الميمر الرابع والعشرون ( 2 )
عظم منزلة الاتضاع
كرامة المتواضع :
الذي عرف التواضــع يكــــرم
به مثـــل الديباج و الأرجوان .
المتواضـــــــــع لا يبغضــه أحد و لا يحــزنه أحد بكلمــة و
لا يـــزدري به ،
لأن سيده جعله محبــوباً عنــد
الكـل ، ويحبــه كل أحد ،
وفي أي موضع يحل فيه ينظرون إليه
مثل ملاك نور و
يخصونه بالكرامة .
يتكلـم الحكيــــم و الفيلسوف فيسكتوه ليعطوا الفرصة للمتواضع ليتكلم
،
و يكون الجميـــع منصتاً لمنطــق فاه ،
و تكون ألفاظــــه عندهم كألفاظ الله ،
و بساطة منطقه كمثـــل منطــــق الحكمـــــاء و الفلاســــــــــــفة ،
يفتشون عن معناه كلامه حلو في مسامع الحكماء
أكــثر من مـــــذاق الشـــــهد لآكليـــــــــــــــــــــه
،
وعند كل الناس محسوباً إله ، و لو كان أُمياً في كلامه حقيراً في
منظره .
الذي يتكلم على المتواضع بالاستهزاء أو الازدراء لا
يُحسب من الأحياء ،
و هو مثل إنسان أطلق لســانه عــلى الله ،
و كلما يحتقر المتواضع ذاته و يرذلهـــــا في عينــــــــي نفســــــــه
تتوافــــــر كرامتــه عند
ســائر الخليقــة .
الوحوش تخضع
للمتواضع :
يدنــــو المتواضـــــع من الوحوش الكاسرة و في الحال عندما
تنظره
تهـــــــــــــدأ طبيعتهــــا
الوحشــية و تدنو منه
و تحتمـــــــي بـــه كمـــــــــا بخالقهـــــــــــــا
،
و تحرك أذنابها و
رؤوسها قدامه و تلحس يديه ورجليه ،
لأنها تشتم فيه الرائحة التي كانت تشتمها من آدم
في الفردوس
و وضع لها
أسماء في الفردوس الذي أخذ منا ،
وعاد سيدنا المسيح و جدده و أعطـــانا و منحنـــا إيـــاه بمجيئـــه ،
لأنه هو الذي جعل الطيب رائحة جنس البشر .
وإن دنا المتواضع من الدبيب الســامة القاتلة ،
فعندمــــا تلمــــــــــس يــــــــده
أجســـــــــــــامها
يبرد سم شرها القاتل
، ويفركها بيديه مثل الجراد ،
و إذا ما اقترب من الناس ينظرون
إليه كما إلي سيد ،
و لماذا أقول النــــــاس ؟ ! بل و الشــــــــــياطــين ،
فرغم مــــرارة
شــــرورها و افتخـــار قلوبهـــــا
فإنها إذا
دنت من المتواضع صارت
مثل التراب
و بطل كل شـــرها وكل حيلتهـــا وصنائعهـــــا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق