الميمر الرابع ( 6 )
التجــرد من العالمـــيات :
+ ســــؤال : بـــــأى وسيلة يقطع الراهـــــــــب عـاداته القديمـــة ،
ويعــود ذاته على العيش بالعوز ، والنسك طول حياته ؟
+ جـــواب : الجسد لا يمكنه العيش بدون حاجـــــاته ،
ولكـــن يمكن ضبطه بالعقل بالنسبة للغذاء .
أما بالنسبة للتراخـــي فإبعــــــاده عن الأشــــــياء التي تسبب ذلك ،
لأنـــــــــه إذا رأى وسائل التنعم تســــــــتيقظ فيه شهوة مضطرمة ،
لذلــــــــــك أوصى المخلص من أراد أن يتبعه بأن يتعـــــــــــــــــرى ،
ويخــــــرج من العــــــــــالم ( لو 22:18 )
فالإنســــــــــــــــــان ينبغى عليه طرح أسباب التنعم والتراخى ،
ثم بعد ذلك يتقــــدم للعمـــل ،
والـــرب نفســــــــه حارب الشيطان فى برية قاحــــــــلة تماماً ،
والطوباوى بولس رســــــــــــــــم لحاملى صليب المســــــيح ،
الخروج من المدينـــــــــة .
نعــــــــــــــــــــم ينبغـــــــــــــــي الخروج معـــه ونأخذ عــــاره ،
لأنه تألم خارج المدينــــــــــة ،
( عب 13 : 12 و13).
فالإنســـــــــان بانفصاله عن العـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالم ،
وعن أموره ينسى سريعاً عاداته الأولى ،
ولا يتعب فيما هو يجاهد بصدده زماناً طويلا .
أما القــــرب من العالم ومن أموره فيسبب سرعة تراخى فكر المرء .
وثبات الراهب فى قلايتـــــــــــه فى عــــــــــــــوز وعــــــــــدم ،
بحيـث تكـــــــون قلايته خاليــة من كل ما يحرك شهوة الراحة ،
لهو أمر موافــــق ومـــــــلائم ،
معــــــــــــــــين له فى الجــــــــــــــــــــــــهاد .
لأنــــه إذا ما بعدت أسباب التراخى عــن الراهــــــــــــــــب ،
فـــلن يجد مشـــــــــقة كبــــــــــيرة فــي القتال المتضاعف ؛
أعني ( القتال ) من داخــــــــــــــل ومن خـــــــــــــــــــارج .
وأيضاً الراهب البعيد عن اللـــذات فإنه يقهر ويغلب بلا تعب ،
وهو فى ذلك أفضل من القريــب منها المتحرك نحـــــــــوها
الذى يكــون جهــــــاده مضاعفاً .
كما أن الإنسان الفقير فى مسكنه تكـــــون حاجته أيضاً تافهة ولا يهتم بها ،
ولا يجيلها فى خاطـــــــــــــــــره ، ولا حتى فى وقت الاحتياج إليهـــــــــــــا ،
ويقنع الجسد بالشيء اليســــــير ، بـــــــل وينظــــــــــر إليه باســــــــتهانة ،
وهو لا يتقدم للطعام لأجل اللــذة ، بـــــــل ليسند الطبيعة ويقويهـــــــا فقط .
بهذه الأمور يرقى الإنسان سريعاً فـــــي النسك بغير تعب ولا جهـــــــــــاد ،
وصراع للأفكار .
يليق بالراهب ألا يدنو مــن الأمور التي تحـــــــــــاربه ،
بل يتحفـــــظ حتــــــى مــن النظر إليها ، ويبتعد عنها .
وقولى هـــذا ليــــس مــن أجل البطــــن ( أى شـــهوة الطــــعام ) فقـــــــط ،
بـــــل وعــن كل ما يمكــــــن أن تجرب وتختبر به حرية الراهب .
فــــــــــــإذا عـــزم عــلى الاقتراب من الله
ينبغــــــــى عليـــه أن
يعاهـــــده الابتعاد عــن كل هــذه الأمور التي أذكرها وهي : -
ألا ينـــظر وجـــه إمـــــــــــــــرأة ،
ولا يدنـــو من حسنى المنظــــــــر .
لا يؤثـــــر التنعـــــــــــــــــــــــــم ،
ولا يشتهي شــــــــــــــــــــــــــــيئا ً.
لا يتطلع ببصره إلى الملابس الجميلة ، ولا إلى ترتيبات أهل العالم ،
ولا يســـــــــــــمع أقوالهم ،
ولا يتعـــــــــــــلق بهـــــم ،
لأن الشهوات تتقوى بالقرب منهـــم ، ومن الســــــــماع عنهــــم ،
فيتراخى المجاهد ، وينحرف فكره عما شــــــــــرع فيــــــــه .
فرؤية الأمـــور الفاضلة تحرك الغـــــيرة فى الضمير للانصراف إلى فعلها ،
ومــن البين الظاهر أن عكس هذه الأمور له قوة على جـــــذب القلب إليها .
وإن لم يحدث منها أمر خطير فى الفكر ( فى وقتها )
إلا أنه يلــــــــــــقي ذاتــــــــه فى حروب وقتـــــــال .
وإذا كان أحد الشيوخ النساك وهو من كبار القديسين عندما نظر شاباً دون لحية ( أجرودى ) ،
وإذا هو شــــــــــــبه النساء ، فإنه اعتبر ذلك مؤذياً لفكره ، وسبب خسارة له فى جهــــاده ،
فكيـــــف يكون حال من يتهاون بأمور أخرى مثل هـــــذه ؟
ولاسيما أن الشيخ الحكيم القديس لم يسمح بدخـــول الأخ ،
وقـــال : إن أنا فكرت فقط فى هذه الليلة إن ههنا مثل هذا ،
فذلك يكون لي خسارة عظيمة .
ولذلك قال :
أمــــا أنــــا يا أولادي فــــــــــــــــــلا أخـــــــــــــاف ،
ولكنـــــي فى غنى عن خوض حـــــــرب بلا داعي ،
ويدخـــــــل إلى ذكر هذه الأشياء عوض نقاوة عملى ،
لأن ذكــــــر مثل هذه يزعج القلب إزعاجــــــاً لا فائدة منـــــــــه
لأن للإنسان قتـــــــــــالاً في كل عضــــــــــو من أعضاء جسمه
فينبغـــــــي أن يحفــــــــظ ذاته ،
ويبعدهــــــا عن تلك القتــــــالات ،
فإذا دنت منه تصـــــعب عليه الجهاد فى الخير ،
وإنه على أى حال سيقاسى منها الأهـــــــوال ،
لأنـــــــــــــه ينظرها فيستمر اشــــــتياقه لهـــا ،
ولكنهــــــــا كلما بعدت عنه تقل الحرب التي تسببها .
إننا نرى أعشاباً متعددة مستترة في الأرض ،
ولا يعرفهــــــــا أحـــــــد في شدة الحر ،
ولكن عندما تندى بالماء وتتنسم برودة الهواء
حينئذ تظهـــــــــــر جميعاً مــــــن الأرض التي كانت مدفونة فيهـــا ،
وعلى هذه الحـــال يكون الراهب فإذا كان في نعمة الســـــــــــكون ،
وفي حرارة النسك فإنـــه يكون مستريحاً من حروب كثـــــــــــيرة .
أما إذا قرب من أمور العــالم ، وتنسم رائحة الراحة ،
عندئذ تنهض الحــــــــــروب كل في موضـــــــــــعها ،
وترفع رأســــــــــها ،
وأنا إنما قلت هذا حتى لا يتجاسر أحد ويثق فى جسده مــــــــادام حيـــــــاً ،
ولكى أظهر مقدار المعونة التي يحصل عليها المرء فى جهاده عند هروبه ،
وإبعاد ذاتــــــــــه عمــــا ذكرنـــــــاه .
كما أنه ينبغى أيضاً الخوف من الأشياء التي يجلب لنا ذكرها خزياً وحـــــــــــــــزناً ،
فلا نتهـــــاون بهـــــــا ، ونميت الضمير .
الأوفق أن نذهب بالجسد إلى البرية ،
لكي يقتـــــــــــنى الصـــــــبر .
وأفضل الأمور كلها الابتعــــــــــاد عن مسببات القتال ،
لأن الإنسان إذا كان بعيداً عنهـا ،
وإن تضايق بالفكر بسبب قتالهـــا إلا إنه يكون بلا خوف من السقوط بعكس ،
ما إذا كان الشيء قريباً فإنـــــــــه لو انغلب بالفكر يسقط أيضاً بالفعــــــــــــل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق