عمل القلب فى الوحدة
+ و عمل
القلب ينقسم إلى أربعة أنواع :
النوع الأول : حزن القلب
حــــــــــــزن
القلب ، اتضاعــــــــه ، و همّه لأجـــــل خطــــاياه الســــــــابقة ،
و خوفــــــــــــــــــه ، مـــــن
الزلل ، و السقطــــات الحادثــــة لــــــــــــــــــه .
لأنه بهــــذه تتربَّى ، صلاة القلب ، أي بالحزن
و الاتضـــاع و الهذيذ بالفضائل .
أما
الهذيذ بالفضائل فهو تحريك (أي تأمل) حُسن تدبير القديســين ؛
لأنه من
هذا النـوع من الهذيذ تتيقظ النفس حتى تتزين بفضائلهــم ،
و يأخذ
الراهب شبههم في ذاته ،
و يتمثل
بهم في الصــــــــــــــبر و الفـــــــرح بالضيقـــــات و التجــــلد في الوحـــــدة ،
و عفة
الأعضاء والازدراء بشهوة الجســــد و الاهتمام الدائم بالطهارة ,
و أن يكون
غير محسوب بالكلية ؛
لأنه من
هذا يتولد فيه عدم الغضب ،
الغضــــب غير الحريّ ( غير اللائق ) الذي هو دليل العظمــة الكامنـــة داخل النفــس .
و مثلما تتصور فضائل
القديسين في النفس ، فإنها بغير عناء تتبع مثـــــال صبــــرهم
؛
لأنه بهــــــذا تتنقَّى
صلاتنــــــا من الانحلال والملل. فمن (حالة) الطياشة في
الأفكار ،
(يتبدل الوضع) فتأخذنا غيرة
فضيلتهم ، و كـــم
مـــــــن مـــــــرة يقبــــل الله
صلاتنــا .
و هذا هو
القصد من عمل السكون :
أن يتقوَّم به العقــل و يتشجع ويتطهـــر و يطـــرد الكســــل ،
حتى تكــون شهوته في كل أوقاته في مفاوضة الحســنات ؛
و بعدم
تذكار العـــالم تمــلك فيه حرارة دائمة بذكر الفضـائل ،
و هكذا
يتدرج إلى نقاوة عمل العقل الذي هو العمل الفاضل .
و من هذيــــــن
الأمريـــــــن ( أي من الهذيذ بفضائل القديسين و عدم تذكار العالم )
يقتني
الراهب أمرين فاضلين :
الأول هــو التفـــــــــرس في خـــــــــلائق اللــــــــه ،
و التعجب
بالسياسة الإلهية فينا من الأول إلى الآخـر .
النوع الثانى : الهمُّ الفاضل بالله وحده
و الذي
يجــذب للدهــش في طبيعته علي الدوام , و ضميرٍ عالٍ متحكــــم بالـــروح ،
و معرفة فاضلة , وإيمان سري متضاعف باهتمـام العالم الجديد و بالهذيذ بالمزمعات ،
و انتقال
دائـــم ( إلى العـــالم الجــــديد ) بسَــفَر الضمـــــــير ،
و ظهور
أسـرار في الذهـــــــن تتغيــــــر بحسب المنــــــازل ،
فيرتقــــــــــي ( من درجـة إلى أخــــرى) بغـــــير إرادتـــــــــه .
و ينتهي أمره أنه :
يتحــــــــــــــد بالأزليـــــــــة الإلهيـــــــــــــة ،
و يرجع
العقل إلى العلة الأولى (أي إلى الله) في كمــــــال تدبيـــــره .
و يتفـــــرس في
ترتيب حب الخالق و في إرادتـــه الصالحة للناطقــين .
و هنـــــــــــا تبطــــــــــل
الشكـــــــــــوك و يبطــــــــل الخــــــــــــوف .
إلــــــــــــى هذا
الكمال ينتهي قصد تدبير الوحدة و العمل في القلاية .
لأن :
الجســـد يضعـــــــــــــــف و الضمـــــــير يتـشـــــــبب
،
و الحواس تبطـــــــــــــــــل و المعــــــرفة ترتفـــــــــــع
،
و الأفكار تشرق بالنقـــــاوة ،
و الذهـن يطـــــــــــــــــــير و يرتفع إلى الله بتصــــوره ،
و الضمير ينقبض
من العالم و يطيش بــــالله
بهذيــــذه ،
و مع أن الفكــر
مشتبك مع الجسـد لكنه لا يثبــت معه ،
بل تكون مفاوضته دائمـــاً في العلا فيما هـــو أفضـــل .
الجسد انحــــــطَّ
وكـــــفَّ, و القــلب يُسَـــرُّ
بالفـــــــرح .
و من دون المعرفــــــــــــة
لا يرتفـع القلـــــــــــــــــــب .
أيها
المسيح أخرجني من الظلمة إلى النور لكي أسبحك تسابيح القلب لا الفم .
النوع
الثالث : في الثاؤريا
+ الذي قد
بلــغ إلى تدبـــــــير الثاؤريـــا و معرفــة الــــروح ،
ينبغي له
جــــــداً الوحـــدة و السكون في موضع سكنه ،
و يكون
منقطعاً من كل أحد , لكي يقتني سكوناً بسكون ،
و بالأكثر
في الليل مثلما أرانا سيدنا أنه كان ينطــلق في الليــالي إلى موضــع قفــر ،
و ذلك لتعليـم أبناء النـور المزمعين أن يسـيروا في
أثـره بهـــذا التدبــــــير الجديـــــد .
لأن
المفاوضـة الفرديـة مع الله هو عمـل الرتب السـمائية الذي ظهر للنـاس بابن الله ،
لما نزل إلى عالمهم وأراهم عمل غير المنظورين؛ لأنهم يتحركون بتمجيد الله بلا فتور ،
و يرتفعـون
بتصــور الثاؤريــــــا (أي بالنـظر الإلهــي) إلى طـع الثــالوث المســجود له ،
و يثبتــــــــون
فــي الدهــش بنظـــرة عِظــــــم ذلك المجـــــد الــذي لا يُنطــــــق به ،
و بهـــــــــــــــــــذا
التدبــــير فإن جميع البـشر عتيـدون أن يكونــوا في القيامة العامـة .
في تاؤرية الإنسان الجواني :
+ كلمـا
يدنـــو الإنســان إلى معـــرفة الحــق ، ينقـــص فعــــــل الحــــــواس ,
و يزيـــــد صمــــت الإفــــــــــراز دائمـاً .
و بقـــــدر ما يقـترب من تدبير العالـم بعمله تكثر
فيه يقظــــة الحـــــواس و تلذذها .
لأن تَقلُّــب هـــــذه الحيــــــــــــاة قــــــــــد أُعطـي لخدمــــة
الحــــواس ،
أما التدبير المزمع فهو لعمل الروح .
بل إن الحـواس في هــــذا العـــــالم لا تحتمــــل اســتعلان
ذلك الســــر ،
فتتخلف
عن عملها مثلما تكون أثناء النوم .
فالحــــــــواس ليست هي التي تستقبل ذلك السر الذي
يُعطى كعربون ،
بـــــل
بـــــل
الإنسان الداخلي.
يعطيــــك الله أن تعــــــرف قـــــــوة العالـــــم المزمـــــع ،
فبهــــذا تتخـــلف عن جميــــع استعمـــــــــالات هــــذا العـــــــالم .
النوع الرابع : الصلاة
+ قصد هذه
المقالة أنه :
ينبغي
لنا أن لا نبطل أي نوع من الأنواع الجسدانية اللائقة بالصـــلاة برأيٍ فاســــد ,
و لو أننا نرتفع بتدبيرنا إلى علو الأعالي؛
و أعنـي
بهذا القيـام في الخدمــــة (أي المزامير) و الســــــجود و المطانيـــــــات .
لأن
خدمة المزامير : تخلِّصنا من شرور كثيرة , وبها نبلغ إلى موهبة طهارة الصلاة ,
و إلى نظرة العقــــل التي هي الأفهام بالــروح ؛ لأن هذا هو :
كمال الخدمة و غاية كل ترتيب القوانين .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق