الميمر العاشر ( 5 )
الاتضاع :
ســؤال : ما هي خواص الاتضاع ؟
الجواب : إن الكبريــــاء يشـــتت النفــــس فتطيـــــش في تخيـــــــلات ( كثــــــــيرة ) ،
و من شدة تأثيرها تحملهـا سحابة الأفكار لتطوف بكافة الخلائق ،
و أما الاتضاع فهو ضابط للذات بسـكون الأفكـار و قابض للنفـــس في داخلهــــا .
ــ كما ان النفــــــــــــــــــس ليســت معروفة و لا منظورة لأعين البشر ،
كـذلك المتضـــــــــــــــــع فهــو غير معروف بيــــــــــــن النــــــــــاس .
ــ وكما ان النفـــــــــــــــس مســتترة داخل الجســـد عن النظــر و لا تختلـــط بأحــد ،
هكذا المتضع الحقيقي ، هو لا يشاء فقط ألا ينظره الناس بتواريه و انعزاله عن كل أحد
بــــل و حتى عن نفسه ـ إن أمكن ـ أن يكون منغلقاً و جامعـــاً فكـــــره ،
و يغوص داخل نفســـــه بالســكون التام لحركـــــــاته مع حواســـــــه ،
كأنـــــه غـــير موجــــــود بين الخليقـــة و لا أتــى إلـي الوجـــــــــــــــود ،
و غـــير معـــــروف حتى من نفســه إذا كــــــان موجــــــــــــوداً،
و بمقــــــــــــــدار ما يكون منغلقـــاً عن العــالم مختفياً متوارياً
بقـــــــــــــــــدر ما يكــــون قريبـــــــــــــاً إلي ســـــــــــيده .
صفات المتضع :
المتضع لا يفـــــــــــــرح أبــداً بالجمــــوع ، و لا بكثرة ضوضاء الناس و الضجيـج و الحديث ،
ليحافـــظ عـــــــــلى ســـــــــــــلامة أفكــــــــــــاره ،
و يكون الضمـــــير حامــــــلاً اهتمـــــاماً واحــداً بحركــاته الهـــــادئة .
إن لم يبتعــــــــد الإنســــــــــــــــــــــان عن المحـــــــــــــــــــــادثات
المتضع لا يفـــــــــــــرح أبــداً
و لا بالســعة و بحبوحة (الحياة) ،و لا بالاهتمامات التي تثير الطموح و التشـــتت ،
و لا بالمفاوضـــــة و الحـديث ( أي المناقشات ) التي يكون منهــا جنوح الحـواس ،
بـل يفضــــــــــــــــــل الانعـزال و الرجـــــوع إلي ذاتـــــــه أكـثر مــن كـــل الأشـــياء
لكــــــي تهـــــــــــــدأ نفسه و تسكن تمامــــــاً :
و يكــــــون التجــــــــرد محبــــوباً لديـــــــه و كذلك المسكنة و العــوز ،
و لا يلقـــــي نفســـــه في مشـــاغل كثيـــــرة و أعمــــــال عديــــــدة ،
بل في كـــل حــــين يريد أن يكون متفرغاً بلا اهتمامات و غير مضطرب بالأشياء الحاضرة ،
حتى لاتخرج أفكـــاره خارجاً عنه لأنه يعلم أن الأعمال الكثيرة تحــدث اهتمامــات شتى ،
والاهتمامات الكثيرة تولـد أفكــاراً غــــزيرة و بهـــــــذا يخـــــــرج عــــن الهـــــــــــدوء ،
فعليــــــــــــــــــه أن يرتفع عن كل هم أرضي ما خلا الأمـور الضـرورية التي لابـد منها
فبالضـــــــــــــورة إما أن يــــؤذي أحـــــداً أو يتــــأذى من أحـــــــــــد ،
و من ههنـــــــــا ينفتـــــــــح بــــــــاب الآلام ( أي المحـــــــــاربات ) ،
و يفتقد ميزة الهدوء و يهرب منه الاتضاع باب السلام .
فمن أجل هذه الأسباب :
( فإن المتواضع ) يحفظ نفسه علي الدوام من أمور كثيرة كي يوجد في كل وقت
هادئاً في سكون منقبضاً ( أي غير مشتت الفكر ) مسالماً لبيباً .
ملحوظة : اللبيب هـــــو العاقـــــل لا كثـــير الكلام كما يظــــن بعض العـــامة .
ــ المتضع لا يعرف الانزعاج و لا الاضطراب ، و لا حركات حادة متسرعة متعجلة ،
فحتى و إن أطبقت السماء على الأرض ، فالمتضع لا ينزعج و لا يتســجس .
ليس كل لبيـــب متضــــع ، و لكن كل متواضــع لبيـــــــب ،
و لا تجــد متضعاً غير لبيب ، أمــــــــــا لبيــــــب غير متضع فكثير ،
فالمتضـع هادئ حسب ما قال ســـيدنا :
" تعلموا مني لأني وديع متضع في قلبي ،
و بهــــذا تجـــــــدون راحة لنفوســــــكم " ( مت 11 : 29 )
المتواضــع يكـــون هادئـــاً في كل وقــت و ليــس شـــيء يحـــرك ( أي يثير ) فكـــــره ،
فإن كان سهل أن يحــرك الإنسان جبلاً ،لكن لا يمكنه أن يحرك أو يزعج ضمير المتواضع ،
و ليس ما يمنع من القول أن :
المتواضع ليـــس هـــــــــو مــــن
هــــــــذا العـــــــــــــــــالم ،
لأنـــــه لا من الأشياء المزعجـــة المحــزنة يضطرب ،
و لا من الأمــور المفرحــــة يبتهــــج و
يفـــرح ،
يعقب الاتضــاع : الـــــــرزانـــــــة و انقبــــــاض الــذات ، و ازدراء الثيـــــــــــاب ،
وصوت منخفض و كــــلام قليل ، و احتقـــــار للنفــس ، و مشـــــي مـــــرتب ،
و نظر مطاطئ ، و راحمة فائضة ، و ســــرعة الدمــــوع ، و نفـــــس منفـــــردة ،
و قلب منكســـــر منســـــــحق ، و عدم تحـرك الغضـب ، و انضبـــاط الحــــواس ،
و القناعـــــــــة في الأشـــــــياء، و اســــتخدامهـــــــا ، و يكون محتملاً صبوراً ،
( له ) شجاعة القلب الناتجة عن بغضة الحياة الوقتية .
التجلــــــد في التجـــــــــارب ، حركـــات هــــــــــادئة غـــــير متســـــــــــرعة ،
التجلــــــد في التجـــــــــارب ، حركـــات هــــــــــادئة غـــــير متســـــــــــرعة ،
هـــــــــدوء الأفكــــــــــــــــار ، كتمــان الســـــــــــر ، التعفف ، الحياء و الخجل ،
و أكــــثر من هــــــذا كــــــله : الصمت علي الدوام ، و ادعاء عــــدم المعــرفة .
المتضـــع لا تصادفه أبــــداً ضرورة تجعله يتسجس .
المتواضع يحتشم و إن كان مع نفســــه وحـــــــده .
المتواضع يحتشم و إن كان مع نفســــه وحـــــــده .
أنا أعجـــــــــب إن كان ثم متواضــــــع يجســر أن يطلب من الله شــيئاً في الصلاة ،
أو إذا دنا منهــــا يعتــــــــبر نفســــــه أنه أهـلاً أن يطــــــــــــلب منـــــــــه شـــيئاً .
أنه لا يعــــــــرف ماذا يطلب ، بل يكون هادئــــــاً في جميــــع حركــــاته ( الذهنية ) ،
و فقط ينتظــــــــر أن تأتيه الرحمة، (و ينتظر) أي أمر يخرج عليه من العظمة المسجود لها ،
و يكــــون وجهـــــــه منحنــــــــــــــــــــــــــــــي إلي الأرض
و نظـر قلبه الداخلي شاخص لباب قدس الأقداس المتعالي
الذي إشـــــــــراقه يبهر عيني الســــــــارافيم ،
و شــــــــــــــعاعه يرهب طغمــات صفوفهــــم ،
و الصمـــــــــــــــت سائد على جميع مراتبهــم ،
و ينتظــــــــــــــرون ظهور الأســرار من لدن الله ،
و حـــــــــــــــــركة بلا صــــــــــــــــــــــــــــوت ،
و حـــــــــــــــواس غـــــير جســـــــــــــــدانية ،
و بإحسـاس لا يشـبه ، يستعلن عليهــــم بجوهر غير منظور ،
هذا الذي يعطيهم قوة و شجاعة ليتجلدوا تجاه لجة الأسرار .
و هـذه الأشـــياء حددناهــا بألفــاظ بســيطة لا يــدرك العقـل فحصهــا ،
و أنـــا لـــم أهتــم بــــذلك بهـــدف اســــتعراض الأقــــــوال بـــل لأن :
من قراءتهـــا فقط ينسى العقل أعمال العالم و سيرته و حياته الجسدية ،
و ينتقل بفكره إلي عالمه الحقيقي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق