الميمر التاسع عشر (1)
ـ المعرفة الحقيقية.
ـ التجارب التي ترشدنا إلي الحق .
تقلب الأفكار
مع تقلب الفكر لا تيأس
:
إن الطبـــع
الناطق ( أي البشري ) معــــــــــرض
للتغـــــــــير دون استثناء ،
لكن تيقن حقيقــة
و يكــون
لنا ـ عندئــــــــــــذ ـ سلام و هدوء لا
يعبر عنه.
فيحــــــــــــدث كثــــــــيراًَ لكل أحــد ، وفـــــــــــــــــــــــي كل الأوقات .
العارف يســـــتطيع أن يتعلم
من التجـــارب التي تعــــــــــرض له كل يـــــــوم ،
فهي تزيده حكمة إن كــــــــــان متحفظاً لذاته
حارساً لما اقتناه )من فضائل)
عندما يتعـــــــــــرض الفكر
للتغير كل يوم ،
فكم ينقلب من هدوئه ، إلي الاضطراب
بغتة ،
دون أن يكون هناك سبب لذلك ،
وقد ( يكون هذا التحول ) أمراً خطيراً جداً لا
يعبر عنه .
وهـــــــــــذه ( الحالات ) كتــب عنهـــا القديس مكاريوس بعناية
شديدة واهتمام
لتذكرة الإخوة وتعليمهم لئلا يميلوا إلي قطــــع
الرجـــــاء ، عند
التغيرات المضادة ،
فالقائمـــــون في مرتبة النقاوة يحدث لهم في بعض الأوقـات عوارض ضــد غرض
وقصــــــــــد نياتهم مثلما يتغير الهواء ،
وهـــــم لم يكونوا متهاونين أو منحلين ، بل كانوا سائرين بحميتهـــــم
،
ويشــــــهد بهذا القديس مرقس عن تجربة حقيقيـــــة دونها
في كتـــاب ،
وهـــــــــذه تثبت حقاً وتزيد التأكيد
لئلا يظــــن أحـــــــد أن ما قــــــاله القديس
مكاريوس في رسالته
كان
كيفما اتفــــــق و ليـــــس عن اختبــار حقيقي ،
وهكــــــذا من
شاهدين حتى يقتنع الفكـــــــــــــــــر بغير تشكك أو تردد ،
ويتعــــــزى وقت الحاجة والضرورة ، قل
:
" إن التغيرات تحدث لكل أحد مثل الرياح "
،
انتبه لقوله " كل أحد "
،
لأن الطبع ( البشري) واحد
فلا تظن أنه يحدث فقط للضعفـــاء الحقــــيرين
وأن الكاملـــين تخلصوا
وتحروا من التغــــــــير
وأنهم قائمون في
حالة واحدة هي عدم التغير
و لا تتحــــرك فيهم
الآلام حسب قول ( أصحاب بدعة ) المصلين .
لأجل هذا أوضح بقوله إنها " لكل إنسان "
.
ما معنى قول القديس :
" في وقت برد وبعد قليل حرارة ؟ "
( ففي وقت التقلبات الجويـــــة )
يكون برداً وبعد قليل صحـــــــــــــــــــو ،
هذا لنمونا ولتعليمنا
وقت قتال ،
ووقــــت معونة من النعمة .
وقت تقع على النفس عواصــــــــف وتتواثــــــب عليها أمواج صعبة ،
ثم يحدث التغـــــــيير ، فتفتقدهما النعمـــــــة
وتمــــــــــلأ القــــــلب فرحـــاً وســـلاماً إلهيـــاً
وأفكــــــــــــــــــــــــاراً عفيفـــــــــــــــة سلامية .
وقـــــــــــــــــــــــــوله " أفكــار عفيفــة سلاميـة "
يشير بوضوح أنها
تحــــــل بــــــــــــــدل الأفكار الحيوانية النجسة التي كانت قبلها ، أنه ينبه بقوله
" إلي أن بعـــــد تــــلك أفكار عفيفـة
سلامية
حتى إذا توالــــــــــت (الأفكار النجســـــــة )على العقل لا نقصر ولا نقطع الرجاء "
.
وفي وقت افتقاد النعمة لا
نفتخر ،
بل في وقت الفرح نتوقــــع الضيقة ،
وقوله " لا نقصر "
إذا ما تكاثرت علينا العوارض ،
لا يعني ألا نقاومها أو
نقبلها بفــــرح الفكر ،
أو قال ذلك كأنه بالنسبة لنا شيء طبيعي ،
بل لكــــي لا نقطع الرجــــاء
مثل إنسان يطمع ويتوقـــــع أن
يكون بلا قتال وفي راحــة
كاملــة
ليس فيهــا تغيـــــــــــــــــير ولم يعد له جهاد ولا تعب و لا معاناة
ولا تحــرك لشـــــــــــــــيء من
الأمور المضادة ،
فهذه ( الحالة ) لم يرد سيدنا أن
يعطيها لطبعنا في هذا العــــالم
حتى لا نتــــــــوقف أبـــــــــــــــــــــداً عـــــــــــــن التعب والجهاد .
إن رأي المنحـــرف يؤدي إلي التراخـــــي بســـــبب قطع
الرجـــاء ،
فتتخلف عن سيرك وسعيك ،
لكن تيقن حقيقــة
أن جميع القديسين قائمـــــــين
فــــــي هذا التعـــــــــــــــب طالما
هم في هذا العالم ،
و يكون لنا عزاء خفياً متزايداً ، ففـــــــي كل يـــــوم ووقـــــت
تظهر حنكة محبتنـــــــــا لله بالجهاد مقابل التجــــــــــــــارب ،
وهذا هو معنى قوله : " لا نحزن "
أي : " لا نقصر وألا نتضجر " في الجهاد ،
" لأن هذا هو ترتيب طريقنا ، والذي يتخلف عن هذا فهو من نصيب الذئاب " .
يا للعجب من قول هذا القديس ،
كيف بكلمة صغيرة حصر هذا الفصل الذي يتردد كثيرا على الذهن ،
و طرد الشك تماماً عن فكر القارئ ، بقوله :
" أن المتخلف عن هذا فهو من نصيب الذئاب ".
أعني يريد الســــلوك في غير طريــق ، فيقـــع تحــت قصـــاص هـذا الحـــــكم ،
أنه يريــــد أن يسلك بمفرده ( أي ) في طريق لم يســر فيه القديسـون و الآباء .
( إن القديس يقول هذا لأنه ) خشية أن تكون بعض الذئاب القديمة مرتدية لباس الحمـــلان كي تخطـــــف بشـــــرورها
النفــــوس التــي تجهــل شــكل الحــق ،
أمــا قـــوله : " في وقــــت الفــرح تنتظــــر الضيــــــــق " ،
فهذا معناه : أنه إذا وقع في نفوسنا بغتة ـ بفعل النعمة ـ خلجات و معاني عظيمة
و دهش النظـــر العقـلي عن الأشــياء التـــي هي فـــــوق الطبـــــع
و دهش النظـــر العقـلي عن الأشــياء التـــي هي فـــــوق الطبـــــع
حسبما قال القديس مكاريوس :
إذا دنا منا الملائكة القديسون يملؤوننا من الرؤى
الروحية
و يهــــــــــــــــــــــــــــــــرب جميــــــــــــــع الأعــــــــداء
ففي الوقت الذي تحدث فيه مثل
هذه الأشياء تكون النعمة قد
حلت ،
والملائكة القديســون ،
محيطـــــــــــون
ولأجل هذا يبتعد عنك جميع المجــربين
فلا تتعظــــم وتظن في نفسك كأنك قد بلغت
المينــــــــــاء غير المضطـرب
والجـــــــــــو غير المتقــلب
وأنـــــك قــــد ارتفعت كليـــاً من و سط هذه ( الأمور)
المحيطة ،
وليس شيء مضـــــــــــــاد ، و لا ريـــــــــــــــــاح متقلبــــــــــة
ولــم يبــــــق عـــــــــــــدو ،
و لن تـــــــــــــلاقي شــيئاً رديئــاً .
إن
الكثيرين ظنوا هكذا فسقطوا في أمور خطرة ،
مثلما قال القديــــــس
نيلــــــس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق