الاثنين، 17 يوليو 2017

الميمر السابع والعشرون ( كامل ) ــ ميامر مار اسحق ـ الجزء الثالث

الميمر السابع والعشرون


لا توجــــد فكرة صالحة تخطر على القلب إلا وتكون من النعمـــــــــــــة الإلهيـــــة .
ولا يوجد فكــر خبيــث يدنــو من النفس إن لم يكن على سبيل التجربة والامتحان .



الإنســان الذى عــرف ضعفه وعجــــــزه قد وصــل إلى أقصى الاتضــــــــــــــــاع .


مـــــــا يجـــذب نعم الله إلى  الإنســـــان ،
هــــــو الشـــكر النابــع من القـــــــــلب ،
          شـــــــكر الله على الـــــــــدوام .


والـــــذي يجـــــلب التجــارب عـــــلى النفـــــــــــس ،
هـــــــو التذمــــــر الصــــــادر مــــن القـــــــــــــــلب دومــــــــــــاً ،
لأن الله له المجـــد يحمـــــــــل كــــل ضـــــــــــــــعف الإنســــــان ،
لكنـــــه لا يحتمل إنســــــــــاناً يتذمر دائمــــــــاً دون أن يؤدبـــــه ،
والنفس البعيـــــــــدة عــــــن إشراق المعرفة توجد فى هذه الحال .


فـــــم يشــــــكر دائمـــــــــــاً يقبـــل البركـــــــــــة  من اللـــــــــه .
وقلب يلازم الحمــــد والشكر تحـــل فيـــــــــــــــــه النعمـــــــــــة .


الاتضــــاع يســــــبق النعمـــــــــــــــــــــــــــة ،
والكبرياء يســــــبق التــــــــــــــــــــــــــأديب .
             فالمتكــبر بسبب عمله يسقط ضميره في التجـــــــــــــــــديف ،
            والمتبجح بفضيــــلة العمــــل يســقط في الزنـــــــــــــــــــــــــــا .
             والمرتفع بحكمتـــــــــــــــــه يســـقط في فخاخ الجهل المظلمة .
             الإنســان البعيد عن ذكــر الله كليـــة يلهو بإيقاع السوء بقريبه .
الذي يذكر الله يكرم كل إنسان ،
ويجد معونـــة  من كل إنسان بإشارة خفية من الله .

المدافع عن المظلوم يجد الله ناصراً محـــارباً عنه .

     من أعان قريبـــــــــه يعينــــــــــــه الله بذراعــه .
    ومن سب أخـــاه بسبب رذيلته يسبه الله ويبكتــه .

     من أرشد أخاه وقومه في خزانته ( أى قلايته ) على انفراد فإنه يعالج شره الخاص ،
 أما من بكت وهجاً إنساناً في مجمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع فإنما يزيـــــد جراحــــاته .

   ومن شــفى أخــــــــــــــــــــاه ســــــــــراً أظـــــــــــهر قوة  محبته ،
  ومن فضحه في أعين رفقائه ، وأصدقائه  فقد دل على قوة حســده .

        محب يبكـــــــت ويؤنب ســــــــــــــــــــــــراً هــــو طبـــــيب حكيــــــــم ،
وأما  الــذي يعالـــــــــــج أخاه أمام أعين كثيرين ،  فهو مستهزئ ومعير حقاً .

     علامة الرحمـــــــــــــة والشـــــــــــــــفقة مغفــــــــــــرة كل ذنــــــــب  .
   وعلامة الـــــــــــــــرأى والضمير الرديء تضارب كلامه عن المـــذنب  .

 المؤدب لأجل العـــــلاج  فهو يــــؤدب بمحبـــة ليقـــــــود إلى  الصحـــــة ،
أما الملتمس الانتقـــــــام فهو عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار من المحبــــــة .

فالله إنما يؤدب بمحبة لا على سبيل الانتقام – وحـــــــاشا أن يكون كذلك –
                            لأنـــه يطلب شـــــفاء صـــــــــورته
                          ( أى الإنسان لأنه على صورة الله )،
                           ولا يوقــــع الغضــــب ســـــــــريعاً .

صـــــديق حكيـــــــــــــــــــــم بـــار يشـبه اللــــــــــــــــــــــه ،
لا يؤدب إنساناً لأجل الانتقام عـــن زلتــه وشـــــــــــــــــــره ،
بــــــــل غرضه إرشــــــــاده   و  تقويمه أو إخافة آخــــرين ،
وإن لم يكــــن التــــــــأديب عـــلى هذا المنوال فليس بتأديب ،
وهــــو ( أى الحكيم البار ) يكون مثل أيقونة يصـــــــــــــور فيه روح الله الأزلى .

الذي يريد أن يقيـــم العــــدل ويظن  أن الله منتقــــــــــــــم ،
فإنه يشـــــــــــــــيع عنــــه عدم الجود والصـــــــــــــلاح ،
   وحاشـــــــــــــــــــــا أن يكون ينبوع المحبـــــــــــــــة ،
 والبحر المملوء صلاحاً ، ميالاً للانتقــــــــــــــــــــــــــام ،
لأن قصــــــــــــــــــــــــده هــــو تقويم النـــاس فحــــسب .

وهو يستخدم الانتهار والتأديب فى تقويمنا لئلا تبطل كرامة الحرية ( التي للإنسان )
لأنه إذا ما فعلنا الصلاح بسلطان حريتنـــا نالت ( طبيعتنا ) الناطقة بهجــــة وجــــه .

ولهذا أيضاً نســـــجد لعظـــــم صـــلاحه ، لأنه يريـــــــــــــــــد أن يفرح  بأعمالنا الواجبة علينا ،
ورغم أن كل شيء هو من صلاحــــــه ، ومن عنده ( نناله ) ، إلا أنه يريد أن يحســـبه كأنه لنا .

مـــن يفعل الخير من أجل الجــزاء العتيــد أن يكــــون فــإنه بسرعة ينقلب .

الذي تدهشـــــــه قــــــــوة معرفتـــــــــه ، وبنظــــــر محبة الله يتعجــــب ،
هذا لو قطع جسده فإنه لا يتشامخ بفكره ، ولا يحيـد عــــن الفضيلة أبــــدًا.

الذي يســـتنير عقله بأفضال الله علينا ، فهذا نزل إلى عمق الاتضاع بنفســـه وجســـده ،
لأن المـــــرء قبـــل الدنـــو من المعـــــــــــــــــــــرفة فإنه يتردد بين الصعود والهبوط ،
أما إذا دنــــــــا منهـــــــــا فإنه يســـــمو كل وقـــت ،
ولكن إرتقاءه فى  المعرفة لا يكتمل إلى أن يأتى  دهر المجد ( أى الدهر الآتى ) فيأخذ كل غناه .

فالإنســان حسب كمـــاله أمام الله بمقـــــــــدار ما يأخــــــــــــــذ من غنــــــــــاه ،
وفــــــــــي العالم الحقيــــــقي يريـــــه وجهه – لا ذات أزليته – لأن الأبـــــــرار ،
وإن كانوا يبلغون إلى مشاهدته وهم بالجسد ، إلا  أنهم لا يبلغون صورته تماماً ،
بـــــــــل ينظرونهـــــا خفيـــــاً ، كالصـــــورة التي تتشــــــــــكل فى المـــــــرآة .
وأمــــا هناك فينظــــرون اســـتعلان الحــــق على حقيقتـــــــــــــــــــــــــــــــــه .

النـــار المشتعلة فى الحـطب اليابــس تنطفئ بصــعوبة ،
كـــذلك حــــــــــــــرارة اللـــــــــــــــه لا يخمد اضطرامها فى قلب الذي هجر العالم ،
                                              لأنهــــــــــــــــــــــا أشــــــد من قــــوة النار .

إذا وصلت قوة الخـمر إلى الأعضـــــــــــــــــــــــــــاء ينسى العقـــــــــــــــــــــل حقائق الأمــور ،
كــــــــــذلك ذكــر اللـه إذا ما تأسس وثبت فى النفس  يبيــد من القلب كل ذكر الأشياء المنظورة .

عقــــل وجــــد حكمـــــــــة الروح  ، كإنسان استقل سفينة معدة للإبحار ،
لأنــــه إذا اســـــتقلها وســـــارت ، قطعت به بحـــر هـــــــــــــذا العـالم ،
                                          وأوصلته إلى جزيرة العـــالم الجديد .

هكـــــــــــذا الإحساس بالأشياء المزمعة ( أى التـــي في الدهر الآتى )
فالإنســـــان فى العالم كجزيرة صـــــــغيرة في البحر من دنا منهـــــــا
فلن يقاسى هول الأمـــــــواج الــــــــــــتي هي أوهام هذا الزمــــــــان .

التاجــــر إذا ما أكمل عمله وتممه ، فإنـه يسرع مجتهداً  فـي المضى إلى مـــــــــــــــنزله ،
والراهب إذا كـان يعــــــــــــــــــوزه زمان للعمـــــــــــل ، يحـــــــــزن أن يفــارق جســـمه ،
ولكــــن إذا أحس أنه قد حان الوقت وأخذ العربــــــــون ، فهو يشتاق إلى العالم الجـــــديد .

   مادام التاجر في البحــــــــــــــــر فالخوف مستحوز عليـــــــــه لئلا تعلو الأمواج فيغرق ،
                                                      ويخيب أمله فى عمله .
والراهب مادام في بحر هذا العالم ، فالخوف مستول على سيرته لئلا تثب عليـــــه أذيــــــــــه ،
                                                       فيهــلك ما عمــــــله منذ الشباب حتى الشيخوخة .

التاجــــر عينيه إلي الــــــــبر ،
والراهب يرمق ساعة الموت .

عندما يمخر البحــار عباب البحر ينظر للنجــــــوم ، ويسير حســــــــــــــبما تـــــــــــدله ،
                                                               ويوجه سفينته للوصول إلى الميناء ،
            والراهــــــــــــــــــــــب ينظر إلى الصلاة لأنهـــــــــــــــــا تشــــــــــــــــــــدده ،
           وتوجه سيره للمينــــاء الذي يقصــــــده .

كمثل النوتي الذى يتزود ويوجه سفينته إلى جزيرة أخــــــرى .
هكذا الراهب فى هــــــذه الحيــــــــــــاة ،
فهو ينتقل من جزيرة إلى جزيرة أعنى من معرفة إلى معرفة .

كمـــا أن في تعدد الجزائر يصادف معارف  متعددة ، حتى يصعد من بحر العالم ،
وبسعيه يصل إلى المدينة الحقيقية  التي يكف القاطنــون فيهـــا عن الحـــــركة
والسير إذ أن كل واحـــــد يســـــــــــتريح بســـــــــــبب ثرائـــه .

طــــــــوبى لمن يسير بغير اضطراب فـــي العالم العظيــــــــــم ،
                                             وفــي هذا البحر الخضــم .

سعيد حقاً الذي لا ينكسر مركبــــــه ويصل ببهجة إلى  الميناء .

الســـــــــــــباح يغوص فى البحــــــر عارياً حتى يجــــــــــــــــــد اللؤلــــــــؤة ،
والراهب الحكيم يســير فى هذه الدنيا عارياً إلى أن يصادف فيها الدرة الحقيقية التي هي يسوع المسيح ،
                 وإذا وجدهـــــــــــــــــا فـــلن يقتني معهــا شـــيئاً من الموجودات .

       الجـوهر يصان في الخـــــــــــــزائن ،
ونعيم الراهب داخـــــــل السكون والهدوء .

  إن العـذراء لتتـــــــأذى بالمجــــــــــــــــــامع والمحــــافل ،
وفكر الراهـب يضــــــار بالحديث مع الكثيرين ومن رؤيتهم .

      الطــــائر يترك كل مكان ويسرع إلى وكــــــــــــره ليفــــــــــــــرخ ،
     والراهب ذو الإفراز يبــــــــــــادر إلى قلايته ليصنع فيها ثمر الحياة .

    الحيـــــة إذا رضض كل جسمها ، تحفـــظ رأســــها وحــــــــــــــــده ،
   والراهب الحكيم يحــــــــــــرص ، ويصون إيمــــانه – في كل تصرف  -
                                                         لأنـــــــــه هو مبدأ حياته .

الســــــــــــحاب يغطي الشمس ،
والأقوال الكثيرة تبلبل النفس التي أشرفت على الاستنارة بصور الصلاة .

              الطائر الذى يقال له أدريبوس يسر ويفرح – حسب قول الحكماء –
                     عندما ينعزل عن المنــــاطق المأهــــولة ، ويمضي إلى مكان قفر ويسكن  فيه ،
هكذا نفس الراهب تقبل الفرح السمائى حين تبتعد عن الناس وتمضي وتسكن فى بلدة الســكون ،
                                                                           وتتوقع هنـــاك وقــــــــت خروجها .

ذكـــر عن الطائر المعروف بالسيرين أن كل من ســــمع صــــوته وتغريده ،
يسبى من حلاوة صوته وينســــاق وراءه ، وينسى حياته فيعطب ويهــــلك ،
      وهذا يشبه أمر النفس متى حــــــلت فيها الحلاوة السمائية ،
فإنها من عذوبة لحن أقوال الله التي تصل إلى الإحساس العقلى
فإنها تمضـــــــــــى بجملتهـــــــــــا وراءه حتى تنسى حياتهـــــا الجسدانية ،
ويتخلص الجسد من شهواته ، وتسمو ( النفس ) عن هذه الحياة إلى الله .

حياة العالم لذيذة ، ولكن ليس كمثل الذى يبتعد عنها شهوة فى الله .

 الشجرة إن لم تلق أولاً الورق العتيق فلن تــــــــــــــــأتي بأغصان جـــــــــــــــــدد ،
والراهب إن لم يلق من قلبــــــــــــــه ذكر الأمــــــــــــور الأولـــــى الســــــــــــــابقة ،
         ويبتعـــد عن كل لقـــــــــاءات فلن يقدم ليسوع المسيح له المجد أثماراً جديدة .

الهـــــــــــــــــــــواء  ينضج الأثمـــــــــار ،
والاهتمام بأمور الله ينضج أثمار النفس .

                اللؤلؤة – رغم أنها جسم - فإنهـــا تتولد من الصدفة عند تقابلها بالهواء – كما هو معروف ،
ولا ينال قلب الراهب عزاء كثمرة لعمله إلى أن يقبل المادة السمائية بواسطة الأفكـــــــار الواعية .
                                                          ( حسب فكر ذلك الزمان ).

        أثمار الشجر تكون غضة ومرة المذاق ولا تصلح للمـــأكل حتى تقع فيها الحلاوة من الشمس ،
كذلك أعمال التوبة مرة غضة جداً وليـــــــس فيها عزاء للراهـب حتى تقع فيها حلاوة الثــــــاؤريا ،
                      وتنقـــــــــل القــــــــــــــلب مــن الأرضـــــــيات وينسى ذاتــــــــــــــــــــــــــــــــه .

الراهب إذا انكب على شرب كأس المجد البــاطل ، فهو يشرب حياته ذاتها ،
        ولا يحس بالضرر من العــذوبة الحـــــادثة في تـــــلك الســـــــاعة .

         مديح العلمانيين ( للراهب ) هو صخــــرة غير ظاهرة في البحـر ،
        ولا يعــلم بهـــــا البحـــــار إلى  أن تصطدم بها ســــــــــــــــفينته ،
        وتثقبها مــــــن أســــــــفل فتمتلئ ماء .

       وهكذا يفعل المجد الباطل – حسب قول الآباء –
      إذ به تعود كل الشهوات إلى النفس دفعة واحدة  حتى تلك التي قهرت وخرجت .

سحابة صغيرة تحجب قرص الشمس ، ( وبعد انقشاع ) تلك السحابة تكون الشمس حارة جداً ،
فضجر يســير يلحــــق بالنفــــــــــــــــس وبعـــــــــــــــــــــــــــــــــده يكون          فرح عظيم .

حــــــــــــلاوة الكلام من غـــــــــــير أعــــــــــــمال  لا تنفــــــــــــــــــــــــع ،
                لأنــــه إذا كانت أفعال الإنسان بعيـدة عنها يكون خزيه شديداً .

لا يمكن أن يشرب الإنسان خمــــــــــــــــراً ولا تفوح الرائحة من فيــه ،
هكـــــــــــــــــــــذا الإنسان الـــــذي استحق النيــــاح الروحـــــــــــاني ،
لأجل ســـــــــيرته فــــــإن تغـــــيير أمـــوره يظهـــر لحكماء القـــــلب .

الـــذي قبل الزرع السمائي ، يتغير كلامــه ، ويتغير ضــــــــــــــميره ،
وتتغير سيرته واحساساته أي يتغير في كل شــــيء عن بقية الناس ،
ويكون كنائــــــــــــــــــــم اســـــــــــتيقظ ، وانتبــه من نومـــــــــــه .

لا تقترب من الأسرار الموجــــــــــــودة في الصحف ( أي الكتب ) الإلهية ،
بــــــدون الصــــــلاة ، وإلتماس معونة من اللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ،
بل قل : " يـــــارب جــــــــــــــــــــــــد عليَّ بإحساس القوة الموجودة فيها " .

أعتقد أن الصـــلاة هي مفاتيح المفاهيم الحقيقية المدونة في الكتب الإلهية .

إذا أردت الدنـــــو من الله بقلبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك ،
           اظهـــــر له أولاً شوقك بتركك الأمور الجسدانية ،
                          فهذه بداية السيرة لأنهــا عظيمــــــة .

يكـــــون دنــــــو القلب من الله عظيماً عندما تعيش معوزاً إلى ما تدعــــــــو إليــــــه الحاجة ،
                                                    والاكتفاء بنوع واحد من الغذاء ، وبإتباع الأعمال ،
                                                    وقد جعل الرب هذا أســــــــــــاساً للكمـــــــــــــــال .

أعلم أن البطالة بدايــــــة ظلمة النفــــــــــــــس ،
وهي بالكـــــلام تــــــزداد ظلمة على ظلمــــــة ، والثاني علة الأول .
وأقوال المنفعة إذا كانت بغير نظام تصنع ظلمة .

إن النفـــــــس تتمـزق من كثرة الكـــــــــــــــــــــــلام ،
                  حتـــــــــى لو كان غرضها خوف الله .

ظلمة النفس تتولد مــــن سوء تنظيم السيرة ، وعدم الـــــــــــــــترتيب ،
أمــــــــــــا الســــــــــــير نحو القصد بمعيـــار ومقدار ، فينيران القلب ،
                                                         ويزيلان التخبــــــــــــط .

تخبط الذهن الناجم من سوء النظام يصنع ظلمة في النفس ،
                         والظلمـــــــــــة تجلب الكـــــــــــــــــدر .

السلام ينتج من حسن النظام والــــــــــــــــــــــترتيب ،
والنور يتولد في النفــــــس من الســـــــــــــــــــــــلام ،
ومــن النــــــور يتولد في العقل الشعور الصافي النقي .

بمقــــــــدار اقتراب القلب من الحكمة ، يقبـــل الفـــــــــرح باللـــــه ،
والفرق بين حكمة الروح ، وحكمـــــــة العالم تحسه في نفســــــك ،
ففــــــــــــي حكمة الروح يســــــــتولي على نفســــك الصـــــــــمت ،
وأما فــــي حكمة العالم فتفيــــــــــض معها ينابيع طياشة التبجح .

وعندما توجد الحكمة الأولي تمتلئ النفس إتضاعاً كثيراً ووداعة ، ويمتلك السلام على الأفكار ،
                                  وتهدأ أعضــــاؤك من التخبـــــــــــــــط والتعـــــــــدي على النظام ،
                                 وعند وجود الحكمة الثانية يتشامخ الفكر ،
                                 وتكون فيه آراء وظنون مختلفــــــــــة ومعـــــــــــاني لا توصــــف ،
                                 وتصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلف ووقاحــــــــــة الحـــــــواس .                           

لا تظن أن إنساناً مرتبط بأمور جسدانية تكون له دالة قدام الله .

النفس الشحيحة تعدم الحكمــــــــــــــــة ،
وأمــا الرحيمــة فتنال حكمة من الروح .
وكما أن الزيت يغذي ضــــوء المصــــــباح ،
هكــــذا الرحمة تغذي المعرفة داخل النفس .

مفتاح دخول المواهب الإلهيـــة إلــــى القـــــــــــــــــــــــلب هو محبة الغريب .

محبة القريب حسنة ، وممدوحة إن لم يصرفنا الاهتمام بها عن محبة الله .

كقدر إنفكـــــاك القلب من رباط الجسد ،
كقدر ما ينفتح قدامه باب المعــــــرفة .

عبور النفــــــــــــس من عالم إلى عالم هو بإقبالها على الفهم .

محادثة الإخوة الروحانيين لشيء عـذب إن نحن حرصنا أيضاً على المحادثة مــــــــــع الله ،
وجيـــد هـــــو الاهتمـــــــام بهـــــــــــــا مادامت تحـــــــــــــث على ما هــــــو واجــــــــــب ،
على ألا ننشغل بها عن العمل الخــــــفي ،
                  ولا عن السيرة المكتومة ،
والحديث الدائــــــــم مـــــــــــع اللــــه لأن عدم ثبات الثاني ( أي المفاوضة الدائمة مع الله )
                                              هو بســــــبب الأولى ( أي الاهتمــــــــــــــــــام بالغير ) .

والعقــل يعجـــــــــــــــــــز عن الانشغال بالاثنـــــــــــــــــــــــــين .
إذا كان التحدث الدائـــــــــم مع الاخوة الروحانيين يؤذي النفس ،
فـــإن التشويش يلحقهــــا من جراء الحديث مع العلمــــــانيين ،
الذين هجرتهم لأجل الله ، لأن مجرد النظـــــر إليهم يؤذيهــــــا .


من يريد قطــــــف المســـــــــــرة من ســــــلام الفكـــــــــــر بالعمل الخــــــفي ،
فــــــــإن مجرد سماع الأصوات دون التطلع ( لمصدرها ) يزعج هدوء القلب .

   الإماتة الداخلية لا تتـــــــــــــــــم دون إبطال عمل الحواس
   فتدبير السيرة الجسمانية يلزمه إنهاض الحــــــــــــــواس ،
أما تدبير السيرة الروحانية فيحتاج ليقظة القلب وانتبـــــاهه .

كما أن النفس بطبيعتها أفضـــــــل من الجســـــــــــــــــد ،
فهكذا عملهــــــــــــــــا أفضــــــــل من عمــــــــــــــــــله .

وفي القديم تقدمت خلقة الجســــــد على النفخة ( تك 2 )
              هكذا الأعمال الجسدية تتقدم العمل الروحاني .

       العمل البســــــــــــــــــــــــــــــــيط الدائم لعظيم القــــوة ،
إذ أن قطرة الماء السائلة الهيئة الدائمة تثقب الصخرة الصماء .

إذا ما دنا نهوض الإنسان الروحاني داخلك ، فإن الموت عن كل الأمور يسري فيك ،
           وتشتعل في نفسك حرارة السرور التي لا مثيل لها لــــــــــدى المخلوقين ،
        ولا تطيش أفكـارك باللـذة الموجودة في قلبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك .

أما إذا بدأ العالم يسري فيك حينئذ تكـــثر طياشة الأفكار ،
                                  وفقدان محبة الســـــــــكون ،
وأنـــا أعني بالعالم الشهوات التي يولدها الافتخــــــــــار .

     والطياشة إذا مــــــا ولدت وكملت صارت خطايا تقتل الإنسان ،
     ولا تتكون شــهوات بدون تشــــــــــــامخ القـــــــــــــــــــــلب .

كما انه لا يولد بنــــــــين مــــن غير أم ،
هكـــذا لا تولد الشهوات مــــن غير طياشة الأفكـــار ،
      ولا تكمل خطيــــــة بدون التفكير في الشهوات .
إذا ما ازداد الصــــــبر في نفوسنا فهذا دليــــــل على أننا قد أخذنا نعمة العزاء خفية ،
       وقوة الصـــــبر أشد قــــوة مــن المعونة الصادرة من فــــــــــرح القـــــــــلب .

الحياة بالله هـــــي ســــــقوط الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــواس وخمولهـــــــــــا .
والقلب إذا مـــــــا عاش ( أي نهض ) ، خمدت نار الحواس ( والعكس صحيح )
فنشــــوة الحواس موت للقـــــــــــلب لأنها إذا نهضت فهذا دليل موت القلب عن اللـــــــــــه .

لا يستقيم العقــــل بالفضـــــــــــــــائل التــي تصنـــع حبـــــــاً للظهــــــــور بين النــــــــــاس ،
          وذلـــــك لأن الفضيــــــــــلة التــي يصنعها الإنسان وسط آخرين بقصد التبـــــــاهي ،
          لا تقــدر على تطهير النفس لأنهـا تكـــــون عنـــــــد اللــــــــــه عملاً لجلب المكافئة ،
                                             فأمــا التي يفعلها الإنسان بذاتـــــه فتكمل الأمرين معـاً ،
                                           أي أنها تســـــــتدعي الثـــــــــواب ، وتطهر النفـــــــس .

فالخليق بك إذاً الابتعـــــــاد عــــــــن الأول ، و اتبـــــــاع الثاني ،
             لأن من إهمال الثاني الابتعـــــاد عن الاهتمام بالأول ،
           وهذا هو الابتعـــــــاد الواضـــــح عن اللــــــــــــــــــه ،
           وأما الثاني فإنه يكمل مقام الأول دون ممارســـــــــة .

كن ميتا بالحياة لتتحــرر من موتــــــــــــــــــــــــــــــك .
كن ميتا من الكل لتعتــق من العادات التي يمارسونها ،
   لأن لا أحد بلغ الكمال في هـــــــــــــذه الحيـــــــــاة .

مائت صار حياً لما عتق ، إنه حي ( مع اللــــه )
                               لما مات ( عن العالم ) .

المهتم بالأحـــاديث هـــو أممـــــي ( غريـــــب ) عن الله .

الراحة والبطالة هـــــــــلاك للنفـــــــــس ، وهما يؤذيانها أكثر من الشياطين ،
                   لأنه إذا كانت النفس نيرة ومجتهـــــدة في أعمــــال الفضيلة ،
                    فالشـــــياطين لا تقـــدر أن تجـــــــــــــوز إليهــــــــــــــــا .

أما النفس المظلمة فهي بذاتها التي ترشد الشياطين  إليهـــا ،
                        ليكملــــــــــوا فيهــــــــا كل الشــــــرور .

الجسد الضعيف إذا أكرهته على فعل ما يفوق على قـــدرته ،
                    وضعت في النفس ظــــــلاماً على ظـــــلام ،
                    وجلـــــبت عليه تشويشــــــــاً و اضطراباً .

الجسد القوي إن أنت أرحتــــــه من العمــــل ،
فالنفـــــــــس الساكنة فيه تتم فيها كل رزيلة ،
وإذا            طلب الإنســــان الخير بعد ذلك
فسيجد أن فكر الخير الذي كان مستقراً في النفس ،
            قد نُـــــــــــــــــــــزع منهــــــــــــــــــــا .

متى سكرت النفس بســـــرور رجائهـــــــا ، وبالفــــــرح الإلــــــــــــــــهي ،
فالجســــــــــــــم ولو كان ضعيفاً فإنه لا يحس بالأحزان بسبب الفرح بالله ،
                     بل أنه يحتمـــــــل ثقلاً مضــــــــاعفاً ،
                    ولا يكترث لأنه يستريح بتنعم النفس ،
                     بل ويســــــاعدها فيما هي بسبيله .

أيها الأخ إذا بلغت إلى فـــــــــــــرح الـــروح وصــــــــــــــــــنت لســـــــانك ،
           فسيجود الله عليك بنعمة الخشــوع و اتضـــــــــــــاع القــــــــــلب ،
          حــــتى إنك تعاين نفسك غنية بهما ، ويدخلانك إلى فرح الـــــروح .

أما إن غلبك لسانك – فصدقني فيما أقول لـــــــــــــــك –
        إنــــــــــــــك لا تقدر البتة أن تنتشل من الظلام .

إن لــــــــــــــــم يكن لك قلبــاً نقياً ،
فلا أقل من أن يكون لك فما طاهراً .

كما قال الطوباوي يوحنا ذهبي الفم :
إذا أردت أن ترشد انساناً إلى خير يفعـــــــله فـــــأرح جسده أولاً ، و اكرمه بكلام ود ،
لأنـــــــه لاشيء يدخل الحياء إلى الإنسان ، والانتقال من الرذائــــل إلي الفضــــــائل ،
                                                       مثـــــل الإحســــــــانات الجســــــــــدية ،

والإكرام الذي يراه منك ...

هذا هو المؤثر الأول .
أمـــــا المؤثر الثاني ، فهو حرصــــــــــــــــك على صلاح نفسك ،
  لأن مــــــن حفظ نفســه بالصـــــــــــــــلاح ، والاحــــــــتراس ،
       فهــــو يجذب رفيقه إلى الحياة بسهولة دون وعظ بالكلام .

التهاون والانحلال لا يضران صاحبهما فقـــط ،
                      بــــل أيضا ناظريه وخـلانه ،
أما الإنســـــــان الـــذي يجذب رفقاءه بصــــــلاح أفعـــاله ،
                    يكون بذلك سبباً لعمل الخير والغيرة منه ،
                   وأيضاً ينهــــض المتراخون بمنظــــــره ،
                    فـــلا أحد يقدر على وصف عظم أجــره ،

لأن الســـــكوت مــــع العمـــــــــــــــــــــل لهـــو أقوى لتقويم الآخرين ،
                  مــــن كلام الوعظ لتبكيت من هو منحل الســــــــــيرة ،
                 لأنـــك إذا مــــــــــــــــــــا قومــت نفســـــــــــــــــــــك ،
                 فــــإن منفعـة رفيقـــــــك منـــك ليســـــت بقليــــــــلة .

بمقــــــدار مـــا يدخل الإنسان إلى الجهاد مــــن أجــــــــــــل الله ،
بمقـــــدار مـــا يصير لقلبــــــــــه دالــــة فــــــي صـــــــــــــلاته ،
مادامت هناك أشياء كثيرة ينجــــــــذب الإنسان إليهـــــــــــــــا ،
          فإنـه يحـــــــــرم تمامــــــــــــاً مـــــــن المعونة الإلهية .

النفس الهادئة لا تكثر الاهتمام بالجسد ،
                وتكون خلجاتها بسكون .

كـــــــن حراً بالجســـــــــد تؤهـــــــــل للحرية بالروح .

كـــــــن ملتزمـــــــــــــــــاً بحريتــــك ،
لئــــلا تكون مربوطاً بنير العبوديــــة لأعــــــــــداءك .

إن كنت من أول وهـــــــــــــــــلة قد تقـــــــــــــدمت ،
فاظهـــر في نفسك مثالاً للإنتقال من الحياة الزمنية ،
        وذلك بالسلوك بالسكون .

فإنــــك تكون مائتاً حقاً إذا أظهرت علامات إبطال الاهتمـام بكل شـــــيء ،
                                مثلمــــا ســــــــــــــــــــــــــيحدث عند المـــوت .

لا تحــــزن لإصـــــــابات ومؤذيات الجسد ،
        لأن الموت سيأخذ كل ذلك منـــــك ،
         فلا تهــــــــــرب من المـــــــــوت ،
                             لأنك بواســــطته ســـتتفوق عليه ،
                             هكذا رأي اللـــــــــــــــــــــــــــــه .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق