11 ـ طـــريق البر :
الزكاوة ( أى النقاوة ) لا تصان مع الخلـــــطة ( بالآخــــــرين ) ،
بل لا وجود لهــــــــــا لدى المهتم بالمشـــاغل وتداخل الأمــــور .
كثـــــــــــــــــــــــيرون من اشتياقهم إلى الـــبر يلقون أنفســـــــهم فى اضطراب الأمور ،
ومن جراء ذلك يفقـــدون البر الأعـــــــــظم ،
فهــم يظنـــــــون أن جميــــــــع تعــــــــــــاليم ووصايا ســـــيدنا وضعها لسائر الرتب ،
لكن لكل رتبة ما يليق بها ، وليست جميعها تناسب رتبة واحــــدة .
فحسب ما مـــيز فيلون العظيم فى القديســـــــــين
فإنـه مـــــــــيز وصايا عظيمة تليق بالكــاملين ،
مثل القـــــول : اترك كل شيء واتبعــنى ( مت 19 : 21 ) ،
ولا تهتــــــــم بالغـــــــــد ( مت 6 : 34 ) ،
وصلوا كل حين ولا تملوا ( لو 18 : 1 ) ،
وباقى ما يشـــــبه هــــذه ،
والتى لا يقدر أن يحفظها من هم ضعيفى الإيمـــان .
والمبتدئين ، فهؤلاء كالمفتقرون إلى البقل كعلاج ،
أو الذين ينشأوا على رضاعة اللـــبن ،
فالمـــــرأة ( أى الأم ) الحكيمة تقدم لأولادها طعاماً يليق بقامة كل منهم ،
فالحــــــــــدث فى الإيمان والمبتــدئ هـــــــو كالطـــــــــــفل ،
والكـــــــــامل فى الســـــــــــــــــــيرة هــــــو كالرجل التــــام وضعت له وصايا عظيمة ،
حســـب التطويبــــــات الـــتي أعطـــــــــــــــــــــاها ،
فلهذا قلنــــــا إنه ليــس مناسـباً أن يحفظها كل إنســـــــان ،
فكيف يتفق قوله : طوبى للبـــاكين لأنهـــم يتعـــــــــــــزون ( مــــــــت 5 : 4 )
مع قــــــــــــوله : طوبى لصــانعي السلام لأنهـــــــــــــــم بني العلى يدعون " ( مت 5 : 9 ) .
لأن الذي هـــــــو جالس فى النوح يبكـــى ليــــلاً ونهـــاراً .
كيف يقــــــــــــدر أن يبذل نفســه ويطوف العـالم ليصــالح المتخاصمين ،
يصنع الســــــــــــــــلام بين كثـيرين .
وكيف يتفق كلا من :
قـــــــوله : اســــــــــــــــــــــــــــهروا وصـــــــــــــلوا كل حــــــــــــين ( لو 18 : 1 ) ،
وقـــــوله : أدخل خزانتك واغلق بابك وصــــــــــــــــل لأبيك فى الخفاء ( مت 6 : 6 ) ،
مع قوله : كنت مريضاً فافتقدتمونى وغـــــــــــــريباً فآويتمــــــــوني
ومســــــــــجوناً فزرتمــــــــونى ( مت 25 : 35 ، 36 ) ،
لأن الذي أمر بالسهر ليصــــــلى فى خزانتـــــــــــــه
كيف يقدر أن يفتقد المرضى ويطوف على السـجون
ويتحمل الاهتمــــــــــــــــام بالغــــــــرباء .
إن قــــــــــــــوله : ادخـــــل إلى خزانتـــك واســــهر ،
وصــــــــــــــــــــلى فى الخفاء لله ،
يتوافق مع قوله : طــــــــــــــــــــــــــــوبى للنائحــين ،
لأنــــــــــــــــــــه بالحزن والسكون تتنــقى الصـــــلاة ،
وبالصلاة يقبــــل الباكون العــــــزاء ،
هذا الـــــــــذي لا يكون ولا يكتمــــــــــل إلا بالنـــوح .
والذى هو وحده مركزاً ( فكره ) في ذاته - حتى وهو في العالم - فإن سنته البكاء ،
فهــــــــــــــــــــو لا يهتم في أيام بكــــــائه إلا بالنـــوح فقـــــط ،
وهـــــــــــــــــــو متجـــــــرد من الاهتمـــام بأي شـــيء آخـــر .
فالنوح هــــــــو من الحزن وهو وحده يكون كسور وأساس فى القلب ،
لـــذا فإنــه لا يمكــــــن أن يكف عن نوحه ،
إن لم يجد عزاء فى داخله بخصوص الشيء الذى ينوح من أجـــــله .
لأنـــــــــــــــــــه فى داخل القــــــــلب يوجد بكــاء آخـــــــر خــــــــفى ،
غـــــــــــــير البكــاء الظـــــاهر .
10 ـ مـــاذا نقـــرأ
|
12 ـ حـــزن القــــلب
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق