الميمر الرابع ( 15 )
التأمل فى أعمــال اللـه :
الســـكون يساعد كثيراً على هـــــذا بـــأن يتيقظ العقل برجوعه إلى ذاته ،
بســـبب الســـــــــــــــــلام الـذي يحصل عليه بالســــــــــــــكون .
ومن هنا يتذكر الهدف من حياته ، ويأتى على فكـــــــــــــره مجــد الدهـــــر الآتــــي ،
والرجاء المعــــــــــد للصديقين ، وتلك الحياة التي يقودها الروح المزهرة كلها بالله .
تـــــــلك الحيــــــــــاة الجديــــــــدة التـي ليس فيهــــا ذكـــر لشيء مـــــــن العـــــــالم .
وإذا ما سكر بها فإنه ينتقل بتصوره إلى الوجود في ذاك العالم ( أى الملكوت ) ويقول متعجباً :
يا لعمق غنى حكمة الله ، وعمله غير المفحوص ولا مدرك ، وأحكامه التي لا تعرف ( رو 33:11 ) .
إذ أن عالمــا هكــــــــذا عجيبـــــــــــــاً قــــــد أعد لكل الناطـــــــــقين ليدخلهم إليـــه ،
ويحفظهــــم بغير تغيير فى حياة أبدية فمـــــا هو السبب الذي لأجله صنع العالم أولاً ،
ووسعه جـداً ، وملأه بكثرة الطبائع ، وأوجد فيه أنواعـــــــاً من الآلام الكثـــــــيرة ،
ووضعنا فيه لنجـــاهد هنا ( أولاً ) .
وثبــــــــت في طبيعتنــا محبــة الحياة فيه طويلاً
ثم بعد ذلك ينقلنـــــــــــا منــــه بالمـــــــــــــوت ،
ويبقينـــــا مـــــــــــــدة طويلة بغـــــــــــــــــــــير حــس كالحجارة والأخشـــــــــاب ،
ويفســـــد أشــــــــكالنا ويحــل تكويننـــــــــــــا ويخلطه بـــــــــــــــــــــــــــــالأرض ،
وتســقط هيئتنا هــــذه وتنتشر حتى تخــــــــرج عــــن الشــــــكل المركبة عليــــــه .
وفـــــــي الوقــــــــت المحدد بحكمتــــــــــــــــه عندما يشاء ينهضنـــا بشـــــــــكل ،
آخــــر كمثل ما يعرف وبهيئة أخرى .
كيف يهدم هذا الإتقان والترتيب جميعه ( الذى للكون ) ،
ويتلاشى أمره كمثل زوال إتقــــان جســـــدنا القديم .
ويرتفـــــــع أيضـــــــــاً بعقــــــــــــــله إلـــــــى ما قبل إنشــــاء العــــــــــالم ،
وقبل تكون الخليقـــــة إذا لــم تكــــــن لا سماء ولا أرض ولا ملائكـــــــــــة ،
ولا شـــــيء من هـذه الموجــــودات ، وكيـــف أتى بهم بغتة إلى الوجـــود ،
إذ شــــــــاء وأقــام كل شـيء كامــلاً ، ويتطلع بفكره إلى جميع خلائق الله ،
ويتفــــرس في أعمــــــاله العجيبـــة ، وحكمة خلقتـــــه المدهشـــــــــــــة ،
وسياســـة تدبــــيره غــير المــــــدرك مــــــن كــــــــــل العقـــــــــــــــــول ،
وقــــــدرة استطاعة فعله العـجيب.
إذ كيـــف أتى بالخليقــــــة إلــى الوجــــــــــــــــــــــــــــــــــــود ،
من العدم بعناصـــــر كثيرة بـــلا عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدد ،
وكيـــــف هـــــــو مزمــــع إزالة الترتيب العجيب كتعدد الطبائع ،
وترتيب جريان الخــــلائق والأزمان والأوقـــــــات ،
وتوالى الليــل والنهــــار ، وتغير فصول الســــــنة ،
وأمور الأرض المتعــددة ، وبناء المدن الكـــــبيرة ،
وطبيعة الإنسان المجتهدة في السعى الــــــــدائب ،
منذ دخــــــوله العـــــــالم إلى حين خــــروجه منه .
( إنه يتأمل ) كيف يبطل بغتة هـــــذا الترتيــــب العجــــــــــيب ،
ويــــــــأتــي عالم آخر مختلف تماماً لـــــم يكــــــــــــــــــــــــن
يخــــــــطر شيء منــــه على قــلب إنسان وهو في العــــــالم ،
وتكون فيه حيــــاة أخــــــرى وأفكار أخرى ، وهــــــذيــذ آخر ،
ولا يعــــود فيه ذكر للطبع البشرى الذي في هــــــذا العـــــالم ،
ولا حياتهم التي كانــــــت فيه أولا ، لأن بهاء وحسن ذاك العالم يملك نظر عقولهم ،
ولا تسنح فرصة ليفتكــــر شــــــيئاً عن أجيال اللحم والدم ، إذ بزوال هذه يبدأ ذاك .
يا أيتها الوالدة ( أى الأرض ) التــــــــــي بغتة تفقد أولادها الذين ولدتهم وربتهم وحملتهـــــم ،
وفــــــــــي لمح البصر يجمعــــون إلــــــى حضـــــــن آخـــــــــر ،
ويكونـــون بنين حقيقيين للعـــاقر التـــــي لم تلد ( أى السماء ) .
ويا أيتها العــــــــــــــــــــــاقر التي لم تلــد افرحي بالبنين الذيــن ولدتهـم لك الأرض ( أش 1:54) .
إنه يفكر متعجباً :
تـــرى متى يزول هذا ، ويبـــــــــــــدأ ذاك ؟
كــــــم سيظل رقاد الأجساد على هذه الحال ،
وهـــي مختلطـــة بالـــــــــــــــتراب ؟
وكيــف ســــتكون تلك الحيـــــــــــاة ؟
وبـــأي شبه تقوم هذه الطبيعـــــــــة ؟
وبـــأي شكل يأتى فى الخلقة الثانية ؟
وبهـذا ،
وبمــــا يشبهه يقع عليه سكون وذهـــــــــــول ،
فيقوم فــــي تلك الســـــــــــــاعة ويجثــــــــــــو بركبتيـــــــــــــــــــــــــه ،
ويقدم الشــــــــــــــــــــــــــــــكر والتمجيـــــــــد للرب الحكيم على أعماله .
مغبوط هــو المهتم بهذه الأمور ليلاً ونهـــــاراً ،
وطوبى لمن يتأمل هـذه الأمور كل أيام حياته .
إنــــــه في البدايــــة لا يشعر بالمعــــــــــونة ،
التــــــــي تكـــــون من هـــذا بسبب طياشته ،
وعندئـــذ لا يضجـــــــر ولا يمــــــــــل ، لأن الزارع لا ينظر السنابل فور غرسه البذار في الأرض ،
فالــــزرع يليه الإنتظار والتعـــــــــــب ،ولكنه يلذ للفـــــــلاح إذا مـــا أكل خـــــــــــــبزاً من عرقه .
هذا الهذيذ فى السكون والتحفــــــظ يســـــــكب في القلب حلاوة لا حد لها ،
ويجذب العقل بســـــرعة إلى دهش لا يعبر عنــــــه .
طوبى لمن انفتح قدامه هذا الينبوع وشـرب منه كل ساعات الليل والنهار .
+ ســــؤال : ما هــــــو مدى أعمال تدبير الســــــكون حــــــــــتى
إذا وصل إليه الإنسان يعرف أنه قد بلغ كمال السيرة ؟
+ جـــواب : إذا مــــا أهــــل للصــــــــــلاة الدائمـــــــــة ،
فــــــــإذا بلغها فقد وصل إلى قمة الفضائل ،
ومـــــــن هذا الوقت يكون مسكنا للـــــروح .
فالإنسان إذا لم يقبـل موهبـــــة البـــاراقليط ،
لا يتمكن من الصلاة على الدوام بارتيــــــاح .
لأن الــــروح عندمــــــــا يســكن فــي الإنســــــــــــــــان فلا يفتر عن الصــلاة ،
بل الـــــروح هـــــــــــــــــــــــــو الذي يصـــــــــــــــــلي على الــــــــــــــــدوام ،
أى لا تنقطع الصـــــــــــــــــــلاة مــن نفســــه ســـواء
كــان راقــــــــــــــــــــــــداً أو متيقظــــــــــاً ،
فـــــــإن أكل أو شـــــــــــــرب أو نــــــــــــــــــــــــــام أو صنع شـيئاً ما ،
حــــــتى ولـــــــــــــــــــــــــــو كــان مســـــــــــــــــــتغرقاً فــي نـــوم عميــق ،
فــــــــإن عطر الصلاة ينطـلق مــن داخــــل قلبــــــــــــــه بغير جهــــــــــــــد ،
وعندئــــذ لا تكــــــــــــــــــــون لـــه أوقات معينة للصلاة ،
بـــل فـــي كل الأوقــــات ،
وحــــــتى عندما يكون صامتــــاً فإنه يخدم بالصلاة خفية ،
لأن صمت الأنقيـــــــــــــــــــــاء هـــو صلاة كقول أحد القديسين لأن أفكارهم هى حركات إلهية ،
وحركــة الضمير النقـــــــــــــي هـــي أصوات هادئة بها يرتلون للخفي ( أي الله ) خفيـــــــــــة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق