مدونـة رئيــس الملائكــة رافائيـــل

بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة رافائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقوال ايضا افرحوا (فيلبى 4:4)

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

الرسالة الرهبانية الأولى للأنبا أنطونيوس الكبير

الرسالة الأولى للقديس أنطونيوس
( رسالة من أنطونيوس المتوحد و رئيس المتوحدين إلى الإخوة الساكنين فى كل مكان )
أولاً و قبل كل شئ أھدي سلامي إلى محبتكم فى الرب ...
أرى يا إخوة أن النفوس التي تقترب من محبة الله ھى ثالثة أنواع , سواء من الرجال أو من النساء.

النوع الأول ( الدعوة الأولى )  :
ھم أولئك الذين دعوا بناموس المحبة الذى فى طبيعتھم :
تلك المحبة التي غرست فيھم من الصالح الأصلى عند خلقتھم الأولى , و عندما جاءت إليھم كلمة الله , لم يشكوا فيھا مطلقاً بل قبلوھا و تبعوھا بكل إستعداد و نشاط , مثل أب الآباء .

 فلما رأى الله أنه لم يتعلم محبة الله عن طريق تعليم البشر و إنما تعلمھا من الناموس المغروس فى طبيعة خلقته الأولى , ظھر الله له و قال  :
" أخرج من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التي سوف أريك " ( تك 1: 1 ) فخرج دون أن يشك ، بل كان مستعداً لدعوته . إن إبراهيم ھو نموذج لھذا النوع من الاقتراب إلى محبة الله , و الذى لا يزال موجوداً إلى الآن فى أولئك الذين يسلكون فى خطواته .
إنھم يتعبون طالبين مخافة الله بالصبر و السكون و يحصلون على الحياة الحقيقية لأن نفوسھم مستعدة ألن تتبع محبة الله . ھذا ھو أول نوع للدعوة .

الدعوة الثانية :
ھي ھذه يوجد أناس يسمعون الكلمة المكتوبة و ما تشھد به عن الالآم و العذابات المعدة للأشرار :
و المواعيد المعدة لمن يسلكون بلياقة فى مخافة الله , و بشھادة الشريعة المكتوبة تتيقظ نفوسھم و تطلب الدخول إلى الدعوة كما يشھد داود عندما يقول  :
" ناموس الرب طاھر يرد النفس , شھادة الرب صادقة تعطى حكمة للبسطاء ( الودعاء ) " ( مز 19: 7 ) و فى موضع آخر يقول :
" فتح كالمك يضئ عقل البسطاء " ( مز  119: 130 ).
و أقوال أخرى كثيرة , لا نستطيع أن نذكرھا كلھا الآن .

الدعوة الثالثة  :
ھي ھذه توجد نفوس كانت سابقاً قاسية القلب مستمرة فى أعمال الخطية و لكن الله الصالح فى رحمته رأى أن يرسل عليھم تأديبات الالآم و الضيقات حتى يتعبوا :
فيستفيقون و ينتبھون و يتغيرون و يتقربون من الله و يدخلون فى معرفته , و يتوبون من كل قلوبھم ,
و ھؤلاء أيضاً يبلغون إلى الحياة الحقيقية مثل أولئك الآخرين الذين تكلمنا عنھم سابقاً .
ھذه ھى طرق الإقتراب الثالثة التي تأتى بھا النفوس إلى التوبة لكى تنال نعمة
و دعوة ابن الله .

و الآن فيما يخص أولئك الذين دخلوا بكل قلوبھم وقرروا أن يحتقروا كل شھوات الجسد و بشجاعة يقاومون الحرب التي تقوم ضدھم إلى أن ينتصروا ,

فإنى اعتقــــد :
أن الروح ھو الذى يوجه إليھم الدعوة أولاً و ھو يجعل الحرب ھينة و سھلة بالنسبة لھم , و يجعل أعمال التوبة حلوة و يريھم كيف يجب أن يتوبوا بالجسد و النفس حتى يبلغ بھم إلى التحول الكامل إلى الله الذى خلقھم ... و يعطيھم أعمالاً بواسطتھا يمكنھم أن يقمعوا النفس و الجسد حتى يتطھرا و يدخلا معاً إلى ميراثھما ( حياة الأبد ) .

أولاً :
 فإن الجسد يتطھر بالصوم الكثير و بالسھر و بالصلوات و بالخدمة التي تجعل الإنسان ينضبط فى جسده و يقطع من نفسه كل شھوات الجسد . و يصبح روح التوبة ھو مرشده فى ھذه الأمور , و يختبره بواسطتھا لئلا يقتنصه العدو إليه مرة ثانية .

و عندئذ يبدأ الروح الذى يرشده , أن يفتح عينى نفسه لكى يعطيھا التوبة أيضاً لكيما تتطھر و يبدأ العقل أيضاً فى التمييز بين الجسد و النفس , و ذلك عندما يبدأ أن يتعلم من الروح كيف يطھرھما بالتوبة .

و عندما يتعلم العقل من الروح , فإنه يصبح مرشداً لكل أعمال الجسد و النفس معلما إيانا كيف نطھرھما . و يفصلنا عن كل الثمار اللحمية التي اختلطت بأعضاء الجسد منذ المعصية الأولى . و يعيد كل عضو من أعضاء الجسد إلى حالته الأصلية دون أن يكون فيه أي شئ من روح الشيطان . و يصبح الجسد تحت سلطان العقل المتعلم من الروح كما يقول الرسول بولس :
" أقمع جسدي و استعبده " ( 1 كو 9 : 27 ) لأن العقل يطھره فى أكله و فى شربه و فى نومه , و بكلمة واحدة فإنه يطھره فى كل حركاته . حتى أنه من خلال طھارة ( العقل ) يتحرر الجسد حتى من الحركات الطبيعية التى فيه .

و أعتقد أنه توجد ثالثة أنواع لحركة الجسد :
توجد حركة مغروسة فى الجسد بالطبيعة  :
غرست فيه فى خلقته الأولى و لكنھا لا تعمل ( ما ھو خاطئ ) بدون إرادة النفس , و إنما عملھا فقط ھو أن تنبھنا إلى أنھا حاضرة و موجودة , وذلك بواسطة حركة غير شھوانية فى الجسد .

و توجد حركة أخرى  :
و ھى تحدث عندما يملأ الإنسان جسده بالطعام و الشراب و تتسبب حرارة الدم المتولدة من كثرة الأطعمة فى إثارة الحرب فى الجسد بسبب نھمنا .
و لھذا السبب يقول الرسول : " لا تشربوا الخمر الكثير " ( أف 5  : 18) .
و أيضاً حذر الرب تلاميذه :
" إحترزوا لئلا فى أى وقت تثقل قلوبكم بالشبع و السكر " ( لو 21 :34 )  
أو اللذة و خاصة أولئك الذين يطلبون ملء النقاوة عليھم أن يقولوا " اخضع جسدى و استعبده "
( 1 كو 9 : 27 ) .

أما الحركة الثالثة :
فھى من الأرواح النجسة التي تجربنا بسبب حسدھا لنا و تسعى ألن تدنس ھؤلاء الذين يبدأون السير فى طريق النقاوة .

و الآن يا أولادي المحبوبين ,
إذا تسلحت النفس بالصبر , فى ھذه الحركات الثالثة , و ثبتت فى الشھادة التى يشھد بھا الروح داخل القلب فإن النفس و الجسد كليھما يتطھران من ھذا النوع من المرض .

لكن إذا رفض القلب الشھادة التى يشھدھا فيه الروح بخصوص ھذه الحركات الثالث فإن الأرواح الشريرة تتسلط عليه و تزرع فى الجسد كل الشھوات و تحركھا و تثير حرباً عنيفة ضده حتى تخور النفس و تمرض , فإن رجعت و صرخت طالبة الحصول على المعونة فإنھا تتوب , و تطيع وصايا الروح , و تشفى , عندئذ تتعلم من الروح أن تجد راحتھا فى الله , و تعرف أنه ھو ( الله ) وحده سالمھا . ھذه الأشياء قلتھا لكم يا محبوبون لكى تعلموا كيف ينبغى على الإنسان أن يتوب جسداً و نفساً و يطھرھما كليھما .

فإذا ما غلب العقل فى ھذا النضال :
فإنه حينئذ يصلى بالروح ( القدس ) و يبدأ فى أن يطرد من الجسد شھوات النفس التي تأتى إليھا من إرادتھا الخاصة . حينئذ يصير للروح القدس شركة و ألفة مع العقل , لأن العقل يحفظ الوصايا التي سلمھا إليه الروح . و يعلم الروح العقل كيف يشفى جراحات ( شھوات ) النفس و كيف تتخلص منھا كلھا , تلك الشھوات التي امتزجت بأعضاء الجسد , و شھوات أخرى غريبة تماما عن الجسد و لكنھا اختلطت بالإرادة : و يضع الروح للعينين قانونا لكى تنظرا باستقامة و نقاوة و لكى ال يوجد فيھا أى خداع .

و بعد ذلك يضع قاعدة للأذنين كيف تسمعا بسلام و لا تشتاقاً أو تشتھيا سماع الكلام الردئ , و لا أن تسمع عن فضائح الناس , بل يعلمھما كيف تبتھجان بالسمع عن الأشياء الصالحة , و عن الطريقة التي يثبت بھا كل إنسان , و عن الرحمة المعطاة لكل الخليقة التي كانت مريضة فيما سبق .

و أيضاَ فإن الروح يعلم اللسان النقاوة , و ذلك لان اللسان كان مريضا بمرض خطر , لان المرض الذى أصاب النفس كان يعبر عنه بواسطة اللسان الذى تستخدمه النفس كأداة لھا , و بھذه الطريقة أصيب اللسان بمرض خطير و جرح جرحا عظيما , و أيضا بواسطة ھذا العضو ـ اللسان ـ بنوع خاص , قد مرضت النفس . و الرسول يعقوب يشھد ( عن ھذا الأمر ) قائلاً :
" إن ظن إنسان إنه دين و ھو لا يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة ھذا الإنسان باطلة " ( يع 1 : 26 ) و فى موضع آخر يقول :
" اللسان ھو عضو صغير و يدنس الجسد كله " ( يع 3 : 5 ـ6  ) و كثير أيضاًغير ذلك لا أستطيع أن اقتبسه كله الآن .
و لكن إذا تقوى العقل بالقوة التي ينالھا من الروح :
فإنه اولا يتطھر و يتقدس , و يتعلم التمييز و الإفراز فى الكلمات التي يسلمھا إلى اللسان ( لكى ينطقھا ) , لكى تكون ھذه الكلمات بدون تحزب و بدون إرادة ذاتية أنانية , و ھكذا يتم قول سليمان : " كل كلمات فمى بالحق ليس فيھا عوج و لا إلتواء " ( أم 8: 8 ) , و فى موضع آخر : " أما لسان الحكماء فشفاء " ( أم 12 : 18 ) . و أقوال أخرى كثيرة .

و بعد ذلك يشفى الروح اليدين التى كانت تتحرك بطريقة مضطربة متبعة إرادة العقل , أما الآن فإن الروح يعلم العقل كيف يطھرھما لكى يعمل و يشثغل بھما فى عمل الرحمة و فى الصالة و بذلك تتم الكلمة التى قيلت عنھما " ليكن رفع يدى كذبيحة مسائية " ( مز 141 : 12 ) و فى موضع آخر " أما أيدى المجتھدين فتغنى " ( أم 10 : 4 ).

و بعد ذلك يطھر الروح البطن فى أكلھا و فى شربھا ألنه طالما أن رغبات النفس نشيطة فيھا , فإنھا لا تشبع فى نھمھا إلى الطعام و الشراب , و بھذه الطريقة فإن الشياطين يقومون بھجومھم على النفس . و عن ھذا تكلم الروح فى داود قائلاً :  
" مستكبر العين و منتفخ القلب لا آكل معه " ( مز101: 5 ) و كل الذين يطلبون الطھارة فى ھذا الأمر فإن الروح القدس يضع لھم قواعد للتطھير , و ھى الأكل باعتدال بما يكفى ألجل قوة الجسد , و بدون تلذذ شھوانى , و بھذا يتم قول بولس :
 " فإن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شئ لمجد الله " (1 كو  10 :31 ).

و أما عن الأفكار الجنسية التى تتحرك من الجزء أسفل البطن :
فإن العقل يتعلم بالروح كيف يميز بين الحركات الثالثة التي تكلمنا عنھا سابقاً و يثابر فى تطھير ھذه الأعضاء حسب ما يعينه الروح و يقويه ,
حتى أن كل الحركات تنطفئ بقوة الروح الذى يصنع سالماً فى كل الجسد و يقطع منه كل الشھوات . و ھذا ما يقوله القديس بولس : " فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنا النجاسة الھوى الشھوة الرديئة ... " ( 1كو  3: 5  ) ، و بعد كل ھذا يعطى القدمين أيضاً طھارتھما . لأنھما قبلا لم تكن خطواتھما مستقيمة بحسب إرادة الله , أما الآن فإذ قد صار العقل موحداً تحت سلطان الروح , فإنه ( العقل ) يطھر القدمين لكي تسيرا حسب إرادته لتذھبا و تخدما فى الأعمال الصالحة . و بذلك يتغير الجسد كله و يتجدد و يصبح تحت سلطان الروح . و أعتقد أنه عندما يتطھر كل الجسد و يأخذ ملء الروح فإنه بذلك يكون قد نال بعض النصيب من ذلك الجسد الروحاني العتيد أن يكون فى قيامة الأبرار .

ھذا قد قلته عن أمراض النفس التي اختلطت بأعضاء الطبيعة الجسدية التي فيھا تتحرك النفس و تعمل , و ھكذا تصبح النفس مرشداً للأرواح النجسة التي تأتي و تعمل فى أعضاء الجسد .

و لكنني قد قلت أيضاً أن النفس لھا شھوات أخرى مختلفة عن شھوات الجسد , و ھذه ھى التي سنوضحھا الآن .
الكبرياء , الذى ھو مرض خاص بالنفس , و لا عالقة له بالجسد ,
و كذلك الإفتخار و الحسد , و الكراھية و الغضب و التراخى و غيرھا .
و لكن إذا سلمت النفس ذاتھا لله بكل قلبھا فإن الله يرحمھا , و يسلمھا إلى روح التوبة الذى يشھد لھا عن كل خطية , لكى ال تقترب منھا مرة أخرى , و يكشف للنفس عن أولئك الذين يحاربونھا و يحاولون أن يمنعوھا من الانفصال عن الخطايا باذلين كل جھدھم لكى لا تثبت .

( النفس ) فى التوبة , و لكن إذا احتملت النفس و اطاعت الروح الذى يرشدھا للتوبة فإن الخالق يتحنن بسرعة على تعب توبتھا و إذ يرى أتعاب الجسد فى الصلاة الكثيرة و الصوم و التضرع و تعلم كلمات الله , و فى جحد العالم و فى الاتضاع و الدموع و الثبات فى الإنسحاق , عند ذلك فإن الله الرحيم إذ يرى تعبھا و خضوعھا , يتحنن عليھا و يخلصھا ( يحررھا )

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق