الثلاثاء، 16 فبراير 2016

19- انطلق من رغباتك الأرضية ــ كتاب انطلاق الروح

19- انطلق من رغباتك الأرضية ــ كتاب انطلاق الروح

هل تعرف من أي شئ يجب أن تهرب ؟
أهرب من الأغراض ، مـــن الآمـــــــــــال ، مـــن الرغبـــــــــــات ،
اهرب من كل أولئك ، أن كنت تود حقا أن تصل إلي إنطلاق الروح .
اسمح لي يا أخي الحبيب :
ان أدخل قليلاً إلي قلبك ، وأتحـــدث إليك في صراحــــة .
أن لك آمالاً عرضة تشغلك كثيراً، وتحتل جانباً من قلبك ،
بل هي تحتل خيالك أيضاً :
فتجلس في وحدتك وتحلم بها أحلام اليقظـــة ،
تأوي إلي فراشك فتري هذه الآمال في نومك .

لك أهداف أنت أدري الناس بها ، ولست مستطيعاً أن تنكــرها .
أنك تود أن تكون شيئاً هاماً ، تود أن تعرفك الناس، ويبجلوك .
لك آمـــــــال في الشهرة والصيت، ولــــك آمـــــال في الســيطرة والنفــوذ ،
ولك رغبات في المـــال، وفي المركز الاجتماعي، وفي العــــــــــــــــــــــلم ،
            وفي الألقاب، وفي المســـــــــــــــتقبل، وفي المظاهر والسمعة .
ولك رغبات في المســـكن والمأكل والملبــــــس . ولذات الجسد المنوعـة .

انــــــــــــك : لا تعـــــــيش فــي العــــــــــالم ،  
              بل العالم هو الذي يعيــش فيك ،
ويســـتولي علي قلبــــــــك وفكــــــــــــــرك ،
              وخيـــــــــالك ومشـيئتك أيضـاً .
أما روحك التي تعيـــش حبيســة في هــــذا كلـــه ،
             فأنها تود الانطلاق من رغبات جسدك ،
            الجسد الذي{ يشـــتهي ضد الــــروح } .

انك يا أخي الحبيب :
تشقي بهذه الآمال والأغراض ، فهي لا تتحقق جميعها ، ولذلك فأنت غير راض .
انك تشتاق وتشقي في اشـــتياقك ولذلك فأنت تعد العــدة، وتلتمـــس الوســـــائل :
تفكــــــــر، وتقـــــابل وتكـــــتب، وتسير وتذهب، وتسعي وتتعــــــب في ســــعيك
ثم أنـــت تجلـــــــــس وتنتظــــر، وقد يضيـــق صـــدرك ، وتمل الصبر والترجي ،
ويدركـــــك اليــــأس أو القلـــــق أو خـــــوف الفشــــــل ، فتشــــــــفي بانتظارك .

وقد ينتهي السعي والتعب إلي لا شئ وتحرم من رغبتك التي تودها فتشفي بالحرمان.
واخطر من هذا كله ،
فإن آمالك وأغراضك قد تجنح بك عن طريق الصواب فتتعلم بسببها الخداع ،
او اللف والدوران ، أو التزلف والتملق، أو الكذب، أو ما هو أبشع من هذا..
كما قال أحد الحكماء :
{ لابد أن تنحدر المرء يوماً للنفاق، أن كان في نفسه شئ يود أن يخفيه }..

أنك متعب، وأنا أعرف هذا وأشفق عليك في تعبك.
فـــــالي متى تعيــــش في جحيـــــــم الآمــــــــال !
والعجيب في رغباتك الترابية هذه أنها تشقيك أيضاً حتي اذا تحققت .
فرغبتك عندما تتحقــق تتلـذذ بهــا وتقـــودك اللذة إلي طلب المزيد .
وهكذا كما قال السيد المسيح :
{ من يشرب من هذا الماء يعطش } {يو13:4}.
وعندما يعطش سيسعى إلي الماء مرة أخري ليشرب ،
وكلما يشرب يزداد عطشــــاً ،
وكلما يـــــــــــزداد عطشــــاً ،
يزداد اشتياقاً إلي هذا الماء .

لذلك يا أخي الحبيب أود أن أناقش معـك الأمر في هدوء ،
لمــــــــــــــــــــــــاذا تتمسك برغبات معينة في العالم ،
                     والعـــالم يبــــيد وشـــهوته معـه .
أنــــــــــــــــــــــك غريــــــــب مثــلي عــلي الأرض ،

وســـتأتي ســــاعة تترك فيهــا هــذا العــــــــالم ،
                    وتترك فيـه كـل ما أخذته منه .
                    عرياناً خرجت من بطن أمي ،
                  وعرياناً تعـــود إلي هنـــــــاك .
ســــــــــــــتترك رغماً عنك كل ما في العـــالم ،
                   من عظمـــة ومـال وشـــهوة ،
                  وتتوســد حفرة كأحقر الناس .

ومهما بلغت في العالم من سطوة أو متعة أو شهرة ،
فإن هذا سوف لا يمنع جســدك الفــاني من التعفـــن ،
         سوف لا يمنع الدور من ان يرعي في جثتك حتي يأتي عليــها .
وستقف بعد هذا كله أمام الله مجــــرداً من مظــاهر العـــالم المنـــوعة ،
                       لم تأخذ من الدنيا غير أعمالك ،خيرا كانت أم شراً .

فحـــرام عليك يا أخــي الحــبيب :
أن تركز أغراضك وآمالك في هذه الأرض،
                                      الأرض التي تنبت لك شوكاً وحســكاً،
                                     والأرض التي قبلت دماء هابيل البــار،
                                    والأرض التي يحفرون فيها أباراً مشققة
                                              لا تضبـــــط مـــاء. { أر 13:2 }.

ان الآباء القديسين الذين عاشــوا قبلنا علي الأرض .
ولم تكــن الأرض مستحقة أن يدوســـوها بأقدامهــم ،
هؤلاء جميعاً لم يصلوا إلي ما وصلوا إليه من قداسة .
الا بعد أن فرغوا قلوبهم من حب العالم والأشياء التي في العالم،
فلم تعد لهم علي الأرض رغبة أو شهوة ،
ولم يحتفظـــوا فيهـــا بقنيــــة أو مــــــلك ..
لم يتمسكوا بشئ في العالم لذلك سهل عليهم أن يتركوه ،
بل اشتاقوا إلي ذلك اشتياقاً .

أما أنت يا أخي الحبيب :
فـــلك رغبـــات أرضيـــة ، { وحيثمــا يكـون كنزك يكــون قلبـك ايضاً } .
لذلك تعلق قلبك بالتراب ومجد التراب ، فقلت قيمة الروحيات في نظرك .

أنها التجربة التي حاول بها الشيطان أغــراء رب المجــد :
{ أخذه إلي جبل عال جداً وأراه جميع ممالك لعالم ومجدها
وقال له أعطيك هذه جميعهــا ان خــررت وســــجدت لي } .

وأن ملكت هذه جميعهــا مــاذا تســتفيد أن خســـرت روحـــــك ؟
روحك الحبيسة في قفص مذهب من الرغبات، وتود أن تنطلق .
الرجوع الى كتاب انطلاق الروح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق