مدونـة رئيــس الملائكــة رافائيـــل

بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة رافائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقوال ايضا افرحوا (فيلبى 4:4)

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

الرسالة الرهبانية السادسة للأنبا أنطونيوس الكبير

الرسالة السادسة للقديس أنطونيوس

  
من أنطونيوس إلى جميع الإخوة الأعزاء الذين فى أرسينوى (منطقه بالفيوم )
و ما حولها , و إلى أولئك الذين معكم , سلام لكم




    إليكم جميعاً يا من أعددتم أنفسكم لتأتوا إلى الله . أحييكم يا أحبائي فى الرب من أصغركم إلى أكبركم ، رجالاً و نساء ، أنتم الأبناء الإسرائيليون القديسون فى جوهركم العقلي . حقيقة يا أبنائى أن غبطة عظيمة قد أتت إليكم ، فما أعظم النعمة التى حلت عليكم فى أيامكم هذه . و يليق بكم بسببه هو ( المسيح ) الذى قد افتقدكم ، أن لا تكلوا فى جهادكم حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله فى كل قداسة . فإنها بدونها لا يستطيع أحد أن ينال الميراث .

  حقــاً يا أحبــائى :
إن هذا أمر عظيم لكم ، أن تطلبوا ما يختص بفهم الجوهر العقلي الذى لا يوجد فيه ذكر أو أنثى ، لكنه كيان غير مائت له بداية لكن ليس له نهاية . و أن تعلموا أن هذا الجوهر العقلي قد سقط فى الهوان و العار العظيم الذى قد أتى علينا جميعا لكنه جوهر غير مائت لا يفنى مع الجسد و لذلك رأى الله أن جرحه غير قابل للشفاء . و لأنه كان جرحا خطيرا هكذا ، فإن الله افتقد البشر برحمته و من صلاحه بعد مرور عدة أزمنة ، سلم لهم ناموساً لمساعدتهم بواسطة موسى معطى الناموس ، و أسس موسى لهم بيت الحق و أراد أن يشفى ذلك الجرح العظيم و لم يستطع أن يكمل بناء هذا البيت .
  
   و مرة أخرى إجتمع معاً جوقات القديسين ( الأنبياء ) و طلبوا رحمة الآب لكى يرسل ابنه ، لكى يأتي إلينا لأجل خلاصنا جميعاً . لأنه هو رئيس كهنتنا و الأمين و الطبيب الحقيقي الذى يستطيع أن يشفى الجرح العظيم . لذلك حسب إرادة الآب ، أخلى نفسه من مجده . لقد كان إلها و أخذ صورة عبد (فى 2 : 7 , 8 ) . لقد أخذ جسدنا و بذل نفسه لأجل خطايانا , و آثامنا سحقته , و بجراحاته شفينا جميعا ( إش 53 : 5 ) .

لذلك يا أبنائي الأعزاء فى الرب :
أريدكم أن تعرفوا ، أنه بسبب جهالتنا أخذ شكل الجهالة ، و بسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف ، و بسبب فقرنا أخذ شكل الفقر ، و بسبب موتنا لبس صورة المائت و ذاق الموت ، و إحتمل كل هذا من أجلنا .

حقاً يا أحبائي فى الرب :
يجب ألا نعطى نوماً لعيوننا و لا نعاسا لأجفاننا ( مز 132 : 4 ) لكن يجب علينا أن نصلى و نطلب بلجاجة إلى صلاح الآب حتى ننال رحمة ، و بهذه الطريقة سوف يتجدد حضور المسيح ( فينا ) و نعطى قوة لخدمة القديسين ، الذين يعملون لأجلنا على الأرض فى وقت تراخينا ، و سوف نحثهم ليتحركوا إلى مساعدتنا وقت ضيقنا . حينئذ يفرح الزارع و الحاصد معاً .
أريدكم أن تعلموا يا أبنائي :
حزني العظيم الذى أشعر به لأجلكم حينما أرى الإضطراب العظيم الآتي علينا و أفكر فى تعب القديسين العظيم و تنهداتهم التي ينطقون بها أمام الله من أجلنا ، لأنهم يشاهدون كل أتعاب و عمل خالقهم لأجل خلاصنا ، و كل المشورات الشريرة التي لإبليس و خدامه و الشر الذى يفكرون فيه دائما لأجل هلاكنا منذ صار نصيبهم فى جهنم ، و لأجل هذا السبب يريدوننا أن نهلك معهم و أن نكون مع جمعهم الكثير . حقا يا أحبائي فى الرب أتحدث إليكم كما إلى رجال حكماء لكيما تعرفوا تدبيرات خالقنا التي جعلها لأجلنا ، و التي تعطى لنا بواسطة البشارة الظاهرة و الخفية . لأننا ندعى عاقلون , لكننا قد لبسنا حالة الكائنات غير العاقلة بسبب ميلنا مع العدو ، أم لستم تعلمون كيف تكون حيل الشيطان و فنونه الكثيرة ، لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن عرفوا أننا حاولنا أن نرى عارنا و خزينا و قد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التي يعملونها معنا ، و لم نحاول فقط أن نرفض مشوراتهم الشريرة التي يزرعونها فينا بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم . و الشياطين تعرف إحسان خالقنا فى هذا العالم ، و إنه قد حكم عليهم بالموت و أعد لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم و كثرة خبثهم .
 
 أريدكم أن تعلموا يا أبنائي :
أنني لا أكف عن التوسل لله لأجلكم ليلاً و نهاراً لكى يفتح عيون قلوبكم حتى تبصروا كثرة خبث الشياطين الخفي و شرهم الذى يجلبونه علينا كل يوم فى هذا الوقت الحاضر . و أرجو الله أن يمنحكم قلب معرفة و روح تمييز حتى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم كذبيحة نقية أمام الآب فى قداسة عظيمة بلا عيب .

حقـــاً يا أبنـــائي :
إن الشياطين تحسدنا فى كل الأوقات بمشورتهم الشريرة و إضطهاداتهم الخفية و مكرهم الخبيث و روح الإغراء ، و أفكارهم التجديفية و عصيانهم ، و كل الشرور التي يبذرونها فى قلوبنا كل يوم ، و قساوة القلب و الأحزان الكثيرة التي يجلبونها علينا فى كل ساعة ، و المخاوف التي بها يجعلون قلوبنا تضعف يومياً ، و كل غضب و ذم بعضنا لبعض الذى يعلموننا إياه ، و كل تبرير لذواتنا فى كل ما نفعل ، و الإدانة التي يدخلونها فى قلوبنا , التي تجعلنا عندما نجلس منفردين ، أن ندين إخوتنا بالرغم من عدم سكناهم معنا ، و الإحتقار الذى يضعوه فى قلوبنا بواسطة الكبرياء عندما نكون قساة القلوب و نحتقر بعضنا البعض ، و عندما تكون عندنا مرارة ضد بعضنا البعض بكلماتنا القاسية ، و عندما نحزن فى كل ساعة ، و عندما نتهم بعضنا البعض ، و لا نلوم أنفسنا ظانين أن إخوتنا هم سبب متاعبنا ، بينما نحن جالسون نصدر أحكامنا على ما يظهر خارجا ( الأشياء الظاهرة ) ، بينما السارق موجود بكليته داخل بيتنا ، و كل المجادلات و الإنقسامات ( فى الرأي ) التي نتجادل بها مع بعضنا البعض إنما تهدف إلى إثبات كلمة ذواتنا لنظهر مبررين أمام بعضنا البعض .
   إن الأرواح الشريرة تجعلنا نتحمس لأعمال لا نستطيع القيام بها . بينما تتسبب فى أن نفشل و نخور فى المهام التي فى أيدينا و التي هى نافعة لنفوسنا لذلك فإنهم يجعلوننا نضحك فى وقت البكاء و نبكى فى وقت الضحك و هكذا ببساطة ، فإنهم يحولوننا كل مرة عن الطريق الصحيح . و توجد خداعات أخرى كثيرة يجعلوننا بواسطتها عبيدا لهم ، لكن لا يوجد وقت الآن لكى نصف كل هذه . لكنهم عندما يملأون قلوبنا بهذه الخدع ( الحيل ) فإننا نتغذى بها ، فتصير طعاما لنا ، و مع ذلك فإن الله يصبر علينا و يفتقدنا لكى نتركها و نرجع إليه . هذا و إن أعمالنا الشريرة التي ارتكبناها ستظهر لنا فى جسدنا و ستلبس نفوسنا هذا الجسد مرة أخرى لأن الله بصبره يسمح بذلك فتصير أواخرنا ( فى هذه الحالة ) أشر من أوائلنا ( مت 12 : 45 ) . لذلك لا تملوا من التوسل و الصلاة إلى صلاح الآب حتى إذا أتتكم معونته ، تستطيعون أن تعلموا نفوسكم ما هو الصواب .

حقا أخبركم يا أبنائي :
أن هذا الإناء الذى نسكن فيه هو سبب لهلاكنا ، و بيت مملوء بالحرب . بالحقيقة يا أبنائي أخبركم بأن الإنسان الذى يسر بإرادته الذاتية و يستعبد لأفكاره و يقبل الأشياء التي زرعت فى قلبه و يتلذذ بها ، و يتصور فى قلبه أن هذه الأفكار هي شئ عظيم ممتاز ، و يبرر نفسه بأعماله الظاهرة فإن نفس هذا الإنسان تكون مأوى للأرواح الشريرة التي تعلمه و تقوده إلى الشر ، و جسده يمتلئ بنجاسات شريرة يخفيها فى داخله و يصير للشياطين سلطان عظيم على مثل هذا الإنسان ، لأنه لم ينفر منهم و لم يخزهم أمام الناس .
     ألا تعرفون أن الشياطين ليس لهم طريقة واحدة للإصطياد ، حتى يمكننا معرفتها و الهروب منها ؟
أنتم تعرفون أن شرهم و إثمهم غير ظاهرين بشكل منظور ، لأنهم ليسوا أجساماً منظورة ، و لكن ينبغى أن تعرفوا بأننا نصير أجساداً لهم حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة ، و عندئذ يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذى نسكن فيه .


فالآن إذن يا أبنائى :
دعونا لا نعطيهم مكانا فينا ، لئلا يأتي غضب الله علينا ، أما هم فسيمضون إلى موضعهم و هم يضحكون ساخرين بنا . و هم يعلمون أن هلاكنا هو عن طريق ( بغضة ) قريبنا ، و أن حياتنا أيضاً و خلاصناً هى عن طريق ( محبة ) قريبنا . من رأى الله قط , حتى يفرح معه و يحتفظ به داخل نفسه ، حتى أن الله لا يمكن أن يفارقه , بل يعينه أثناء سكناه فى هذا الجسد الثقيل ؟
أو من رأى قط شيطانا فى محاربته ضدنا ، عندما يمنعنا من عمل الصلاح و يهاجمنا ، واقفا فى مواجهتنا بشكل محسوس ، لكى نخاف منه و نهرب منه ؟ فإن الشياطين يعملون خفية ، و نحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا . و هم جميعا من مصدر واحد فى جوهرهم العقلى ، و لكنهم عندما إبتعدوا عن الله صاروا أنواعا متعددة عن طريق تنوع أعمال شرهم .

   و لذلك أعطيت لهم ( الملائكة الأبرار و الأشرار ) أسماء مختلفة على حسب نوع عمل كل واحد منهم . فالبعض من الملائكة ( الأبرار ) يسمون رؤساء ملائكة ، و البعض منهم كراسى و ربوبيات ، و البعض رئاسات و سلاطين و الشاروبيم , و هذه الأسماء أعطيت لهم حين حفظوا مشيئة خالقهم . و من الجهة الأخرى فإن شر الآخرين ( الملائكة الساقطين ) جعل من الضرورى تسميتهم بأسماء : إبليس و الشيطان , بسبب حالتهم الشريرة ، و البعض منهم دعوا شياطين ، و البعض أرواح شريرة و أرواح نجسة ، و البعض أرواح مضلة ، و البعض دعوا بإسم رؤساء هذا العالم . و توجد أيضا أنواع أخرى كثيرة منهم .

   و يوجد أيضاً بين البشر الذين سكنوا فى هذا الجسد الثقيل ، هذا الذى نسكن فيه ، من قد قاوموا الشياطين ، و البعض من هؤلاء البشر دعوا رؤساء آباء ، و البعض أنبياء و ملوك و كهنة و قضاة و رسل ، و آخرون كثيرون صاروا مختارين بسبب صلاحهم . و سواء كانوا رجالاً أم نساء ، فقد أعطيت لهم كل هذه الأسماء على حسب نوع أعمالهم ، و لكنهم جميعاً هم من واحد .

   لذلك فلأجل هذا السبب ، إن الذى يخطئ ضد قريبه يخطئ ضد نفسه ، و الذى يفعل شرا بقريبه فإنه يفعل شرا بنفسه ، و الذى يصنع خيرا بقريبه يصنع خيرا لنفسه . و من جهة أخرى ، من الذى يستطيع أن يفعل شرا بالله أو من هو الذى يستطيع أن يؤذيه أو من يستطيع أن يغنيه أو من يستطيع قط أن يخدمه أو من يستطيع قط أن يباركه ، كأن الله محتاج إلى مباركة البشر و شكرهم ، أو من الذى يستطيع أن يكرم الله الإكرام الذى يليق به أو أن يمجده بالمجد الذى يستحقه ؟ لذلك ففى أثناء غربتنا و نحن لابسون هذا الجسد الثقيل , فلنعط الفرصة لله لكى يكون حيا و فعالا و حاضرا فى نفوسنا عن طريق حث و تحريض بعضنا البعض . و لنبذل ذواتنا حتى الموت لأجل نفوسنا و لأجل بعضنا البعض ، فإذا فعلنا هذا فإننا بذلك نظهر طبيعة رحمة الله و حنانه من نحونا . فلا نكن محبين لذواتنا لكى لا نكون مستعبدين لسلطانها المتقلب غير الثابت . لذلك فإن من يعرف نفسه ، فهو يعرف جميع الناس . لذلك مكتوب ” إن الله دعا كل الأشياء من العدم إلى الوجود ” ( حكمة 1 : 14 ) . و مثل هذه الشهادات تشير إلى طبيعتنا العقلية المختفية فى هذا الجسد الفاسد , و لكنها غير منتمية إليه منذ البداية بل سوف تتحرر منه . ولكن من يستطيع أن يحب نفسه يحب كل الناس .

يا أبنــائى الأعـــزاء :
إننى أصلى لكى لا يكون هذا الأمر شاقاً عليكم و متعبا لكم ، و لكى لا تكلوا و تضجروا من محبة بعضكم البعض . يا أبنائى ارفعوا و قدموا جسدكم هذا الذى تلبسونه ، و إجعلوا منه مذبحاً ( لإحراق البخور ) ، و ضعوا عليه كل أفكاركم و اتركوا عليه أمام الرب كل مشورة شريرة ، و ارفعوا يدى قلوبكم إلى الله ـ العقل الخالق ـ متوسلين إليه بالصلاة ، أن يرسل عليكم من الأعالى و ينعم عليكم بناره غير المرئية العظيمة ، لكى تنزل من السماء و تحرق كل ماهو موضوع على المذبح و تطهر المذبح , و بذلك فإن كهنة البعل ـ الذين هم أعمال العدو المضادة ـ سيخافون و يهربون من أمام وجوهكم ، كهروبهم أمام وجه إيليا ( 1 مل 18 : 38 ـ 44 ) و حينئذ ستبصرون سحابة ” قدر كف إنسان ” صاعدة من البحر ، و هي التي ستأتى إليكم بالمطر الروحاني ليسقط عليكم ، الذى هو تعزية الروح القدس .  
 
يا أبنائي الأعزاء فى الرب :
الأبناء الإسرائيليون القديسون ، إنه لا توجد حاجة إلى تسمية أسماءكم الجسدية ، التي ستمضى و تنتهى . و لكنكم تعرفون مقدار المحبة التى بينى و بينكم ، و هي ليست محبة جسدية ، بل محبة روحية إلهية . و إني واثق تماماً أنكم قد نلتم نعمة و غبطة عظيمة ، عن طريق إكتشافكم لخزيكم و عاركم الخاص بكم ، و إهتمامكم بتقوية و تشديد و ثبات جوهركم غير المنظور ( إنسانكم الباطن ) الذى لا يفنى و لا يضمحل مع الجسد . و بهذه الطريقة أعتقد أنكم تحصلون على النعمة و البركة و الغبطة من هذا الزمان الحاضر .

لذلك فلتكن هذه الكلمة واضحة دائماً أمامكم ، و هي أن لا تظنوا ، فى تقدمكم ( فى النعمة ) و سيركم فى الطريق ( الروحي ) ، أن هذا هو من فضل أعمالكم ، بل إفهموا أن الفضل فى هذا يرجع إلى قوة إلهية مقدسة تشترك معكم و تعينكم دائما فى كل أعمالكم . إجتهدوا أن تقدموا ذواتكم كذبيحة لله دائما . و أعطوا فرحاً لتلك القوة التي تعينكم ، و إبتهجوا قلب الله فى مجيئه ، و كذلك كل جماعة القديسين ، و أعطوا فرحاً لي أنا أيضاً ـ أنا المسكين البائس ـ الذى أسكن فى هذا المسكن المصنوع من طين و ظلمة . من أجل هذا فأنا أخبركم بهذه الأمور ، لكى أنعش و أعزى نفوسكم ، و أصلى ، حيث إننا جميعاً من نفس الجوهر غير المنظور ـ الذى له بداية و لكنه بلا نهاية ـ أن نحب بعضنا بعضا بمحبة واحدة . لأن كل الذين عرفوا أنفسهم ، يعرفون أنهم جميعاً من جوهر واحد عديم الموت .

    و أريدكم أن تعرفوا هذا ، أن يسوع المسيح ربنا ، هو نفسه عقل الآب الحقيقي و به قد خلقت كل الخلائق العاقلة على مثال صورته ، و أنه هو نفسه " رأس الخليقة , و رأس جسده أي الكنيسة "( كو 1 : 15 ـ 18 ) . لذلك فإننا جميعاً أعضاء بعضنا البعض و نحن جسد المسيح . و الرأس لا تستطيع أن تقول للقدمين ، لا حاجة لى إليكما " و إن كان عضو واحد يتألم , فالجسد كله يتألم معه "( أف 4 : 25 , 1 كو 27 , 12 : 26 ) .

أما إذا إنفصل عضو و خرج من الجسد و لم يعد له إتصال بالرأس ، بل يجد مسرته فى أهواء و شهوات نفسه و جسده ، فهذا معناه أن جرحه عديم الشفاء ، و قد نسى أصل حياته و بدايتها و نسى نهايتها و غايتها . و لذلك فإن آب الخليقة كلها قد تحرك بالحنو و الرحمة نحو جرحنا هذا ، الذى لم يستطع أحد من الخلائق أن يشفيه ، و لكن شفاءه هو بصلاح الآب وحده . الذى بصلاحه و محبته ، أرسل لنا ابنه الوحيد , الذى من أجل  عبوديتنا أخذ صورة العبد ( فى 2 : 7 ) . و بذل نفسه من أجل خطايانا , مسحوقا لأجل آثامنا , و بجرحه شفينا جميعاً ( إش 53 : 5 ) , و هو جمعنا من كل الجهات لكى يصنع قيامة لقلوبنا من الأرض و يعلمنا أننا جميعا من جوهر واحد و أعضاء بعضنا لبعض . لذلك ينبغى علينا أن نحب بعضنا بعضا بقوة عظيمة . فإن الذى يحب أخاه ، يحب الله ، و الذى يحب الله فإنه يحب نفسه .
   لتكن هذه الكلمة ظاهرة أمامكم ، يا أبنائي الأعزاء فى الرب ـ الأبناء الإسرائيليون القديسون ـ و أعدوا أنفسكم للمجئ إلى الرب ، لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة ، تلك التي لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بدون تطهير .


أم تجهلون يا أحبائي :
أن أعداء الصلاح يتآمرون دائماً ، مدبرين شرورا ضد الحق ؟ لأجل هذا أيضا يا أحبائى ، كونوا حريصين ، و لا تعطوا عيونكم نوماً , و لا أجفانكم نعاساً ( مز 132 : 4 ) . و إصرخوا إلى خالقكم نهاراً و ليلاً ، لكى تأتيكم القوة و المعونة من الأعالى ، و تحيط و تحفظ قلوبكم و أفكاركم فى المسيح .

حقا يا أبنائى :
إننا متغربون الآن فى بيت السارق ، و مربوطون برباطات الموت .
أقول لكم بالحقيقة ، يا أحبائى :
إن إهمالنا و حالتنا الوضيعة و إنحرافنا عن طريق الرب ، ليست خسارة و هلاك لنفوسنا فقط ، و لكنها أيضا سبب حزن و تعب للملائكة و لجميع القديسين فى المسيح يسوع .

حقاً يا أبنائى :
إن إنحطاطنا و إستعبادنا , يسببان حزنا عظيما لهم جميعاً , كما أن خلاصنا و سمونا و مجدنا هى سبب فرح و تهليل لهم جميعا .

   إعلموا أن محبة الآب و رأفته لا تتوقف أبدا ، فمنذ بداية تحركه بالمحبة من نحونا و إلى اليوم ، و هو لا يكف عن العمل لخيرنا و خلاصنا ، لكى لا نجلب الموت على أنفسنا بسبب سوء استعمال الإرادة الحرة التى خلقنا بها . لأجل هذا فإن الملائكة أيضا يحيطون بنا فى كل الأوقات كما هو مكتوب :
ملاك الرب حال حول خائفيه و ينجيهم ” ( مز 34 : 7 ) .
و الآن يا أحبائي :
أريدكم أن تعرفوا ، أنه منذ بدأت حركة محبة الله نحونا حتى الآن ، فإن كل الذين ابتعدوا عن الصلاح و سلكوا فى الشر ، يحسبون أنهم أبناء إبليس ، و جنود إبليس يعرفون ذلك و لهذا السبب يحاولون أن يحولوا كل واحد منا لنسير فى طريقهم .
   و لأن الشياطين يعرفون ، أن إبليس سقط من السماء عن طريق الكبرياء ، لهذا السبب أيضا فإنهم يهاجمون أولاً ، أولئك الذين بلغوا درجة عالية ( فى الفضيلة ) ، محاولين ـ بواسطة الكبرياء و المجد الباطل ـ أن يحركوهم الواحد ضد الآخر ، و هم يعرفون ـ أنهم بهذه الطريقة ـ يستطيعون أن يقطعوننا عن الله , لأنهم يعلمون أن من يحب أخاه يحب الله , و لهذا السبب فإن أعداء الصلاح يزرعون روح الانقسام فى قلوبنا , لكى نمتلئ بعداوة و بغضة شديدة ضد بعضنا البعض ، لدرجة أن الإنسان فى هذه الحالة لا يستطيع أحيانا أن يرى أخاه أو أن يحدثه و لو من بعيد .
حقاً , يا أبنائي :
إني أريدكم أن تعرفوا أن كثيرين قد سلكوا طريق النسك طوال حياتهم ، و لكن نقص التمييز و الإفراز تسبب فى موتهم .

حقا يا أبنائي :
إنكم إذا أهملتم نفوسكم ، و لم تميزوا أعمالكم و تمتحنوها فلا أظن أنه يكون أمراً عجيباً أن تسقطوا فى يدى إبليس بينما أنتم تظنون أنكم قريبون من الله ، و بينما أنتم تنتظرون النور تستولى عليكم الظلمة . فأي إحتياج كان ليسوع حتى يمنطق نفسه بمنشفة و يغسل أرجل من هم أقل منه ـ إلا لكى يعطينا مثالا ، و لكى يعلم أولئك الذين سيأتون و يتحولون إليه لينالوا منه الحياة من جديد ؟ ( انظر يو 13 : 4 ـ 17 ) . لأن بداية حركة الشر كانت هى الكبرياء التى حدثت أولا . و لهذا فبدون إتضاع عظيم من كل القلب و العقل و الروح و النفس و الجسد ، لن تستطيعوا أن ترثوا ملكوت الله .
حقاً يا أبنائي فى الرب :
إني أصلى نهاراً و ليلاً إلى إلهي الذى نلت منه عربون الروح ( 2 كو 1 : 22 ) ، أن يفتح عيون قلوبكم لتعرفوا المحبة التي عندي من نحوكم ، و يفتح آذان نفوسكم لكى تكتشفوا إرتباككم . فإن من يعرف خزيه ، فإنه يسعى من جديد لطلب النعمة التي وهبت له ، و الذى يعرف موته يعرف أيضا حياته الأبدية .
   إني أكلمكم يا أبنائي ، كأناس حكماء . إنى أخاف لئلا يستولى عليكم الجوع فى الطريق ، بينما كان من المفروض أن نصير أغنياء . كنت أرجو أن أراكم وجها لوجه فى الجسد . و لكنني أتطلع إلى الأمام ، إلى الوقت القريب ، الذى فيه سنصير قادرين على أن نرى بعضنا البعض وجها لوجه حينما يهرب الألم و الحزن و التنهد ، و يكون الفرح على رؤوس الجميع ( إش 35 :10 ) .
و هناك أمور أخرى كثيرة أريد أن أخبركم بها .
و لكن ” اعط فرصة حكمة للحكيم فيزداد حكمة ” ( أم 9 : 9 ) .

سلامى لكم جميعاً يا أبنائي الأعزاء
كل واحد بإسمه .



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق