الميمر الثاني ( 11 )
التجــــــــــــارب :
إذا مرضت فقل : طوبى لمـــــــن هــــو أهـــــــل للتجـــــــــــــربة ،
التي تقع عليه حسب قصد الله وغرضــــــــــــه .
فهذه الأمــــور تـــــــــــــورث الحيــــــــــــــــاة ،
لأن الله إنما يجلب الأمراض لأجل صحة النفس .
قال أحد القديسين : إذا كان راهب لا يقـــدم للرب خدمـــة ترضيـــه ،
ولا يجتهــد فــي خــلاص نفســــه ،
بل يتكاسل فــي ممارسة الفضائل ،
فقد ثبت لى بالدليل الواضح أن الله لا محالة يسمح بوقوعه فى التجارب ،
لئلا يميل إلى الشر بســــبب كثر تراخيــه .
فلهذا السبب يجلب الله التجارب والفشل على المتوحدين ( أي الرهبان ) الكسالى ،
وذلك ليهذوا فيها دون الأمـــــور البــاطلة .
وهذا يفعله دائماً مع الذين يحبونه ليؤدبهم ويعطيهــــــــــم حكمــــــة ويعلم إرادته ،
ومتـــــى ســـــــــــــــألوه لا يسـتمع لهم سريعاً إلى أن يضعفـــوا ،
ويعلموا علماً لا يشوبه شك إن : ما حل بهم هو من أجل توانيهـــــم وكســــــــلهم ،
لأنه مكتــــــــوب : حــين تبســــطون أيديكم أســـــتر عيني عنكــــم ،
وإن أكثرتـــــــم الصــلاة لا أســـمع ( أش 1 : 15 ) ،
وإن كان هذا قيل عن آخـــرين إلا أنه سطر لأجل الذين يتخلفون عن طـــريق الله .
وإن سأل سائل قائلاً : إن الله تبارك اسمه كثير الرحمـــــــــة ،
فكيف لا يسمع منا إذا غشيتنا التجارب ،
بينما نحن نطرق ( الباب ) ونســــأله ؟
إن جواب هذا مستفاد من النبي القائل :
" إن يد الرب لم تقصر عــــن أن تخلــــــــــــص ،
ولم تثقـــــــل أذنـــــــه عــــن أن تســــــــــــــمع ،
بل آثامكــــم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكـــــم ،
وخطـــــاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع "
( أش 59 : 1 ، 2 ).
اذكـــــر الله دائمــــــــــــــــــــاً فى كل وقت ،
ليذكرك هو أيضاً إذاً ما وقعت فى الشـرور .
خلق الله طبيعتك قابلة للغواية ،
وتركك فى هذا العالم الذى فيه أسباب الغواية والتجارب الكثيرة المحـــــــزنة ،
والشرور ليســــــــــــت بعيدة عنــــــــــــك ، بــــل هـي تنبع من ذاتــــــــــــك ،
ومن تحت رجليك وفى الموضع الذى أنــــت ماثل فيــه إذا مـا أراد الله ذلك .
وكمــــــــا أن الجفـــون قريبة من بعضها البعض ،
هكــــــــــــذا التجارب قريبة منـــــــــــــــــــــــك ،
وقــــد قررها الله بحكمــــــــة لأجــــل منفعتـــــــك لكي تثـــابر على قــــرع بابـــــــه ،
وبالخوف من التجــــارب ينغرس ذكره في قلبــــك وتقـــــترب منــه بالتوســـــــلات ،
ويتقدس قلبك بمواصـــــــــــلة ذكـــــــــــــــــــره ، وتتضـــرع إليــه فيســـــــتمع لك ،
فتعلم أنه هو مخلصــــك وتحـــــس بخالقــــــــــك أنه المقــوي لــك ، والحافظ إيــاك ،
وهـــــــو قد خلق العالـــــــــمين ( أي الســــــماء والأرض ) مـــــن أجـــــــــــــــــلك .
أحداهما وقتى بمنزلة المعلم والمؤدب ،
والآخــــــــــر بمنزلة بيتــك الأبـــــدى .
إن الله جـــــل اسمه صنعك قابلاً للأهواء لئلا تشــــــــتهى الألوهيـــــــــــة ،
كما فعل الذى قبلك فأصبح شــــــــــيطاناً من أجل تشامخه فورث ما ورث .
وأيضاً لم يصنعك بغير ميـــول ،
ولا غير متحـــرك لئلا تكون بمنزلة الطبائع ( الجماد ) التي لا روح لهــــــــــــــــا ،
فيكون خيرك بلا فائـــــــــــــدة ولا جزاء ، مثله مثل المآثر الطبيعية التي للحيوان غير الناطق .
إنه سهل على الكل أن يعرفـوا كـــــم من الفوائد ،
كالشــــــكر والاتضاع تتولد من التجارب .
والجهاد فى عمل البر والانحـــــــــــــــــــــــــراف إلــــى الشـــــــرور ،
هما بحسب إرادتنــــا والكرامة والهوان الناجمان عنهما ينسبان إلينا ،
فالهــــــــوان نخــزى منــــــــــــه ،
وأما الكرامة فلنكشر الرب عليهــا ،
ونتــــزايد فى الفضيلة .
التجارب تحفظ من التكبر :
إن الله إنما يكثر هذه الأمور التـــــــــــي تؤدب وترشد حفظــاً لك من أن تنســــــاه ،
لأنك إذا ما تحررت منهــــا ، ولــــــــــم ينـــــــــــلك نصـــــــــيب من التجـــــــارب ،
وصــــرت أعـــــــــــــــــــــــــــــــلى من كل خــــــوف ،
فإنــــــك تنحـــــرف عنـــــه وتتجـــــــه إلى هـــــــــــوة النفاق ،
وتجــــذبك عقيدة تعـــدد الآلهـــــــــة كما ضل كثيرون .
هـــــــؤلاء الــــــذين ــ رغم كونهم ــ مثلك معرضين للشهوات ومحتــــــــاجين ،
وكـــــــانت عليهــــــــــــــــــــــــــــــم كل هذه الأحـزان .
ولكن لأجل ما كان لهـــــــــم من سلطان حقير وقـتي ،
وصحــــة الجسم الفانى ،
فإنهـــم لم يهبطوا إلى القول بآلهة كثــــــــيرة فقـط ،
بـــــــل تجاسروا بجهــــالة ودعوا ذواتهم آلهـــــه .
لهــــذا سمح البــــــــــــارى أن تلم بك الضــوائق لئــــــــلا تنحرف عنه وتغضبه ،
فيورد عليك العقوبة ويقصيك مــــــــن أمام وجهـــه .
وأنا أمســــك عن ذكر النفاق وبقية التجاديف المتولدة من
صفاء العيش فى العــــــــــالم وزوال الخــــــــــــــــــــــوف .
فبالضوائق والآلام يزداد ذكر الله فى قلبك ،
لأن الخوف من المحزنات ينهضك إلـــــــى قــــرع باب تحننـــــــه ،
وهـــــو يخلصــــــــك منهــــــــا ،
ويزرع فيك المحبــــــــة لــــــــه ،
وعندمـــــــا يوجــــد فيك الحــب فهــــذا يقربك إلى كرامــة البنــوة ،
ويريك مقدار نعمه الغزيرة ،
وعنايتـــــه الدائمة بــــــك .
ثم بعـــد ذلك يجعلك تدرك قدس جلاله ،
والأسرار الخفيــة التي تعظم طبيعتــــه .
فمن أين كان لك أن تعرف هذه ( أى عنايته الدائمة بك )
إذا لم تواجهــــــــــــــــــــــــــك التجـــــــــــــــــــــارب ؟
ولذلك فإن محبة الله تتزايد في النفــس أعني من تفهـــــم إنعامــــه ،
ومن تكرار ذكر عنايتــه ، ورعايتـــــــــــــه المشــــــــــــــــــــكورة .
وهذه الفوائد الناتجـــــــة من التجارب هي بغرض أن تفهم وتشـكر .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق