الميمر الخامس عشر ( 6 )
رسالة
إلى أخ
محب للسكوت
ــ كيف يحتال الشيطان بحجة محبة القريب لتعطيل الحريص عن مداومة السكوت .
ــ و أنه على المتوحد رفض كل الأشياء لأجل معرفة اللـــه
التي لا يمكن الحصول عليها إلا في السكون مثل الآباء القدماء.
من أجل أني أعرفك أيهـــا الأخ محبــاً للســكون
و الشــيطان يعرقــلك بوسـائل كثـــــيرة
و يعرضها عليـــــك على أنهــــا عمـــــل خــــير ، لأنه يعـــرف
قصـــــــد ضمـــــــــــــــيرك
و يريد أن يشتتك عن هذه الفضيلة (أي حياة
السكون )التي تحوي كل خير وكثير الهبات .
فأنا إيها الأخ الفاضل مثل
عضـو مـع صاحبه أبيِِّن لضميرك الحسن كلمة منفعة :
من أناس حكماء في هـــــــــذا التدبـــــــــــــير ؛
و من كتب
الآباء و ما اكتسبته بالخبرة أقول لك :
إن لـــــــــــــــم يســـتهن الإنســـان بالكرامــــة و الهــــوان مــن أجـــل
الســـــكون
و يصـــبر عـــلى التعـــيير و الهـــزء و الخســـــارة حتـــى الضــــــــرب
و الســــخرية
و يظن بــــــــــه كل ناظريه أنه أحمق و تائه فإنه لا
يقدر أن يقتني خيرات الســكون .
لأنه إن فتــح بــــــاب قلايتــــه مــرة واحــدة لإنسان
لسبب ما
فالشيطان لا يهدأ من أن يحضر إليه أناس
بأسباب كثيرة مع لقاء دائم ليس له عدد .
فمن أجل هذا يا أخي: إن كنـــــت تحــــــب للغــــــاية تـــــــدبير
الســـــــــكون
فهذا ليــس فيه سجس و لا تنقـل و لا
يتخــلله انقطـاع
( أي مستمر) هــــذا الــــذي بـــــه
غــــلب الأولــــــون .
و هكذا
تستطيع أن تتمــم شــهوتك الممـــدوحة هــذه ، حتــى تتشـــــبه بآبـــــــائك
لتكــــــن سيرتهم مرسومة في عقلك ، هؤلاء الذين
أحبوا السكون بالتمــــام
فلـــــــم يهتموا بمحبة القريب خشية من انحلال
نفوسهم فلم يقابلوا الوجهـاء
و مـــــن يظــن بهــم أنهــم أصحــاب كرامــة و هكــذا كانـــوا في
ســــكوتهم
و لـــــم يكونوا بهذا يهينون إخوتهم ، لذا لم
يلومهم الحكماء و أصحاب المعرفة
كانـــــوا يكرمون السكوت و الانفراد أفضل من لقاء
الناس .
الإنسان الذي تعلم بالخبرة وذاق حلاوة سكون
القلاية
فليـس احتقــاراً لأخيـه أن يفـــر مـــن لقـائه
بل لأنه يود أن يقطف من ثمر السكون كل يوم .
فلأي حال كان الآباء يفرون !!؟
و إن كان يلاقي كان حاداً مثل السيف في لقــائه
فلا يسلم على انسان اذا لقيه و هو خارج قلايته .
فلا يسلم على انسان اذا لقيه و هو خارج قلايته .
و القديس أرسانيوس :
ما كــــان يســــلم عــلى الــذين يجيئــــون إليـــــــه
ما كــــان يســــلم عــلى الــذين يجيئــــون إليـــــــه
فواحــــد من الآبــاء ذهــب مــرة لــيرى أرســانيوس ،
و قد فتح له الشيخ بابه حيث انه كان يظن
أنه تلميذه
و إذ
أبصر أنه ليس هو طرح الشيخ نفسه على وجهه ،
وأن هـــذا الآخــــــر طلب منه كثيراً أن يقوم ليسـلم
عليــه عند الباب فقـط و يمضي ،
فأجابه القديس و قال : " لن أقوم حتى
تنصرف " و لم يقم إلا بعد أن مضي هذا الأخ ".
و لقد فعــل الطوباني هـــذا حتى لا يعتـــادوا المجــيء إليه .
و لقد فعــل الطوباني هـــذا حتى لا يعتـــادوا المجــيء إليه .
انظــــــــر قـوة الكلمة
و لا تظـــن أن الشيخ أبى أن يفتـح له
احتقـــــاراً ، فهو لـــم يكن يحقر واحداً و يكرم آخر ،
بل كــــان كل الناس عنده سواء و ذلك من أجل كرامة الســكون و الصــمت.
ذهـب إليه مـرة و معـه و الي البلاد شوقـاً لنظره فلم يريحهم و لا بكلمـة صغـيرة اعتبـاراً لمقامهم إذ
كانا مشتاقين لسماع كلامه
و عندمـا طـلب منه رئيـس الأسـاقفة أن
يحدثهما سـكت الشيخ قليلاً ثم أجابهما قائــلا ً:
" حيث يبلغكم أن ثم أرسانيوس فلا
تتقدموا إليه " .
أرأيت كم يستحق هذا الشيخ الإعجاب ،
أرأيت زهده حتى في توقيره للناس هذا هو حقاً
الذي يعرف كيف يقطف ثمرة السكون
فلـم يفكر القديس في أنه أمام رجل ذو شرف
ورئيس الكنيسة كلها فهــو كان يفكــر :
أني مت عن العالم تماماً فما
منفعة الميت للأحياء .
و لقد لامه على هذا ملامة ممتلئة حباً الطوباوي مقاريوس حيث قال له :
" لمــــاذا تفـــر منــا ؟
" أجابه القديس إجابة ممــدوحة :
" الله يعلم أني أحبكم و لكن لا
أقدر أن أكون مع الله و مع الناس " .
و مرة أخرى بعث إليه رئيس الأساقفة من أجل هذا
( أي من أجل أن يســمح له بزيــــارته )
فبعث إليه الشيخ قائلاً :
" إن أنـــت
جئت فأنا أفتــــح لـــك
و إن فتحـــــت لــك فسأفتح للكل
و إن أنا فتحت لكل
النــــــــــاس
فما أقـدر أن أجلـس ههنـا " .
إن
هذا الكلام الحكيم لم يتلقنه من آخر بل علمه إياه صوت الهي :
" أرساني فر من الناس و أنت تحيا "
.
و لا يتجاسر إنسان من المتكاسلين لحب التحدث مع الآخرين على ترديد هذا الكــــلام
بل أنه حقاً تعليم سمائي
و قد قيل له أن يفــــر من النـــاس
ليس
فقط عن الخروج من العالم ،
بل بعد تركه العالم و مجيئه إلي الدير صلي إلي
الله قائـــــلاً :
" يـــــــارب كيف أستطيع أن أحيا و أعيش كما
ينبغي دبرني أنت كيف أحيا و أخلص "
و كان يظن أن يقال له شيء آخر غير الذي سبق أن
سمعه وهو في العالم
لكنه
سمع أيضـــاً صـــوت الهـــي رد عليه قائلاً له هذه الكلمــة :
" أرساني فر و
اصمت و اسكن
و إن كان منظر الإخـــوة ( أي الرهبـــان ) و حديثهـــم نافعـاً جـداً
فأنـــــت لا ينفعك أن تعمل معهم مثلما
تنتفع من الانفراد عنهم " .
و حـــيث أن الطوباني قد قبـــل الإعــلان الإلهـــي الــذي
قــــال له
أولاً و هــو في العالم و أمره أن يفر و أنه بعد أن
يقتني الحياة الفاضلة
إلا
بالفـــرار مـن العلمـــــانيين و مـن كل النـــاس على الســواء ،
لأنه لا يمكن أن يبطل و يعـــارض كلام الله .
و الأنبا أنطونيوس قيل له بإعلان :
" إن
كنت تريد أن تكون في السكون فلا تذهب إلي طيبه إلي البرية الداخلية ".
فـإذا كان
الله أمرنا هكذا أن نفر من الكل و هكذا نحب السكون ،و نحب كل من يثبت فيه.
فمن هو الذي يتحجج لكي يلبث في المفاوضة (
أي الأحاديث ) و القرب من
الناس ،
فـإن الاحتراس
و الانفراد نافع لأنطونيوس و أرسانيوس فكم
يكون أكثر نفعاً للضعفـــــاء !؟
فــإن
كان أولئك الذين يحتاج العالم كله إلي
صلواتهـم و تعاليمهـم و كلامهــــــم و ينتفع من مشاهدتهم ،
قد
كرم الله ثباتهم في السكون أفضل من منفعـة الناس كلهــم
فكــم بالأكـــثر جــــداً مــــن لا يقـــــــــــــــــدر أن يحفظ حتى نفسه
!!
ينبغي على الإنســان أن لا يقبــــــــل أفكار التهاون
ويقول أن هــذا غير ممكــن و يبطــــل الســــــكون ،
فهــــا الطبيعة التي لا تغلب قد غلبها القديســــون
.
نعرف واحــداً مــــن القديســــين مــــرض شقيقــــه
أما هـو فكــان قــد حبـس نفســه في قلايتــه ،
و صـبر كل زمان مـرض أخيه و لم يخرج ليفتقده ،
و صـبر كل زمان مـرض أخيه و لم يخرج
و لما دنا موته بعث إليه قائلاً :
تعالى الآن لأبصــرك قبــــل موتي و لو ليــلاً حتــى أســــلم عليــك و اتنيـــــح
فلم يجبه حتى في هذه الساعة التي فيها تتحرك الرحمة و الشفقة
الطبيعيةو تغلـــــــــــب الإرادة ، و قال في نفسه :
إن خرجت لن يكون قلبي نقياً أمام الله لأني لم
أفتقد بقية الإخوة الروحـــانيين
فهل ما للطبيعة أكثر كرامة مما للمسيح !؟
و مات أخوه و لم يبصره .
لأنه كان يكرم السكوت حسب الوصية التي تقول :
" تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل
نفسك " (مت 22 : 37 )
و الوصيـــــة التي تأمر بحب الأخ أي " تحب قريبك كنفسك " (مت 22 : 39 )
فانــــــك تتم هذه الوصية الإنجيلية
داخل نفسك ( أي ليس بالتعامل الظاهري )
و ذلــــــك عندما تبتعد عنه
فحينئذ تشتعل فيك حــرارة حبـــــه
و تشتاق
إلي منظـــره كمثـــل محبــــة رؤيـــة مـــلاك النــــور .
أتريد أن يتعطش إليك أحباؤك
فليكن نظرك إلي وجوههم في أيام محدودة .
فليكن نظرك إلي وجوههم في أيام محدودة .
و بالحقيقة فان الخبرة تعلم كل شيء .
آمين .
الذهاب الى :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق