الميمر السابع والعشرون
لا توجــــد فكرة صالحة تخطر على القلب إلا وتكون من النعمـــــــــــــة الإلهيـــــة .
ولا يوجد فكــر خبيــث يدنــو من النفس إن لم يكن على سبيل التجربة والامتحان .
الإنســان الذى عــرف ضعفه وعجــــــزه قد وصــل إلى أقصى الاتضــــــــــــــــاع .
مـــــــا يجـــذب نعم الله إلى الإنســـــان ،
هــــــو الشـــكر النابــع من القـــــــــلب ،
شـــــــكر الله على الـــــــــدوام .
والـــــذي يجـــــلب التجــارب عـــــلى النفـــــــــــس ،
هـــــــو التذمــــــر الصــــــادر مــــن القـــــــــــــــلب دومــــــــــــاً ،
لأن الله له المجـــد يحمـــــــــل كــــل ضـــــــــــــــعف الإنســــــان ،
لكنـــــه لا يحتمل إنســــــــــاناً يتذمر دائمــــــــاً دون أن يؤدبـــــه ،
والنفس البعيـــــــــدة عــــــن إشراق المعرفة توجد فى هذه الحال .
فـــــم يشــــــكر دائمـــــــــــاً يقبـــل البركـــــــــــة من اللـــــــــه .
وقلب يلازم الحمــــد والشكر تحـــل فيـــــــــــــــــه النعمـــــــــــة .
الاتضــــاع يســــــبق النعمـــــــــــــــــــــــــــة ،
والكبرياء يســــــبق التــــــــــــــــــــــــــأديب .
فالمتكــبر بسبب عمله يسقط ضميره في التجـــــــــــــــــديف ،
والمتبجح بفضيــــلة العمــــل يســقط في الزنـــــــــــــــــــــــــــا .
والمرتفع بحكمتـــــــــــــــــه يســـقط في فخاخ الجهل المظلمة .
الإنســان البعيد عن ذكــر الله كليـــة يلهو بإيقاع السوء بقريبه .
الذي يذكر الله يكرم كل إنسان ،
ويجد معونـــة من كل إنسان بإشارة خفية من الله .
المدافع عن المظلوم يجد الله ناصراً محـــارباً عنه .
من أعان قريبـــــــــه يعينــــــــــــه الله بذراعــه .
ومن سب أخـــاه بسبب رذيلته يسبه الله ويبكتــه .
من أرشد أخاه وقومه في خزانته ( أى قلايته ) على انفراد فإنه يعالج شره الخاص ،
أما من بكت وهجاً إنساناً في مجمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع فإنما يزيـــــد جراحــــاته .
ومن شــفى أخــــــــــــــــــــاه ســــــــــراً أظـــــــــــهر قوة محبته ،
ومن فضحه في أعين رفقائه ، وأصدقائه فقد دل على قوة حســده .
محب يبكـــــــت ويؤنب ســــــــــــــــــــــــراً هــــو طبـــــيب حكيــــــــم ،
وأما الــذي يعالـــــــــــج أخاه أمام أعين كثيرين ، فهو مستهزئ ومعير حقاً .
علامة الرحمـــــــــــــة والشـــــــــــــــفقة مغفــــــــــــرة كل ذنــــــــب .
وعلامة الـــــــــــــــرأى والضمير الرديء تضارب كلامه عن المـــذنب .
المؤدب لأجل العـــــلاج فهو يــــؤدب بمحبـــة ليقـــــــود إلى الصحـــــة ،
أما الملتمس الانتقـــــــام فهو عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار من المحبــــــة .
فالله إنما يؤدب بمحبة لا على سبيل الانتقام – وحـــــــاشا أن يكون كذلك –
لأنـــه يطلب شـــــفاء صـــــــــورته
( أى الإنسان لأنه على صورة الله )،
ولا يوقــــع الغضــــب ســـــــــريعاً .
صـــــديق حكيـــــــــــــــــــــم بـــار يشـبه اللــــــــــــــــــــــه ،
لا يؤدب إنساناً لأجل الانتقام عـــن زلتــه وشـــــــــــــــــــره ،
بــــــــل غرضه إرشــــــــاده و تقويمه أو إخافة آخــــرين ،
وإن لم يكــــن التــــــــأديب عـــلى هذا المنوال فليس بتأديب ،
وهــــو ( أى الحكيم البار ) يكون مثل أيقونة يصـــــــــــــور فيه روح الله الأزلى .
الذي يريد أن يقيـــم العــــدل ويظن أن الله منتقــــــــــــــم ،
فإنه يشـــــــــــــــيع عنــــه عدم الجود والصـــــــــــــلاح ،
وحاشـــــــــــــــــــــا أن يكون ينبوع المحبـــــــــــــــة ،
والبحر المملوء صلاحاً ، ميالاً للانتقــــــــــــــــــــــــــام ،
لأن قصــــــــــــــــــــــــده هــــو تقويم النـــاس فحــــسب .
وهو يستخدم الانتهار والتأديب فى تقويمنا لئلا تبطل كرامة الحرية ( التي للإنسان )
لأنه إذا ما فعلنا الصلاح بسلطان حريتنـــا نالت ( طبيعتنا ) الناطقة بهجــــة وجــــه .
ولهذا أيضاً نســـــجد لعظـــــم صـــلاحه ، لأنه يريـــــــــــــــــد أن يفرح بأعمالنا الواجبة علينا ،
ورغم أن كل شيء هو من صلاحــــــه ، ومن عنده ( نناله ) ، إلا أنه يريد أن يحســـبه كأنه لنا .
مـــن يفعل الخير من أجل الجــزاء العتيــد أن يكــــون فــإنه بسرعة ينقلب .
الذي تدهشـــــــه قــــــــوة معرفتـــــــــه ، وبنظــــــر محبة الله يتعجــــب ،
هذا لو قطع جسده فإنه لا يتشامخ بفكره ، ولا يحيـد عــــن الفضيلة أبــــدًا.
الذي يســـتنير عقله بأفضال الله علينا ، فهذا نزل إلى عمق الاتضاع بنفســـه وجســـده ،
لأن المـــــرء قبـــل الدنـــو من المعـــــــــــــــــــــرفة فإنه يتردد بين الصعود والهبوط ،
أما إذا دنــــــــا منهـــــــــا فإنه يســـــمو كل وقـــت ،
ولكن إرتقاءه فى المعرفة لا يكتمل إلى أن يأتى دهر المجد ( أى الدهر الآتى ) فيأخذ كل غناه .
فالإنســان حسب كمـــاله أمام الله بمقـــــــــدار ما يأخــــــــــــــذ من غنــــــــــاه ،
وفــــــــــي العالم الحقيــــــقي يريـــــه وجهه – لا ذات أزليته – لأن الأبـــــــرار ،
وإن كانوا يبلغون إلى مشاهدته وهم بالجسد ، إلا أنهم لا يبلغون صورته تماماً ،
بـــــــــل ينظرونهـــــا خفيـــــاً ، كالصـــــورة التي تتشــــــــــكل فى المـــــــرآة .
وأمــــا هناك فينظــــرون اســـتعلان الحــــق على حقيقتـــــــــــــــــــــــــــــــــه .
النـــار المشتعلة فى الحـطب اليابــس تنطفئ بصــعوبة ،
كـــذلك حــــــــــــــرارة اللـــــــــــــــه لا يخمد اضطرامها فى قلب الذي هجر العالم ،
لأنهــــــــــــــــــــــا أشــــــد من قــــوة النار .
إذا وصلت قوة الخـمر إلى الأعضـــــــــــــــــــــــــــاء ينسى العقـــــــــــــــــــــل حقائق الأمــور ،
كــــــــــذلك ذكــر اللـه إذا ما تأسس وثبت فى النفس يبيــد من القلب كل ذكر الأشياء المنظورة .
عقــــل وجــــد حكمـــــــــة الروح ، كإنسان استقل سفينة معدة للإبحار ،
لأنــــه إذا اســـــتقلها وســـــارت ، قطعت به بحـــر هـــــــــــــذا العـالم ،
وأوصلته إلى جزيرة العـــالم الجديد .
هكـــــــــــذا الإحساس بالأشياء المزمعة ( أى التـــي في الدهر الآتى )
فالإنســـــان فى العالم كجزيرة صـــــــغيرة في البحر من دنا منهـــــــا
فلن يقاسى هول الأمـــــــواج الــــــــــــتي هي أوهام هذا الزمــــــــان .
التاجــــر إذا ما أكمل عمله وتممه ، فإنـه يسرع مجتهداً فـي المضى إلى مـــــــــــــــنزله ،
والراهب إذا كـان يعــــــــــــــــــوزه زمان للعمـــــــــــل ، يحـــــــــزن أن يفــارق جســـمه ،
ولكــــن إذا أحس أنه قد حان الوقت وأخذ العربــــــــون ، فهو يشتاق إلى العالم الجـــــديد .
مادام التاجر في البحــــــــــــــــر فالخوف مستحوز عليـــــــــه لئلا تعلو الأمواج فيغرق ،
ويخيب أمله فى عمله .
والراهب مادام في بحر هذا العالم ، فالخوف مستول على سيرته لئلا تثب عليـــــه أذيــــــــــه ،
فيهــلك ما عمــــــله منذ الشباب حتى الشيخوخة .
التاجــــر عينيه إلي الــــــــبر ،
والراهب يرمق ساعة الموت .
عندما يمخر البحــار عباب البحر ينظر للنجــــــوم ، ويسير حســــــــــــــبما تـــــــــــدله ،
ويوجه سفينته للوصول إلى الميناء ،
والراهــــــــــــــــــــــب ينظر إلى الصلاة لأنهـــــــــــــــــا تشــــــــــــــــــــدده ،
وتوجه سيره للمينــــاء الذي يقصــــــده .
كمثل النوتي الذى يتزود ويوجه سفينته إلى جزيرة أخــــــرى .
هكذا الراهب فى هــــــذه الحيــــــــــــاة ،
فهو ينتقل من جزيرة إلى جزيرة أعنى من معرفة إلى معرفة .
كمـــا أن في تعدد الجزائر يصادف معارف متعددة ، حتى يصعد من بحر العالم ،
وبسعيه يصل إلى المدينة الحقيقية التي يكف القاطنــون فيهـــا عن الحـــــركة
والسير إذ أن كل واحـــــد يســـــــــــتريح بســـــــــــبب ثرائـــه .
طــــــــوبى لمن يسير بغير اضطراب فـــي العالم العظيــــــــــم ،
وفــي هذا البحر الخضــم .
سعيد حقاً الذي لا ينكسر مركبــــــه ويصل ببهجة إلى الميناء .
الســـــــــــــباح يغوص فى البحــــــر عارياً حتى يجــــــــــــــــــد اللؤلــــــــؤة ،
والراهب الحكيم يســير فى هذه الدنيا عارياً إلى أن يصادف فيها الدرة الحقيقية التي هي يسوع المسيح ،
وإذا وجدهـــــــــــــــــا فـــلن يقتني معهــا شـــيئاً من الموجودات .
الجـوهر يصان في الخـــــــــــــزائن ،
ونعيم الراهب داخـــــــل السكون والهدوء .
إن العـذراء لتتـــــــأذى بالمجــــــــــــــــــامع والمحــــافل ،
وفكر الراهـب يضــــــار بالحديث مع الكثيرين ومن رؤيتهم .
الطــــائر يترك كل مكان ويسرع إلى وكــــــــــــره ليفــــــــــــــرخ ،
والراهب ذو الإفراز يبــــــــــــادر إلى قلايته ليصنع فيها ثمر الحياة .
الحيـــــة إذا رضض كل جسمها ، تحفـــظ رأســــها وحــــــــــــــــده ،
والراهب الحكيم يحــــــــــــرص ، ويصون إيمــــانه – في كل تصرف -
لأنـــــــــه هو مبدأ حياته .
الســــــــــــحاب يغطي الشمس ،
والأقوال الكثيرة تبلبل النفس التي أشرفت على الاستنارة بصور الصلاة .
الطائر الذى يقال له أدريبوس يسر ويفرح – حسب قول الحكماء –
عندما ينعزل عن المنــــاطق المأهــــولة ، ويمضي إلى مكان قفر ويسكن فيه ،
هكذا نفس الراهب تقبل الفرح السمائى حين تبتعد عن الناس وتمضي وتسكن فى بلدة الســكون ،
وتتوقع هنـــاك وقــــــــت خروجها .
ذكـــر عن الطائر المعروف بالسيرين أن كل من ســــمع صــــوته وتغريده ،
يسبى من حلاوة صوته وينســــاق وراءه ، وينسى حياته فيعطب ويهــــلك ،
وهذا يشبه أمر النفس متى حــــــلت فيها الحلاوة السمائية ،
فإنها من عذوبة لحن أقوال الله التي تصل إلى الإحساس العقلى
فإنها تمضـــــــــــى بجملتهـــــــــــا وراءه حتى تنسى حياتهـــــا الجسدانية ،
ويتخلص الجسد من شهواته ، وتسمو ( النفس ) عن هذه الحياة إلى الله .
حياة العالم لذيذة ، ولكن ليس كمثل الذى يبتعد عنها شهوة فى الله .
الشجرة إن لم تلق أولاً الورق العتيق فلن تــــــــــــــــأتي بأغصان جـــــــــــــــــدد ،
والراهب إن لم يلق من قلبــــــــــــــه ذكر الأمــــــــــــور الأولـــــى الســــــــــــــابقة ،
ويبتعـــد عن كل لقـــــــــاءات فلن يقدم ليسوع المسيح له المجد أثماراً جديدة .
الهـــــــــــــــــــــواء ينضج الأثمـــــــــار ،
والاهتمام بأمور الله ينضج أثمار النفس .
اللؤلؤة – رغم أنها جسم - فإنهـــا تتولد من الصدفة عند تقابلها بالهواء – كما هو معروف ،
ولا ينال قلب الراهب عزاء كثمرة لعمله إلى أن يقبل المادة السمائية بواسطة الأفكـــــــار الواعية .
( حسب فكر ذلك الزمان ).
أثمار الشجر تكون غضة ومرة المذاق ولا تصلح للمـــأكل حتى تقع فيها الحلاوة من الشمس ،
كذلك أعمال التوبة مرة غضة جداً وليـــــــس فيها عزاء للراهـب حتى تقع فيها حلاوة الثــــــاؤريا ،
وتنقـــــــــل القــــــــــــــلب مــن الأرضـــــــيات وينسى ذاتــــــــــــــــــــــــــــــــه .
الراهب إذا انكب على شرب كأس المجد البــاطل ، فهو يشرب حياته ذاتها ،
ولا يحس بالضرر من العــذوبة الحـــــادثة في تـــــلك الســـــــاعة .
مديح العلمانيين ( للراهب ) هو صخــــرة غير ظاهرة في البحـر ،
ولا يعــلم بهـــــا البحـــــار إلى أن تصطدم بها ســــــــــــــــفينته ،
وتثقبها مــــــن أســــــــفل فتمتلئ ماء .
وهكذا يفعل المجد الباطل – حسب قول الآباء –
إذ به تعود كل الشهوات إلى النفس دفعة واحدة حتى تلك التي قهرت وخرجت .
سحابة صغيرة تحجب قرص الشمس ، ( وبعد انقشاع ) تلك السحابة تكون الشمس حارة جداً ،
فضجر يســير يلحــــق بالنفــــــــــــــــس وبعـــــــــــــــــــــــــــــــــده يكون فرح عظيم .
حــــــــــــلاوة الكلام من غـــــــــــير أعــــــــــــمال لا تنفــــــــــــــــــــــــع ،
لأنــــه إذا كانت أفعال الإنسان بعيـدة عنها يكون خزيه شديداً .
لا يمكن أن يشرب الإنسان خمــــــــــــــــراً ولا تفوح الرائحة من فيــه ،
هكـــــــــــــــــــــذا الإنسان الـــــذي استحق النيــــاح الروحـــــــــــاني ،
لأجل ســـــــــيرته فــــــإن تغـــــيير أمـــوره يظهـــر لحكماء القـــــلب .
الـــذي قبل الزرع السمائي ، يتغير كلامــه ، ويتغير ضــــــــــــــميره ،
وتتغير سيرته واحساساته أي يتغير في كل شــــيء عن بقية الناس ،
ويكون كنائــــــــــــــــــــم اســـــــــــتيقظ ، وانتبــه من نومـــــــــــه .
لا تقترب من الأسرار الموجــــــــــــودة في الصحف ( أي الكتب ) الإلهية ،
بــــــدون الصــــــلاة ، وإلتماس معونة من اللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ،
بل قل : " يـــــارب جــــــــــــــــــــــــد عليَّ بإحساس القوة الموجودة فيها " .
أعتقد أن الصـــلاة هي مفاتيح المفاهيم الحقيقية المدونة في الكتب الإلهية .
إذا أردت الدنـــــو من الله بقلبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك ،
اظهـــــر له أولاً شوقك بتركك الأمور الجسدانية ،
فهذه بداية السيرة لأنهــا عظيمــــــة .
يكـــــون دنــــــو القلب من الله عظيماً عندما تعيش معوزاً إلى ما تدعــــــــو إليــــــه الحاجة ،
والاكتفاء بنوع واحد من الغذاء ، وبإتباع الأعمال ،
وقد جعل الرب هذا أســــــــــــاساً للكمـــــــــــــــال .
أعلم أن البطالة بدايــــــة ظلمة النفــــــــــــــس ،
وهي بالكـــــلام تــــــزداد ظلمة على ظلمــــــة ، والثاني علة الأول .
وأقوال المنفعة إذا كانت بغير نظام تصنع ظلمة .
إن النفـــــــس تتمـزق من كثرة الكـــــــــــــــــــــــلام ،
حتـــــــــى لو كان غرضها خوف الله .
ظلمة النفس تتولد مــــن سوء تنظيم السيرة ، وعدم الـــــــــــــــترتيب ،
أمــــــــــــا الســــــــــــير نحو القصد بمعيـــار ومقدار ، فينيران القلب ،
ويزيلان التخبــــــــــــط .
تخبط الذهن الناجم من سوء النظام يصنع ظلمة في النفس ،
والظلمـــــــــــة تجلب الكـــــــــــــــــدر .
السلام ينتج من حسن النظام والــــــــــــــــــــــترتيب ،
والنور يتولد في النفــــــس من الســـــــــــــــــــــــلام ،
ومــن النــــــور يتولد في العقل الشعور الصافي النقي .
بمقــــــــدار اقتراب القلب من الحكمة ، يقبـــل الفـــــــــرح باللـــــه ،
والفرق بين حكمة الروح ، وحكمـــــــة العالم تحسه في نفســــــك ،
ففــــــــــــي حكمة الروح يســــــــتولي على نفســــك الصـــــــــمت ،
وأما فــــي حكمة العالم فتفيــــــــــض معها ينابيع طياشة التبجح .
وعندما توجد الحكمة الأولي تمتلئ النفس إتضاعاً كثيراً ووداعة ، ويمتلك السلام على الأفكار ،
وتهدأ أعضــــاؤك من التخبـــــــــــــــط والتعـــــــــدي على النظام ،
وعند وجود الحكمة الثانية يتشامخ الفكر ،
وتكون فيه آراء وظنون مختلفــــــــــة ومعـــــــــــاني لا توصــــف ،
وتصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلف ووقاحــــــــــة الحـــــــواس .
لا تظن أن إنساناً مرتبط بأمور جسدانية تكون له دالة قدام الله .
النفس الشحيحة تعدم الحكمــــــــــــــــة ،
وأمــا الرحيمــة فتنال حكمة من الروح .
وكما أن الزيت يغذي ضــــوء المصــــــباح ،
هكــــذا الرحمة تغذي المعرفة داخل النفس .
مفتاح دخول المواهب الإلهيـــة إلــــى القـــــــــــــــــــــــلب هو محبة الغريب .
محبة القريب حسنة ، وممدوحة إن لم يصرفنا الاهتمام بها عن محبة الله .
كقدر إنفكـــــاك القلب من رباط الجسد ،
كقدر ما ينفتح قدامه باب المعــــــرفة .
عبور النفــــــــــــس من عالم إلى عالم هو بإقبالها على الفهم .
محادثة الإخوة الروحانيين لشيء عـذب إن نحن حرصنا أيضاً على المحادثة مــــــــــع الله ،
وجيـــد هـــــو الاهتمـــــــام بهـــــــــــــا مادامت تحـــــــــــــث على ما هــــــو واجــــــــــب ،
على ألا ننشغل بها عن العمل الخــــــفي ،
ولا عن السيرة المكتومة ،
والحديث الدائــــــــم مـــــــــــع اللــــه لأن عدم ثبات الثاني ( أي المفاوضة الدائمة مع الله )
هو بســــــبب الأولى ( أي الاهتمــــــــــــــــــام بالغير ) .
والعقــل يعجـــــــــــــــــــز عن الانشغال بالاثنـــــــــــــــــــــــــين .
إذا كان التحدث الدائـــــــــم مع الاخوة الروحانيين يؤذي النفس ،
فـــإن التشويش يلحقهــــا من جراء الحديث مع العلمــــــانيين ،
الذين هجرتهم لأجل الله ، لأن مجرد النظـــــر إليهم يؤذيهــــــا .
من يريد قطــــــف المســـــــــــرة من ســــــلام الفكـــــــــــر بالعمل الخــــــفي ،
فــــــــإن مجرد سماع الأصوات دون التطلع ( لمصدرها ) يزعج هدوء القلب .
الإماتة الداخلية لا تتـــــــــــــــــم دون إبطال عمل الحواس
فتدبير السيرة الجسمانية يلزمه إنهاض الحــــــــــــــواس ،
أما تدبير السيرة الروحانية فيحتاج ليقظة القلب وانتبـــــاهه .
كما أن النفس بطبيعتها أفضـــــــل من الجســـــــــــــــــد ،
فهكذا عملهــــــــــــــــا أفضــــــــل من عمــــــــــــــــــله .
وفي القديم تقدمت خلقة الجســــــد على النفخة ( تك 2 )
هكذا الأعمال الجسدية تتقدم العمل الروحاني .
العمل البســــــــــــــــــــــــــــــــيط الدائم لعظيم القــــوة ،
إذ أن قطرة الماء السائلة الهيئة الدائمة تثقب الصخرة الصماء .
إذا ما دنا نهوض الإنسان الروحاني داخلك ، فإن الموت عن كل الأمور يسري فيك ،
وتشتعل في نفسك حرارة السرور التي لا مثيل لها لــــــــــدى المخلوقين ،
ولا تطيش أفكـارك باللـذة الموجودة في قلبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك .
أما إذا بدأ العالم يسري فيك حينئذ تكـــثر طياشة الأفكار ،
وفقدان محبة الســـــــــكون ،
وأنـــا أعني بالعالم الشهوات التي يولدها الافتخــــــــــار .
والطياشة إذا مــــــا ولدت وكملت صارت خطايا تقتل الإنسان ،
ولا تتكون شــهوات بدون تشــــــــــــامخ القـــــــــــــــــــــلب .
كما انه لا يولد بنــــــــين مــــن غير أم ،
هكـــذا لا تولد الشهوات مــــن غير طياشة الأفكـــار ،
ولا تكمل خطيــــــة بدون التفكير في الشهوات .
إذا ما ازداد الصــــــبر في نفوسنا فهذا دليــــــل على أننا قد أخذنا نعمة العزاء خفية ،
وقوة الصـــــبر أشد قــــوة مــن المعونة الصادرة من فــــــــــرح القـــــــــلب .
الحياة بالله هـــــي ســــــقوط الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــواس وخمولهـــــــــــا .
والقلب إذا مـــــــا عاش ( أي نهض ) ، خمدت نار الحواس ( والعكس صحيح )
فنشــــوة الحواس موت للقـــــــــــلب لأنها إذا نهضت فهذا دليل موت القلب عن اللـــــــــــه .
لا يستقيم العقــــل بالفضـــــــــــــــائل التــي تصنـــع حبـــــــاً للظهــــــــور بين النــــــــــاس ،
وذلـــــك لأن الفضيــــــــــلة التــي يصنعها الإنسان وسط آخرين بقصد التبـــــــاهي ،
لا تقــدر على تطهير النفس لأنهـا تكـــــون عنـــــــد اللــــــــــه عملاً لجلب المكافئة ،
فأمــا التي يفعلها الإنسان بذاتـــــه فتكمل الأمرين معـاً ،
أي أنها تســـــــتدعي الثـــــــــواب ، وتطهر النفـــــــس .
فالخليق بك إذاً الابتعـــــــاد عــــــــن الأول ، و اتبـــــــاع الثاني ،
لأن من إهمال الثاني الابتعـــــاد عن الاهتمام بالأول ،
وهذا هو الابتعـــــــاد الواضـــــح عن اللــــــــــــــــــه ،
وأما الثاني فإنه يكمل مقام الأول دون ممارســـــــــة .
كن ميتا بالحياة لتتحــرر من موتــــــــــــــــــــــــــــــك .
كن ميتا من الكل لتعتــق من العادات التي يمارسونها ،
لأن لا أحد بلغ الكمال في هـــــــــــــذه الحيـــــــــاة .
مائت صار حياً لما عتق ، إنه حي ( مع اللــــه )
لما مات ( عن العالم ) .
المهتم بالأحـــاديث هـــو أممـــــي ( غريـــــب ) عن الله .
الراحة والبطالة هـــــــــلاك للنفـــــــــس ، وهما يؤذيانها أكثر من الشياطين ،
لأنه إذا كانت النفس نيرة ومجتهـــــدة في أعمــــال الفضيلة ،
فالشـــــياطين لا تقـــدر أن تجـــــــــــــوز إليهــــــــــــــــا .
أما النفس المظلمة فهي بذاتها التي ترشد الشياطين إليهـــا ،
ليكملــــــــــوا فيهــــــــا كل الشــــــرور .
الجسد الضعيف إذا أكرهته على فعل ما يفوق على قـــدرته ،
وضعت في النفس ظــــــلاماً على ظـــــلام ،
وجلـــــبت عليه تشويشــــــــاً و اضطراباً .
الجسد القوي إن أنت أرحتــــــه من العمــــل ،
فالنفـــــــــس الساكنة فيه تتم فيها كل رزيلة ،
وإذا طلب الإنســــان الخير بعد ذلك
فسيجد أن فكر الخير الذي كان مستقراً في النفس ،
قد نُـــــــــــــــــــــزع منهــــــــــــــــــــا .
متى سكرت النفس بســـــرور رجائهـــــــا ، وبالفــــــرح الإلــــــــــــــــهي ،
فالجســــــــــــــم ولو كان ضعيفاً فإنه لا يحس بالأحزان بسبب الفرح بالله ،
بل أنه يحتمـــــــل ثقلاً مضــــــــاعفاً ،
ولا يكترث لأنه يستريح بتنعم النفس ،
بل ويســــــاعدها فيما هي بسبيله .
أيها الأخ إذا بلغت إلى فـــــــــــــرح الـــروح وصــــــــــــــــــنت لســـــــانك ،
فسيجود الله عليك بنعمة الخشــوع و اتضـــــــــــــاع القــــــــــلب ،
حــــتى إنك تعاين نفسك غنية بهما ، ويدخلانك إلى فرح الـــــروح .
أما إن غلبك لسانك – فصدقني فيما أقول لـــــــــــــــك –
إنــــــــــــــك لا تقدر البتة أن تنتشل من الظلام .
إن لــــــــــــــــم يكن لك قلبــاً نقياً ،
فلا أقل من أن يكون لك فما طاهراً .
كما قال الطوباوي يوحنا ذهبي الفم :
إذا أردت أن ترشد انساناً إلى خير يفعـــــــله فـــــأرح جسده أولاً ، و اكرمه بكلام ود ،
لأنـــــــه لاشيء يدخل الحياء إلى الإنسان ، والانتقال من الرذائــــل إلي الفضــــــائل ،
مثـــــل الإحســــــــانات الجســــــــــدية ،
والإكرام الذي يراه منك ...
هذا هو المؤثر الأول .
أمـــــا المؤثر الثاني ، فهو حرصــــــــــــــــك على صلاح نفسك ،
لأن مــــــن حفظ نفســه بالصـــــــــــــــلاح ، والاحــــــــتراس ،
فهــــو يجذب رفيقه إلى الحياة بسهولة دون وعظ بالكلام .
التهاون والانحلال لا يضران صاحبهما فقـــط ،
بــــل أيضا ناظريه وخـلانه ،
أما الإنســـــــان الـــذي يجذب رفقاءه بصــــــلاح أفعـــاله ،
يكون بذلك سبباً لعمل الخير والغيرة منه ،
وأيضاً ينهــــض المتراخون بمنظــــــره ،
فـــلا أحد يقدر على وصف عظم أجــره ،
لأن الســـــكوت مــــع العمـــــــــــــــــــــل لهـــو أقوى لتقويم الآخرين ،
مــــن كلام الوعظ لتبكيت من هو منحل الســــــــــيرة ،
لأنـــك إذا مــــــــــــــــــــا قومــت نفســـــــــــــــــــــك ،
فــــإن منفعـة رفيقـــــــك منـــك ليســـــت بقليــــــــلة .
بمقــــــدار مـــا يدخل الإنسان إلى الجهاد مــــن أجــــــــــــل الله ،
بمقـــــدار مـــا يصير لقلبــــــــــه دالــــة فــــــي صـــــــــــــلاته ،
مادامت هناك أشياء كثيرة ينجــــــــذب الإنسان إليهـــــــــــــــا ،
فإنـه يحـــــــــرم تمامــــــــــــاً مـــــــن المعونة الإلهية .
النفس الهادئة لا تكثر الاهتمام بالجسد ،
وتكون خلجاتها بسكون .
كـــــــن حراً بالجســـــــــد تؤهـــــــــل للحرية بالروح .
كـــــــن ملتزمـــــــــــــــــاً بحريتــــك ،
لئــــلا تكون مربوطاً بنير العبوديــــة لأعــــــــــداءك .
إن كنت من أول وهـــــــــــــــــلة قد تقـــــــــــــدمت ،
فاظهـــر في نفسك مثالاً للإنتقال من الحياة الزمنية ،
وذلك بالسلوك بالسكون .
فإنــــك تكون مائتاً حقاً إذا أظهرت علامات إبطال الاهتمـام بكل شـــــيء ،
مثلمــــا ســــــــــــــــــــــــــيحدث عند المـــوت .
لا تحــــزن لإصـــــــابات ومؤذيات الجسد ،
لأن الموت سيأخذ كل ذلك منـــــك ،
فلا تهــــــــــرب من المـــــــــوت ،
لأنك بواســــطته ســـتتفوق عليه ،
هكذا رأي اللـــــــــــــــــــــــــــــه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق