الميمر السابع عشر
حيث أننـــــــا تحدثنا عن الإحساس بالـــروح ، وعن خلجاته ،
فينبغى علينـا أن نوضــــــــــــــــــــــــــــــــــــح هنا ماهيتــه .
إنه قوة متوارية خفية تزهر فى القلب أساساً من المحبــة .
وهو محرك النفس من غير أسباب ، أو مدركات ينفعــل بهـا ،
أو أفكار فى الذهـــــــن ،
أو رؤيــــــة ماديـــــــة ،
لأجل هذا يظن أن الإحساس بالروح هــو بغــــــير مســببات ،
وذلك بســـــــــبب ثقــــــــل العقــــل عند غـــــــير الكــاملين .
وأما الكاملون فالسبب يظـهر لهــم واضحاً قويـــــــاً جـــــــــــــــــــداً ،
لأن حلاوة تسرى فى القلب وجزء منهـــــا ينطــــلق فى الجســــــــم ،
وجزء آخـــــر يرســــل إلى قوى النفس ،
لأن القـــلب وســـــــــيط بين الحـــواس الروحيـــة ،
و الحــــواس الجســدية ،
وهو للأولـــــى كالآلــة وأما للثانيــــة فطبيعيـــــاً .
وهو يتأثر بما يــــرد له مــن الناحيتـــــــــــــــــين ،
وهو يحرك كذلك فيهمـا تذوق إحســـــــــــاســــاته ،
ولهذا فإنـــه يغصــــــب عـلى الابتعاد عن العــــالم ،
و التخلـــــف عن أمـــوره .
تأثير محبة الله :
إن محبة الله حارة بالطبع ،
ومتى أحاطت بإنسان إحاطة تامة أذهلت نفسه بإحساسه بها ،
ولهــــــــــذا لا يقــــــدر القـــــــلب أن يســــعها أو يتحملهــــا ،
وحســــبما يأتي إليـــه مــــن المحبة بمقدار ما يشعر بتغــيير ،
لم يكــــــــن يحـــــــــــــــــــــــــس بــــــــــه قبــــــــــــــــــــلاً .
وهذه هـــي العلامات المحسوسة لهــذا التغيير :
أن يكـــــون وجهه نارياً بهجاً ، وجســـده حاراً ،
ويزول منه الوجل والحياء ويصير كالمذهــول ،
وتهرب منه قوة رزانة العقل فيصير كالطـائش ،
ويعتقـد أن حياته بالقياس لمحبته هى لا شـيء ،
ولهــــــــذا فإن المـــوت المــــرهوب من الكـــل
- يكون بالنسبة له موضــــع مسرة –
ولا يتوقف نظر عقله عن تأمل الســـــماويات ،
ويتفاوض فى ذاته مع غائب كأنه حاضـــــــر ،
والتأمــــل يتوقــــــــف بطــــريقة خفيــــــــــة ،
ويـــــزول علمه ونظره الطبيعيين ، وما يحس بأفعــــاله ،
ويكـــون مثل مــــن هــو مشـــدود النظـــر إلى واحــــــد ،
ويتحدث فكره دائماً كمن يتحدث مع آخـــر وهو مذهــول .
بهذه الأمور سكر الرسل والشهداء .
فالرســــــــــــــل طافوا كل العالم ولحقهم التعب والشقاء ،
وكذلك الشــهداء نالهــــــــــــــــــم الاســـــــــــــــــتهزاء .
والقديســـــــون تاهـوا فى القفـار على غـــــــير هــــدى ،
كأنهم جهــــلاء مع أنهم حكمــاء وذوى ترتيب ســـديد ،
وبإفراز حقـــــروا ذواتهم عــن النـــــاس .
هــــــــــؤلاء كانوا غير متألمين من جهة حاجة الجسـد ،
إذ هـــــــــدا وســــكن وأصـبح لا يغـــصب .
ونحـــــــن : نسأل الله أن يبادر ويؤهلنا بمراحمه الوافرة لهذا النصـــــــــيب ،
ذاك الذي أخـــــــــــذ جسده من طبيعتنـــا ، وبواســطته جاد علينا بهـذا كله ،
وهــــــــــو المجــــرب بكل شـــــيء مثلنـــــــا مـــا خـــلا الخطيــــة ،
بســبب إتحـــــــاده اتحاداً طبيعياً بالجسد الطبيعى إلى الأبد من غير اختلاط ،
ابن وحيد أقنوم واحد ، الجالس عن اليمين ،
الــــــــــذي لـــــه بــــين يديــــه نســــــــجد ،
ونمجــــــده الآن وفى الحيـــــاة الآتيــــــــــة ،
التي ليــــــس لهــــــــا انقضــاء ،
وإلى أبـــــد الآبــــــــدين آمــــين .
الاتضــــاع :
إذ ما رأيت ذاتك مستريحاً من حروب الشـــــهوات ،
قبـــل أن تدخـــــــــــــل مدينة الاتضـــــــــــــــــــاع ،
فــــلا تطمئن إلى العدو ، لأنه قد نصب لك كمينـــاً ،
بــــل توقـــــــع اضطـــراباً كبيراً بعد هذه الراحــة .
وإذا اجتزت عــــلى كل منـــــازل الفضـــــــــائل ، فــــــلن تصادف راحة من تعبك ،
ولا إنعتاقــــاً مــــن حيل أعـــــــــــــــــــــــــدائك إلى أن تصل إلى مرتبة الاتضاع .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق