الذى يلــــد مخافـــــة الله ،
                                            وأن تبدأ مخافة الله عملها ( فى الإنسان ) .


عمل مخافة الله :
ومـــن عمل مخافة الله تولـــد المعرفة الروحانية ،
والإيمــــان ينتـــــــــج فينـــا الخـــــــــــــــــــوف ،
والخوف يدفعنــــا إلى التوبة والعمـــــــــــــــــــل .


وعلى هذه الحال دخل ( خوف الله ) إلى الإنســـــــــــــــــــــان ،
وأنعم عليه بالمعرفة الروحانية التي هي الإحساس بالسرائر ،


كما قال القديس يوحنا  الذهبى الفم :
إنه متى اقتنى الإنسان إرادة حسب خوف الله ،
والعقل المستقيم ، فإنــــــه بسهولة يحظى باستعلان الخفايا التي يعنى بها :
المعرفة الروحية ، علما بأن مخافة الله فى ذاتها لا تولد المعرفة الروحانية ،
                      لأنهــــــا ليســـــــت فى طبيعـــــــــــة الإنســـــــــــــــــان ،
لــــــــــــــــــــــذا لا يمكـــن أن تتولــــــد منها المعرفة الروحانيـــــــــــــــة ،
                     إنمــــــــا تعــــطى إنعـــــاماً لعمــــــل مخـــــــــــــــافة الله .


وإذا ما فحصت جيداً عن عمل مخافة الله تجد أنه :
التوبـــــة والمعرفة الروحـــــــــــانية التـــي ذكرناها ههنا ،
وهي التي قلنــــــا أولاً ( فى بدايــــــة الميمـر الســـــابق )
إننـــــــــا قبلنـــــا عربونهــــــــــــــــا فـــــــي المعمـــودية ،
وإننـــــــا نقبـــــل  نعمتها وموهبتها بواسطة التوبــــــــــة .


          وهــــذه الموهبة التي قلنا إننــــــــا نأخذها  بواســـطة التوبــــة  ،
            هــــي المعرفة الروحانية الـــــتي تعطى إنعاماً لعمل مخافة الله .


والمعرفة الروحانية هى الإحساس بالخفـــــــــايا ،
ومتى أحس الإنسان بهذه الأمور التي لا تبصـــر  -
وهى فاضلة وجليلة جداً وتسمى روحانية المعرفة –
        فإنه يتولد من الإحساس بها إيمــــــان آخر ،
وهـــو ليس ضد الأول بل مثبت له ويؤكـــــده ،
والآباء يسمونه إيمان المشاهدة ( أى الرؤية ).


ومن ثم ندخل مرحلة جديدة ،
إذ ينتهى السمع ويكون نظر ،
والنظر مؤكـــــد عن السمع .
  إن هـــــذه كلهـــــــا إنمــــا تتولــــد مــن المعـــــــــرفة الموجـــــــــــــــــودة في الطبيعـة ،
( أى المعرفة الطبيعية السابق الحديث عنها ) الفاصــــــــلة الخـــــــــــــــــــير من الشـــــــر ،
  وهى زرع الفضيلة الصـــــــــــــــالح كمــا قلنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ،
 ومتى حجبنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا هـذه المعرفـــة الطبيعية بإرادتنا العاكفة على اللـذات ،
   فإننا نفقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد هــذه الخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيرات .


ويتبع هذه المعرفة الطبيعية  :
وخـــــــز دائم من الضمير ،
وذكــــــر دائم للمــــــوت ،
وهم الخـــــــروج مــن العـــــــــــــــــــالم والعقـــــــــــاب الأبـــــدى ،
مع حزن وكآبة بسبب الذنوب الســـــالفة واجتهـــــــــاد مناســـــب ،
وخوف الله ، وحيــــــاء الطبــــــــــــــع ، وتذكر الطريق المشـتركة ،
( أى الموت وهو طريق البشر جميعــاً ) والاهتمـــــــــام بــــــــــــه ،
والطلب من الله ببكاء لكي يكون الدخول من هذا الباب نعم الدخول ،
وهو الذى تعبره كل الطبيعة ( البشرية ) ،
والاســــــــــــــتهانة بالعـــــــــــــــــالم ،
وحرص وجهادات كثيرة لأجل الفضيلة .


إن هذه كلها موجــــــــــــــــــــــودة في المعرفة الطبيعية ،
فليمــــــــيز الإنســـان أعمـــــــــاله ويقيســــها عليهــــا ،
ومتى وجــد أنه يســـــــــــــــــــــــير بمقتضـــــــــــــاها ،
فهـــــــــــــو ســــــــــــــــــــــــالك في طريق الطبيعــــة ،
ثم مــــــــتى  تسامى عنها ووصل إلى المحبـــــــــــــــة ،
فإنــــــــــــه يرتفـــــــــــــــــــــــع على الطبيعـــــــــــــة ،
ويزول عنه جهـــــاد الخـــــوف ، والشـــــــــــــــــــقاء ،
             والتعـــــــــــــــــــــــب في كل الأمـــــــــــور .


فليميز الإنسان ذاته فى هذه الحالات ،
ويقـيــــس أمــــوره ( ليعلــــــم ) فى أى منها يســــــــــــــير ،
        هل يسير فيما هو للطبيعة ،
أم فى التي فــــــــــــوق الطبـــع ،
أم فى التي هى خارج الطبـــع ؟ فإذا لم توجـــــد يا هـــــــذا ،
         في الأمور الطبيعيــــــة التي حــددناهــــــــــــــــــــا ،
ولا فى التي فوق الطبيعــــــــــة فمن البين الظاهر أنك منبوذ
        وفي الحـــــــــــــــــــالة التي بخـــــــــلاف الطبــــــع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق