الميمر الثامن ( 4 )
الرتبة الأولى للمعرفة :
إذا كانت المعرفة مائلة لمحبة
الجسد ،
فإنها تجمع هذه المدخرات التي هي :
الغني ، المجد الباطل ، الكرامة البشرية ،
الصلف ، نياح الجسد ،
التحـــــايل في حفظــــه من الأشــــياء المضــــادة لطبيعتــــــــه
،
و هذا النوع من المعرفة يدعى معرفة سطحية لأنها مجردة من كل هذيذ الهي ،
هي تدخــــــل إلى العقــــل ضعفــــــاًً لا
يعــــبر عنـــــه ،
لأجل تمســـكها بالجسد و كل اهتماماتهـا بهـذا العالم ،
و هذا النوع من المعرفة لا يصـــدق أن ثـــــم قـــــوة
معقــــــــولة ( أي روحيـــة )
و مدبراً خفيـــاً و عناية إلهية تهتـم بالإنســان
و تحفـظه ،
بل
كـــــــــل الخـــــير الذي يكـــــون للإنســــــــــان و كل صـــلاح يحـــــدث لـــه ،
و نجاتــــــه من المؤذيـــــــــات و حفظه من العـوارض الصعبـة
و المعاكســـات الكثيــــرة التي من الطبيعة الظاهر و الخفيــــــة
التــــــي يظـــــن أن: النجاة منها يكون من حرص الإنسان و حيله و حسن
سياسته .
إن هذا النوع من المعرفة :
لهذا لا يمكنها التخلي
عن : الهــــــــــم و الخوف من أجل الجسـد ،
و بهذا النوع من المعرفة ترتبط شجرة معرفة الخير
و الشــــر .
يناسب قول أولئك الذين يعتقدون أن :
ليس مدبر يســوس هذه المنظورات ،
ليس مدبر يســوس هذه المنظورات ،
و لأجل هــــذا : فصغـــــــــر
النفـــــــس و الكآبــــة و قطـع الرجـاء ،
و الخوف من الشياطين ، و الرعــــب من النـــــــاس ،
و أخبــــار اللصـــــــوص ، و أخبـــــــــــار المــــــــوت ،
و الجــزع مـــن : الدبـيب
، و الوحــوش ، و
الوبـــــــاء و الأمــــــراض
،
و الاهتمــــام بالاحتياجــــات الطبيعيــة من القــــــوت ،
و الرعـــب مـن المــــوت و ما يشــــــابه هـــــــــــذه
تكـــون مثـــل أمواج
البحر تضرب و تسجس في كل أوقات الليل و النهار ،
و لا تعــرف أن تلقـي همهـــا علي الله بثقــة
الإيمـان بـه
و من أجـــل هـــــــــذا تستعمل
الحيل و
التصنــع في جميــــــــع تدابـــــيرها ،
و إذا لـم تنجـح حيلهـا لأي سبب و مع عدم إدراكها للسياسة الإلهيـة الخفية ،
فإنها : تخاصـــم
النـــاس و تعــــاديهم كمعــوقين و مـــؤذين و باغــضين لهـــــا .
إن هذا النوع من المعرفة يستأصل الحب ، و يفحــــص
عيـــــــــوب النـاس الصغـيرة
و زلاتهم و عجزهم ،و يثير المجادلات و يكثر
الكلام و التصنع و المكر ،
و موجــود في هــذا الصنـــف كل الحيــل التي تعيــب الإنســــــان ،
مثل التكــبر و العظمــــة ، و الافتخــــــار ،
و يرجع لذاته كل ما هو لسلامته و ليس الله .
أما الإيمان فينسب كل أعماله لله و لأجل هذا
لا يمكنه أن يتعظم
حسب قول الرسول : " على كل أمر أستطيع بقوة " . ( في 13:4)
" و ليـس أنا بل إنعـامه معــي " ( اكو 10:15 )
أما قول الرســــول : " إن المعـرفة ينفـــــــــــــخ
" ( اكو 1:8 )
فعن المعرفة غير الممتزجــــــة بالإيمان و الثقـــــــــــــة بالله ،
و ليس عن المعرفـة الحقيقيــة ، حاشــاً و كلا أن يكـــون ذلك ،
لأن المعـــرفة الحقيقيــة تكمــل نفـــوس من وجـدوها ،
كموسى و داود و اشعياء و بطرس و بولس و باقي القديسين
الذي أهلوا للمعرفة الكاملة حسب قدرة الطبيعة.
فإنهم كانوا مفعمين بالمناظــــر و الاســتعلانات الإلهيــــــــة
و النظرة المتعاليـــة بالروحانيات و الأسرار التي
لا ينطق بها ،
تلك كانـــت تبتلــع معرفتهــــــم عــــلى الـــــــدوام ،
و بالقياس لهذه تكون أنفسهم عندهم تراب و رماد
.
أما المعـــــــرفة الأخــــــرى فبالضــــــرورة تنفـــــــخ
لأنها سائرة في الظلام ، و تقيس أمورها بالأرضيات ،
و لا تعـــــلم أن ثــــــم شـــــــــيئاً آخـــــــر أفضــــــــل .
و من يتبعونهـا فهـــم يزنــــون تدبيرهـــــم بما يضــــاهي
العظمـــــــة و الأرضيــــــــــات
و أمور الجسد ، و يركزون على العمل ، و لا تقنع عقولهم إلا بما تدركه .
عن أولئك الذين يهدسون بأمواج لجة إشعاعات
اللاهوت الممجـــــد
و اهتمـامهم بمـــــــا فـــــــي العــــــــــــــــــــــــــلا .
لا تميل أفكارهم ليهدســـــــــــــوا بخرافــــــات و أفكـــــار
باطــــــــلة ،
لأن الســــائرين في النــــــــور لا يمكنهم أن يضلوا
و لأجل هـــــــذا فكل الذين تجردوا من نـــــــــــور معرفـــــة ابن الله
يزوغون عن الحــق و يسيروا في ذاك الســـــــــــبيل .
هــــذه هي المرتبة الأولى مـــــــــــــن المعـرفة إذا ما تبعــت محبة الجسـد ،
فإننا نرذلها و ندعوهــــــــا ليس فقط ضد الإيمان بل وضد لكل أعمال
الفضيلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق