الفكر الأول
من محبة الله للبشر أن يكون الفكر الأول الحال في الإنســــــــــــــــــــان ،
هـــــــو مرشـــــــد النفس إلي الخـــــــــــــــــــــلاص .
وهــــو فى القـــــــــــــــــــــلب قبل خــــروج هـذه الطبيعة ( إلى الحياة ) ،
وينتج عن هذا الفكر الموجود فى الطبع ( الإنسانى ) الاستهانة بالعـــالم ،
ومــن هنا تبتدئ فى الإنســـان كل حركة صالحــة قائدة إياه إلى الحيـــــــــــــــــــــــــــاة ،
وذلك إن القوة الإلهية الملازمة للإنسان تكون فيه كالأساس متى أرادت تظهر له الحياة .
وهذا الفكر الذى ذكرناه إذا لم يطفئه الإنسان بالمعاملات ، والمشغوليات العالمية والكلام الباطل ،
بل ينميه فى نفسه بالســكون ، ومـــــــــــــــــــــلازمة الـتـــــــــأمل ،
فإنه يقــــــــــــــــــــــــوده إلي ثاؤريا المناظر الســـــامية التي لا يمكــــــن لأحد وصــــــــــفها .
مـــا أشد مقت الشـــيطان لهذا الفكـــــــــــــــــــــــــــر ،
وهو ليحرص بكل قوتــــه على اقتلاعـــه مـن الإنسان ،
ولو أمكنه لأعطــــــــــــاه ملك العالم كله مقابل اقتـلاع ،
هذا الفكـــــــر وحـــــــده مــن الإنسان بالإغـــــــــراء ،
و المشغوليات ،
ولو استطاع لفعــــل ذلك دون تأخـــــــــــــــــــــــير ،
لأن الغـــــــــــــــــــاش ( أي الشــــــــــــــــــــــيطان )
يعلم أن هذا الفكــر إن ثبت في الإنســـان فعقله ،
لا يســــــــــــــــــــــتقر في أرض الضــــــــــــــلال ،
ولا تدنــــــــــــــــــــــــو منه حيـــــــــــــــــــــــــــله .
وليـــس كلامنـــــــــــا عن الفكر الأول فحســـــــــــــــــــــب ،
مع أنــــه يحرك فينـــا تذكـــر المــوت ،
بـــــــل عن حالة الكمـــــال حيث لا يفارق الإنسان هذا الفكر ،
ويهذى فيه باستمرار ، ويتعجــــــــــــــب منه دائماً .
إن ذاك الفكــــــــــــــــر جســــــــــــــــــــــــــــدانى ( أى الفكر الأول السابق ذكره ) ،
أمـــــــــــا هذا فنظر روحانى ( أى حالة الكمـــال ) ، ونعمـــــة عجيبــــــــــــــــــــة ،
وهــــــــــي نظرة لابسة حركات نورانيـــــــــــــــــــــة ومعــــاني فاضــــــــــــــــــلة ،
ومــــــن له هذا التأمــل لا يهتــم بالعــــــــــــــــــالم ، ولا يجنح إلى رغبة الجســــد .
حقـــــــــــاً أيها الأحباء إن الله لو أعطى ( للبــشر ) هذه الرؤية الحقيقية ( الروحانية )
زماناً قليـــــلاً لأضحى العالم بلا نســـــــــــــــــــــــــــــــــــــل .
هذه الرؤيا هـــــــــي رباط لا تقــــــدر الطبيعــــــــة على مقاومتـــــــــــــــــــــــــــــــه ،
والـــــذي حصل على هذا الهذيذ فى نفسه فقد حظى بنعمـــــــــة مـــن الله
أقــــــوى مـــــــن كل الأعمـــــــال الأخرى .
وهذه الموهبـــــــة تمنــــــح لمن هم فى المرتبة الوسطى الــــذين يؤثرون التوبة باستقامة قلب ،
وتمنـــــح يقينا للـــذين عــلم البــــــاري أنــــــه يليق بهــــــم الانفـــراد تمـاماً ،
عن العالم طلبـــاً لحيــــــاة أفضــــــــــــل بسبب إرادته الصالحة التي ألقاها فيهم .
هذه الموهبـــــة تنمـــــــــــــــو فيهـــــــــــــم ، وتســتمر معهـــــــــم عند التزامهم بالإقامة منفردين ،
وهـــــى التـــــي ينبغى التماسها فى صلواتنا ، وأن نسهر طــــــــويلاً من أجلهــــــــــــــــــــــــــــــــا ،
ونسكب الدموع ليجـــود الـــرب علينـــــا بهــا إذ منزلتها منزلة نعمة لا شـــــــــــــــــبيه لهـــــــــــا .
فالجدير بنا إذا أن نطلبها لأننـــا بعد نوالهـــــا لا نكون ممن يعـــانون من شــــــقاء هذا العـــــــــالم ،
هــــــذه هــــــي بداية أفكـــــــار الحيـــــــــاة التي تبلغ بالإنســـــــــان إلى كمــــــال الـــــــــــــــــــبر .
و لله المجد والإكرام .
آمـــين .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق