الميمر الثالث والثلاثون
على قدر ما يستهين الإنسان بالعــالم ، ويجتهــــــــــــــــد فى خـــــــــــوف الله ،
بقــــــدر ما تدنو منه العناية الإلهية ، ويحس بمناصرتها إحساساً مريحاً خفياً ،
وتعطى له خلجات نقيــــة تمنحــه الفهم .
ولــــــــــــو عدم الخــــيرات العالميـــــة كرهــــاً عـــن إرادتــه ،
فبمقــــــدار ما يخسر منها ، تتبعه رحمة الله ، وينتشله جوده .
المجد للذي يخلصنـــا من التجـــــــارب اليمينيـــة واليســارية ،
ويوجــــد كل ســــــــــــبيل لإنقــــــــــــــــــــــاذنا .
لأن الذين يعجــــزون عن اقتناء حياتهم بغـــــير إرادتهم بسبب ضعف عزيمتهم ،
فإنه بالأحـــــــــــزان التي بغير إرادتهــم يدفــــع نفوســـــــــهم إلى الفضـــــيلة .
والدليل على ذلك لعازر المسكين الذي لــم يعدم خـــــيرات العــــالم بإرادتــــــــــه ،
بــل كان جسده أيضـــــاً مضروباً بالجروح .
كان بــه مرضان ، كل منهما أردأ من الآخــــــر ،
ومع هذا كرم أخيراً فى حضن إبراهيم ( لو 16 ) .
الله قريب من صاحب القلب الحزين الصارخ إليه .
إن نحـــن عدمنا الأمور الجسدية ، ونترك حينا لكى نحزن بدرب من الأحزان ،
فما دمنا صــــــــــــــــــــــــابرين ، فإنـــه يجعـــــــــــــــــل ذلك معـــــــــونة ،
كالطبيب الـــــــــــذي يتلطــــــــــف فــــي إيجاد الصحة للمرض المستعصى ،
بعمــــــــــــــــــــــــــــــل مؤلــم ( كالجراحــــــــة أو الكـــــــــــي ) .
نعــــــم إن الـــــــــــــــــــــــــرب يعزى نفســــــــــــــه كثـــــــــــــــــــــيراً ،
بقــدر صعوبة الأحزان التي كابدهــــــــــا .
اعلم أن العــــالم حـــى فيــــك أكــــــــــــثر مــــــــن المســـــــــــــــــيح ،
إذا كـــــــان الاشــــتياق إليــــه لا يســــــتولى عليــك ،
فــــــــــــلا تتألم فى كل أحزانك بسبب فرحــــــــــك بالمسيح .
وإذا كان المرض و العوز و هلاك الجسـد و الخوف من الأشياء المؤذيـــــة تزعج فكرك
وتحوله عن بهجة أمــلك و رجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــائك ،
وتصـــــــــــــــــــــــــرفه عـــن ذكـــر هذيــــــذ الثقـــة باللــــه ،
فاعلم أن الجســــــــــــــد حى فيـــــــــــك لا المســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــيح ،
لأن ما يســـــــــــــــتولى عليك ويكـــــثر ويقوى شوقك إلى العالم هو الحى فيــك .
إذا كنــــــــت غير معوز ، وما تحتاجـــه متوفر لديـك ، وجســــدك صحيــــــــح ،
ولا خــــــوف يلـــــم بـــــك من الأمور المضـــــــــادة .
وحينئذ تقول أنك تقـــــــدر أن تسير نحو المسيح ســــــيراً طــــــــــــــاهراً ،
فاعلم أنــك مريض العقل ، وعــــدمـت تــــــذوق مجـــــــد اللـــــــــــــــــــه ،
وليس قولى هـــــذا عـــــــلى ســـــــــــبيل الدينــــــــــــونة لـــــــــــــــــــك ،
بل لكــى تعلم فقط مقدار ما خسرته من الكمــــــــــــــال ،
وإن كان لك جـــــــــــزء ما من ســيرة الآباء القديسين .
ولا تقــــــــل إنه لا يوجد إنسان ارتفع فكره تماماً عن الضعف ،
إذا توعـــــــك الجسد بالتجــــــارب والأحزان ،
وإن حزن القلب لا يغــــلب جزئيـــــاً شـــــــــــوق المســـــيح ،
فأنا أســكت عن ذكر الشــــــهداء القديســـــــين خـــوفاً من عجزى عن الثبات أمام شدة تجاربهم ،
ومقــدار ما غـــلب صبر بعضــــهم النــــابع من قوة الحب والشوق معاناة أجســـادهم ،
تلك الأمـــور التـــي ذكرها فقط يحزن الطبيعة البشرية التي تنزعـــــــــج من جســــــــامتها ،
وعدم إمكــــــــــان تصـــــــــــــورها .
والخليق بنا أن نتـــــــــأمل الكفــــرة المدعـــــــــويين فلاســـــــــــفة ،
فـــــــــإن واحد منهم قرر فى نفسه حفظ السكوت زماناً يسيراً ،
فتعجـــب ملك الــــــــروم من ســــــماع هـــــــذا الأمــــــــــــر ،
ورغــب فى امتحـــــانه وطـــــــــلب حضــــــوره أمامـــــــــــه ،
فلمــــــا رآه صامتاً تماماً عن الإجابة على كل ما يسأل بشأنه ،
غضــــب وأمر بموته لأنه لم يحترم عرشـــه وتــــــاج مجـــده ،
فلم يخف من هذا الأمـــــر بل حفــــظ ما فرضه على ذاتــــــه ،
ولـــــزم الصـــــــــــــــمت حـــــــــــــتى المـــــــــــــــــــــــوت ،
فقال الملك للسيافين إن هو جزع مـــن الســـــيف ، ونقـــض عزمــــه اقتــــــــلوه ،
وإن لم يكترث ، ولزم الصمت الذى سنه لنفسه فردوه إلى حياً .
فلمـــــــا دنا من الموضع المحدد حزن الموصــون به ،
وشددوا عليه لكى يتخـــلى عن قــــراره ولا يمـــوت ،
لكنه فكر فى نفسه ، وقال :
إن الأفضــــل لى أن أموت في ساعة واحدة ،
وأحفظ إرادتى إذا قد اجتهـــــــــــدت في هذا الموضع زماناً هذا مقداره ،
من أن أقهر للخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف وأهين فلســـــفتى ( أى حكمتى ) ،
وأوجد فاشلاً من أجــــل الشيء الذى لابـد لي من ذوقـــه في أى وقــــــــــــت كــــــــــــــــان ،
ومد عنقـــه للســـــيف بــدون انزعـــــــاج ،
فرقـــــــــى ذلك إلى المــــــــلك فأعجــــــــــــب بـــــــــه ، وأطلق ســـــــــبيله بإكـــــــــــــرام .
و آخــــــــــــرون داسوا الشهوة الطبيعيــــــة ، وقوم احتملوا الســــب .
وطائفـــــة أخرى صبرت على أمراض صعبـــة مــــن غـــير إكتئــــاب .
ومجموعة أخرى صـبرت على كـــــــــــــــــثير مـــن الضـــــــــــــغوط ،
والضيقات الصعبة حـــتى أن اســــــكندر الملك لما اجتمع ببعض منهم ،
لم يسمع منهم شيئاً إلا رفـــض العـــــــــالم .
فــــإن كان هؤلاء القوم احتملوا هذه الأشــياء لأجل مجد باطل ، وآمال فارغة ،
فنحن معشر الرهبــــــــان المدعــــــــــــــوين لمشــــــــــاركة المســـــــــــــيح ،
فكــم أولى بنا هذا الصبر لنؤهل لها بشفاعات سيدتنا الفائقة القداسة والدة الإله مريم الدائمة البتولية ،
وكل الذين أرضوا المسيح له المجد بعرق جهادهم
الذى له ينبغى كل تمجيد وإكرام وسجود مع أبيه المساوى له فى الأزلية ،
وروحه المحيي المساوى له فى الأزلية الآن ،
ودائماً وإلى آباد الدهور كلها .
آمـــــين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق